مواقيت الحج
المواقيت المكانية
والمقصود بها تلك الأماكن التي حدَّدها الشارع الحكيم ليُحرم منها الحاج أو المعتمر، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت وحددها كما في الصحيح من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهن ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة)) رواه البخاري (1524) واللفظ له، ومسلم (2860)، ويبقى أن ميقات أهل العراق وخراسان وما وراءها هو ذات عرق كما في حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل العراق ذات عرق)) 1 .
وتفصيل هذه المواقيت بالنظر إلى المسافة الواقعة بينها وبين مكة المكرمة كما يلي:
ميقات أهل المدينة ذو الحُليفة: بضم الحاء وفتح اللام تصغير الحلفاء، وهو نبت معروف ينبت بتلك المنطقة، وتسمى الآن "آبار علي"، ويكاد عمران المدينة المنورة الآن يصل إليها، وتبلغ المسافة من ضفة وادي الحليفة إلى المسجد النبوي ثلاثة عشر كيلاً، ومن تلك الضفة إلى مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم أربعمائة وثمانية وعشرين كيلاً، والحُليفة ميقات أهل المدينة، ومن أتى عن طريقهم.
وميقات أهل الشام الجحفة:وهي قرية بينها وبين البحر الأحمر عشرة أكيال، وهي الآن خراب، ويُحرم الناس من:
رابغ: وهي مدينة كبيرة فيها الدوائر والمرافق والمدارس الحكومية، وتبعد عن مكة المكرمة عن طريق وادي الجموم مائة وستة ثمانين كيلاً، ويحرم من رابغ أهل لبنان وسوريا، والأردن وفلسطين، ومصر والسودان، وحكومات المغرب الأربع، وبلدان أفريقيا، وبعض المنطقة الشمالية في المملكة العربية السعودية.
وميقات أهل نجد قرن المنازل: وهذا الميقات اشتهر اسمه الآن بـ"السيل الكبير" ومسافته من بطن الوادي إلى مكة المكرمة ثمانية وسبعون كيلاً، ويحرم من قرن المنازل أهل نجد، وحاج الشرق كله من أهل الخليج، والعراق، وإيران، وغيرهم.
وميقات أهل اليمن يلملم: ويقال ألملم، ويلملم نسبة إلى الوادي المعترض لجميع طرق اليمن الساحلي، وساحل المملكة العربية السعودية، وهو ميقات أهل اليمن ومن جاء من طريقهم، ويبعد وادي يلملم عن مكة 120 كيلواً متراً، ويسمى اليوم السعدية.
وميقات أهل العراق ذات عرق:وتسمى الضريبة، وهو موضع في الشمال الشرقي لمكة بينه وبينها 100كيلومتراً.
وقد نظمها بعضهم فقال:
عرق العراق ويلملم اليمن وبذي الحـليفة يُحرم المدني
والشام جحفة إن مررت به ولأهــل نجد قرن فاستبن
فهذه هي المواقيت التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مواقيت لكل من مرَّ بها سواء كان من أهل تلك الجهات، أو كان من جهة أخرى وجاء من جهة تلك المواقيت، وقد جاء في كلامه صلى الله عليه وسلم: ((هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة)) رواه البخاري (1524) واللفظ له، ومسلم (2860)، أي أن هذه المواقيت لأهل البلاد المذكورة، ولمن مرَّ بها وإن لم يكن من أهلها فإنه يحرم منها إذا أتى قاصداً النسك.
مجاوزة الميقات بدون إحرام
لا يجوز لمن عزم على الحج أو العمرة أن يتجاوز هذه المواقيت بدون إحرام، ومن تجاوزها بغير إحرام وأحرم بعدها فعليه كفارة دم يوزع على فقراء الحرم، أو يلزمه الرجوع إلى ميقات بلده الذي جاء منه فيحرم منه.
قال سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: (من جاوز الميقات بلا إحرام وجب عليه الرجوع فإن لم يرجع فعليه دم وهو سبع بقرة أو سبع بدنه أو رأس من الغنم يجزئ في الأضحية إذا كان حين مر على الميقات ناويا الحج أو العمرة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين).
ومن مَرّ بالمواقيت وهو لا يريد حَجّاً ولا عمرة، ثم بدا له بعد ذلك أن يعتمر أو يحج فإنه يُحرم من المكان الذي عزم فيه على ذلك لحديث ابن عباس السابق : (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة).
جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء : من مر على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حاذاه جواً أو براً أو بحراً وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام، وإذا كان لا يريد حجاً ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم، وإذا جاوزها بدون إرادة حج أو عمرة، ثم أنشأ الحج أو العمرة من مكة أو جدة فإنه يحرم بالحج من حيث أنشأ من مكة أو جدة مثلاً. أما العمرة فإن أنشأها خارج الحرم أحرم من حيث أنشأ، وإن أنشأها من داخل الحرم فعليه أن يخرج إلى أدنى الحل ويحرم منه للعمرة. هذا هو الأصل في هذا الباب، وهذا الشخص المسئول عنه إذا كان أنشأ العمرة من جدة وهو لم يردها عند مروره الميقات، فعمرته صحيحة ولا شيء عليه.
والأصل في هذا حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، قال: "هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك أهل مكة يهلون منها"متفق عليه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم المحصب، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: "اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت، فإني أنتظركما هاهنا"قالت: فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله وهو في منزله في جوف الليل، فقال: "هل فرغت؟"، قلت: نعم، فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة متفق عليه. وبالله التوفيق.
من كان منزله دون المواقيت:
وَمَن كان أقربَ إلى مكة من هذه المواقيت فَيُحرم من مكانه، كذلك من كان بمكة وأراد الحج فميقاته منازل مكة لقوله عليه الصلاة والسلام: ((حتى أهل مكة من مكة)) رواه البخاري واللفظ له، ومسلم.
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى : من كان دون المواقيت أحرم من مكانه مثل أهل أم السلم وأهل بحرة يحرمون من مكانهم وأهل جدة يحرمون من بلدهم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : "ومن كان دون ذلك – أي دون المواقيت – فمهله من حيث أنشأ "وفي لفظ آخر : "فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون منها" 2
أما في العمرة فيحرم من كان في الحَرَم من أدنى الحلّ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعبدالرحمن بن أبي بكر : « اخْرُج بأُختِك ـ يعني عائشة لما طلبت منه العمرة ـ من الحَرَم فَلتُهِل بعمرة» متفق عليه.
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء :" ميقات العمرة لمن بمكة الحل؛ لأن عائشة رضي الله عنها، لما ألحت على النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر عمرة مفردة، بعد أن حجت معه قارنة، أمر أخاها عبد الرحمن أن يذهب معها إلى التنعيم؛ لتحرم منه بعمرة، وهو أقرب ما يكون من الحل إلى مكة، وكان ذلك ليلاً، ولو كان الإحرام بالعمرة من مكة أو من أي مكان من الحرم جائز، لما شق النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه وعلى عائشة وأخيها، بأمره أخاها أن يذهب معها إلى التنعيم لتحرم منه بالعمرة، وقد كان ذلك ليلاً وهم على سفر، ويحوجه ذلك إلى انتظارهما، والإذن لها أن تحرم من منزلها معه ببطحاء مكة، وعملاً بسماحة الشريعة الإسلامية ويسرها؛ ولأنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وحيث لم يأذن لها في الإحرام بالعمرة من بطحاء مكة، دل ذلك على أن الحرم ليس ميقاتاً للإحرام بالعمرة، وكان هذا مخصصاً لحديث: "وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمهله من أهله، حتى أهل مكة من مكة". وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم"
محاذاة الميقات المكاني:
ومن كان طريقه يميناً أو شمالاً من هذه المواقيت فإنه يحرم عند محاذاة ميقاته سواء كان في الطائرة، أم في الباخرة، أم في السيارة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري رحمه الله في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرناً شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم؛ فحدَّ لهم ذات عرق" رواه البخاري (1531)
فإن لم يُحاذِ ميقاتاً مثل أهل سواكنَ في السودان ومن يمر من طريقهم فإنهم يحرمون من جُدّة.
هل تعتبر مدينة جدة من المواقيت المكانية:
تعتبر جدة ميقاتاً لأهلها وللمقيمين فيها من غير أهلها، وكذا لمن أتى إلى جدة ولم ينو الحج أو العمرة إلا وهو في أرض جدة، وعلى ذلك إذا أراد أحد من أهل جدة أو المقيمين فيها؛ أن يحج أو يعتمر فإنه يحرم من جدة، ولا يلزمه الذهاب إلى أحد المواقيت ليحرم منها.
أما غير أهلها فقد جاء في كلام لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "وأما جعل جدة ميقاتاً لكل من يأتي بالطائرة فهو قول واه مصادم للنصوص، ينبغي هجره، والرد على قائله، فالسنة واضحة في هذا الأمر، والأحكام لا تختلف بالطيران والارتفاع عن الأرض عن القرار عليها في مثل هذا" 3 .
وصدرت بذلك فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ومن غيره من العلماء؛ لأن جدة دون المواقيت التي جاءت بها النصوص الشرعية.
لكنها ميقات لمن لم يحاذ ميقاتاً، وقد ضرب العلماء بهذا مثال مدينة سواكن بالسودان؛ لأن أهل هذه المدينة يصلون إلى جدة قبل أن يحاذوا ميقاتاً، فإن أهل هذه المدينة هم الذين يحرمون منها فقط، أما ما عداهم من أناس يحاذون ميقاتاً؛ فيجب عليهم الإحرام من المكان الذي يحاذون فيه الميقات.
والله تعالى أعلم، وبالله التوفيق.
موقع مناسك
1 سنن أبي داود (1741)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود.
2 نشر في مجلة (الدعوة) العدد 1545 في محرم 1417هـ ، وفي جريدة (الرياض ) ، وفي جريدة (الجزيرة) بتاريخ 15/2/1415هـ
3 شرح كتاب الحج من بلوغ المرام لابن عثيمين (1/40).