أول بيت وضع للناس ...
لم أكن أعرف أنني قبل نحو ربع قرن من الزمان عندما دفعت بيدي الكرسي المتحرك علي عجل الذي كان يجلس فيه المغفور له الملك خالد بن عبدالعزيز عاهل السعودية أيامها خبثا صحفيا مني لكي أدخل معه إلي قلب الكعبة المشرفة.. وأصلي داخل مبناها المصمت المظلم من الداخل.. أنني بعملي هذا قد دخلت إلي قلب أول بيت أنشيء للناس قبل الخليقة نفسها بآلاف السنين.. بل حتي قبل خلق الكون كله.. الأجرام والنجوم والكواكب, ومن بينها الأرض التي نعيش عليها منذ الأزل.. ونعيث فيها حبا وكرها.. عدلا وظلما.. جمالا وقبحا.. خيرا وشرا!
يفاجئني مولانا المقريزي بقوله: تا الله.. إنه الحظ في ركابك يا فتي ولسوف تدخل موسوعة جينز العالمية التي تدخلون فيها كل ما هو عجيب وغريب في هذا الكون!
قلت دهشا ـ وهي صفة طفولية مازلت أحتفظ بها إلي يومنا هذا.. برغم الكوارث والملمات التي تهبط علينا وتكاد تعشقنا عشقا دون شعوب الأرض أجمعين ـ: أمجرد دخول الكعبة المشرفة والصلاة داخلها ضرب من الحظ والضرب بالنرد!
قال مهللا: وكيف لا تكون أكثر الخلق حظا وسعدا وقد دخلت أول بيت أنشئ للناس, كما يقول المولي عز وجل في كتابه العزيز في سورة آل عمران: إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدي للعالمين.
قلت: وقال المولي عز وجل: ومن دخله كان آمنا.. فهل ينطبق علي أنا أيضا هذا القول؟
قال: الأمان هنا يعني أنه محرم أن يمسك أحد بسوء أو بأذي.. ألم أقل لك إنك كثير الحظوظ وطالع السعد في ركابك!
قلت: ياه يا مولانا أكل هذا لأنني دخلت أول بيت وضع للناس؟
قال: بل أكثر من ذلك.. لقد دخلت وصليت في قلب الكعبة التي أقيمت قواعدها وبناؤها قبل المسجد الأقصي نفسه..
قلت: يا سيدي الفاضل.. المسجد الأقصي كان موجودا قبل الإسلام بزمان طويل!
قال متحديا: بل الكعبة المشرفة أو البيت الحرام أي البيت المعمور كانت موجودة قبل ظهور الإنسان نفسه!
قلت بلهجة أولاد البلد: ازاي بقي يا أبوالعريف؟
باستهجان واشمئناط مع نظرة نارية من عينيه السوداويين: لك الله يا هذا وكمان سميتني أبا العريف.. معلهش ياسيدي.. أنت مازلت تجدف بزورق يتيم في بحور تاريخ الدنيا بأسرها..
علي أية حال لقد سأل أبوذر الغفاري رسول الله صلي الله عليه وسلم السؤال نفسه: من السابق ومن اللاحق: المسجد الأقصي أم المسجد الحرام؟
وكان رد رسول الله صلي الله عليه وسلم: المسجد الحرام هو الذي وضع أولا ثم المسجد الأقصي.. وكان بينهما أربعون عاما!
أسأل: أربعون عاما فقط؟
قال مولانا: المقصود هنا ـ كما يقول عالمكم الدكتور أحمد السيد دراج في كتابه الكعبة المشرفة سرة الأرض ووسط الدنيا ـ بالأربعين عاما.. ليس بالبناء ولكنه بالعبادة.. بوصفهما أول مسجدين حددهما الله بأمر إلهي للعبادة.
قلت: لقد أضفت يا مولانا إلي حظوظي الصحفية في حياتي حظا آخر.. هو أنني دخلت إلي المكان الذي يقع فيه سرة الأرض ألا وهو الكعبة المشرفة أو المسجد الحرام..
مولانا المقريزي يعقب: لك كل الحق فيما تقول وفيما تدعي!