الدروس والفوائد التي استفاد منها الملك خالد في ضم الحجاز
وإذا أردنا أن ندرك بعضا من الدروس والفوائد التي يمكن أن يكون الملك خالد قد استفاد منها في (ضم الحجاز ) فإننا نجد قائمة من الفوائد منها:
1 - أهمية بعد نظر القائد سياسيا في تحقيق النصر عسكريا، وذلك إن هذه الصفة تجعله يتحرك في الوقت المناسب للحرب، ويهيئ لتحركه جميع وسائل النجاح، سياسيا ومعنويا وماديا، ويتصرف تجاه كل موقف تصرفا ملائما.
ومن ذلك إنه عمل على (تحييد) موقف بريطانيا، بل جعلها تتخلى عن حلفها بكشف مواقف الحسين غير العادلة تجاهه أمام العرب والمسلمين، وتهيئة نفوس أتباعه خاصة الإخوان الذين كانوا يتطلعون إلى أداء الحج الذي منعهم الملك حسين من أدائه، وحشد الطاقات المادية والعسكرية لذلك التحرك العثيمين: معارك الملك عبد العزيز، ص275، محمد عبد الله ماضي: النهضات الحديثة في جزيرة العرب، ص163.
وقد عمل الملك عبدالعزيز على تعبئة الرأي العالمي الإسلامي من خلال عدم محاولته اقتحام المدينة، بل أكد على قواته أن تحاصرها محاصرة لتدخلها بطريقة سلمية، ذلك أنه يحترم قدسية المدينة كل احترام، ويعلم عظمة تلك القدسية لجميع المسلمين، كما أنه لم يحاصر مكة المكرمة أصلا، أما جدة فكان فيها ممثلون لدول أجنبية يحرص غاية الحرص على بقائها محايدة بينه وبين خصمه الملك علي، فكانت أية محاولة اقتحام لتلك المدينة، قد تعرض أولئك الممثلين لمخاطر لها عواقب وخيمة.
وكذلك اطلاع المسلمين في الأقطار المختلفة على الحقائق الموجودة في الحجاز، وإشراكه لهم في التشاور، وإكرامه من وفد إليه منهم ومن أدى الحج بناء على إعلانه بأن الطرق ميسرة آمنة إلى بيت الله الحرام، وكان لكل ذلك أثر إيجابي في تأييد كثير من المسلمين له العثيمين: نفس المرجع، ص275، محمد عبد الله ماضي: نفس المرجع، ص163.
<< 162 >> ولا شك أن هذا أثر في نفس كل مطلع على هذه الأمور، ونجد ذلك جليا في جهاد الملك خالد في ساحة (التضامن الإسلامي) والذي أخذ جانبا كبيرا من تطلعاته وليا للعهد ثم ملكا.
كما أن الملك خالد استمر في سياسة أبيه في تأكيد مبدأ الشورى مع القريب والبعيد، مع المواطن والأجنبي، وقد سبق أنه استطاع أن يمسك بقلوب الآخرين واحترام الجميع، ولا أدل على ذلك من التعازي التي وفدت على المملكة بعد موته رحمه الله، كما سبق ذكره في الفصل الأول.
ومن الفوائد أيضا: أنه تم ظهور التأثير السلبي للنظرة السياسية القصيرة والقرارات غير الحكيمة على الموقف العسكري، ويتضح ذلك من مواقف الملك حسين وابنه علي في عدة أمور أهمها: منعهم أتباع الملك عبدالعزيز من أداء الحج، وانخداعه ببريطانيا وتخليه عنه وقت الحج، أيضا عدم استجابته لأعيان الحجاز وعدم اللجوء إلى الحل العسكري لتسوية النزاع بينه وبين الملك عبدالعزيز بعد أن اتضحت قوة هذا الملك للجميع وأدرك الكثيرون أن جميع التوقعات في صالحه العثيمين : معارك الملك عبد العزيز، ص276.
وقد استفاد الملك خالد من هذا في إدارة شؤون البلاد، فظهرت في خلال عهده المشاريع العملاقة في الحرمين، والاهتمام الشديد بشؤون الحج، والتواضع بحيث لا يجلب عليه أحقاد الآخرين، والتدين الدافع للركون للمسلمين دون غيرهم، كما أنه عمل على عدم الدخول في منازعات خارجية ليس للمملكة القدرة على مجابهتها عسكريا، لكن هذا لا يمنع من الوقوف الشديد بجوار القضية الفلسطينية سيأتي تفصيل ذلك في الفصل الخامس من هذه الرسالة إن شاء الله تعالى .
ومن الفوائد أيضا: التنبه للأثر السلبي للسياسة الإعلامية الخاطئة على معنويات المقاتلين والمدنيين، وقد ظهر ذلك في انهيار معنويات أفراد القوات الهاشمية والسكان التابعين لحكم الأشراف بعد معركة الطائف (1343هـ/1924م) نتيجة السياسة الإعلامية للحكم الهاشمي التي ضخمت ما حدث في هذه المدينة << 163 >> بدرجة كبيرة، واختلقت من القصص المروعة ما لم يحدث، وكان الهدف من تبيين هذه السياسة الخاطئة كسب عطف الآخرين انعكست سلبا على أتباع ذلك الحكم، بحيث سيطر الخوف عليهم وانهارت روح المقاومة في نفوسهم العثيمين : معارك الملك عبد العزيز، ص277. ولذا نجد أن الملك خالد رحمه الله كان حريصا على أن يكون إعلام المملكة صادقا ويعتمد على الوقائع ولا يعتمد على الإثارة، وأن يكون الحق والخير رائد العاملين على الإعلام الواقع أن هذا ليس مختصا بعهد الملك خالد، بل كل عهود الأسرة السعودية تمتاز بذلك، وإنما المراد هنا بيان التأثير النفسي لهذه المعارك التي عاصرها بل وشارك في بعضها على نفسيته وما أثرت لاحقا عليه إبان قترة كونه ملكا على البلاد رحمه الله .
هذه الفوائد وغيرها يمكن استنباطها من ضم الحجاز مما له تأثير على ذلك الأمير الفتى الذي صار ملكا للبلاد فيما بعد.