كيف حال الثقافة في المملكة.. قديماً وحديثاً؟!
عبدالعزيز بن صالح العسكر
مما يحسب للرئاسة العامة لرعاية الشباب أنها كانت راعية أمينة كريمة للأندية الأدبية ولجوانب ثقافية أخرى في المملكة.
فقد شهدت الأندية الأدبية نهضة كبرى خلال الفترة التي كانت الرئاسة راعية لها، وكان لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد رحمه الله دور كبير في تلك النهضة، فقد أغدق عليها العطايا وذلل لها الصعوبات واختار لها الأكفاء من قادة الفكر والثقافة والأدب. فكان لكل ذلك نتائج لا تنسى.
فالمئات من الكتب التي طبعتها الأندية الأدبية ووزعتها؛ فدعمت بها الباحثين وشجعت الموهوبين سمة بارزة لنشاط الأندية في تلك الفترة، والدوريات التي كانت تصدرها الأندية كانت كذلك سمة أخرى لتلك الفترة، ثم إن الأندية الأدبية كانت تقود النشاط الفكري والأدبي في الرياض وجدة ومكة والطائف وأبها وجازان والباحة وغيرها من المدن التي حظيت بأندية في تلك الفترة، وحظيت الأندية باهتمام ومشاركة كبار أساتذة الجامعات الذين يملكون الثروة العلمية والثقافية والخبرة الطويلة التي مكنتهم من قيادة الأندية الأدبية لنجاحات متواصلة وحضور إعلامي بارز وأثر ملموس في كل مدينة وجد بها النادي.
ولم يقتصر دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب على ذلك، بل إنها ساهمت في ميادين أخرى، فقد أصدرت سلسلة ذهبية من الكتب بعنوان (هذه بلادنا)، فقد وكلت إلى نخبة من الباحثين والمؤرخين تأليف الكتب عن مدن المملكة فخرجت لنا كتبا نفيسة تفخر بها مكتبات المملكة.
وقد كان سمو الأمير فيصل - رحمه الله- داعماً وبلا حدود للأنشطة الثقافية وعارفاً بمن هم أهل لمتابعة تلك الأنشطة والنهوض بها، فلا عجب أن يكون من نتيجة ذلك نجاحات متتالية ونهضة علمية وثقافية مشهودة.
ولكن الأندية الأدبية اليوم ليست هي أندية الأمس، فقد غاب نجمها وخف نشاطها، وضعف سيرها فلم يعد لها العطاء السابق، ولم يبق لها الدور القديم، وإنما أصبح نشاطها متأرجحاً بين خلافات في مجالس الإدارات وتباين في آراء منسوبي الأندية المعاصرين.. فما هو السبب يا ترى؟!
وفي جانب ثقافي آخر كانت المكتبات العامة في المملكة ميادين بحث وإشعاعا للمعرفة، فقد افتتحت وزارة المعارف المكتبات ورعتها ودعمتها بالكتب والموظفين وأنشأت لها المقرات الواسعة والمتميزة.. فكان الباحثون يجدون فيها البيئة البحثية المناسبة والمكان الرائع للقراءة المفيدة الممتعة، حيث كانت تعمل على فترتين صباحية ومسائية، والعاملون فيها يبدون تعاوناً قوياً ومتواصلاً مع كل باحث وقارئ وظل الوضع على ذلك حتى ضمت المكتبات العامة إلى وزارة الثقافة والإعلام فتغير الحال فضعف نشاط المكتبات وقل عطاؤها، وأكبر مشكلة تواجهها المكتبات اليوم هي تقلص عدد الموظفين، فمكتبة كان يعمل فيها ستة موظفين لم يبق فيها إلا واحد فقط، فكيف يمكن لموظف واحد أن يدير مكتبة كبيرة وفي فترتين صباحية ومسائية، وأين نصيب النساء؟! ونحن نعلم أن العمل في المكتبة يحتاج إلى همة وخبرة وعمل متواصل في البرمجة والفهرسة وتوفير الوسائل الحديثة ومتابعة الجديد منها يقوم بذلك موظف واحد؟!
ويطول الحديث لو استقصينا جوانب أخرى من الثقافة قديماً وحديثاً، ولكنني أسأل هنا هل نشهد من وزارة الثقافة خطوات كبيرة تعيد للأندية توهجها وحيويتها، وهل تحظى المكتبات باهتمام جديد ودعم بالموظفين لكي تمارس نشاطها كما كانت، ثم هل تجد سلسلة (هذه بلادنا) اهتماماً من الرئاسة العامة لرعاية الشباب أو وزارة الثقافة والإعلام وليكن ذلك الاهتمام في جانبين:
1- تأليف كتب جديدة عن بقية المدن التي لم يؤلف عنها حتى الآن.
2- إعادة طباعة الكتب القديمة، فقد تغير كثير من المعلومات التي بها، ثم إنها نفدت منذ زمن بعيد.
هذه خواطر باحث يسره أن يرى بلاده تتبوأ المكانة اللائقة بها وتكون بحق في مكان الصدارة ويبقى لها توهجها الثقافي والأدبي فاللغة العربية والأدب العربي ينتظران جهود أبناء الجزيرة العربية ورواد الفكر والثقافة فيها.
عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية