مقال نشر في جريدة الجزيرة الخميس 7 جمادى الأول 1428 العدد 12656
الملك سعود بن عبدالعزيز وبداية تعليم الفتاة السعودية
فايز بن ظاهر الشراري
عندما نتحدث عن بداية تعليم الفتاة السعودية في بلادنا فإننا حتما سنتذكر عندها أول مدرسة أقامها الملك سعود - رحمه الله - وكانت في قصر المربع، حيث أقام هذه المدرسة لتعليم كريماته ولتكون حافزاً ومشجعاً للأهالي ليتقبلوا فكرة تعليم الفتاة، هذه الفكرة التي كانت مرفوضة في ذلك الوقت من منطلق جهل المجتمع بحق الفتاة في أن تأخذ حقها من العلم من جهة، ولوجود فكر - متشدد - تسبب في تضييق الخناق على حياة المرأة من جهة أخرى.
فكان الأمر هنا يتطلب وجود من يصحح تلك النظرة، ويبادر بفتح مجال التعليم للفتاة السعودية، حتى وإن رفض البعض مبدأ تعليم الفتاة، على الأقل لتجد من لديها رغبة في التعليم مجالاً يحقق لها هذه الرغبة.
وقد كان الملك سعود يرى أن تعليم الفتاة السعودية أمر ملح تفرضه النهضة التنموية التي كانت تعيشها بلادنا في بداية توحيدها.
وهنا قام الملك سعود - وقد كان حينها ولياً للعهد - بخطوة عظيمة ومهمة في عام (1947م) حيث بادر إلى تعليم بناته وأحضر معلمتين لتعليمهن القرآن الكريم، وقد كان ذلك نواة تعليم الفتاة السعودية ومحفزاً للفتيات اللاتي يرغبن في الالتحاق بالتعليم، كما أن هذه المبادرة العظيمة من قبل الملك سعود تعتبر تشجيعاً للمواطنين لمن يريد لابنته أن تتعلم، وهذا بالفعل ما كان يتطلع إليه الملك سعود، فقد كانت لديه رغبة قوية لفتح المجال للفتاة السعودية لتتعلم وتتسلح بالعلم، فقد كان الملك سعود على يقين بأن البلاد - وفي تلك الفترة تحديداً - تحتاج إلى طاقات جميع أبنائها من الجنسين ليشاركوا في نهضة البلاد وتطورها وهم يتسلحون بالعلم والمعرفة.
وفي عام (1951م) انضم إلى هذه المدرسة عدد كبير من بنات الملك سعود، فقام - رحمه الله - بعد ذلك بزيادة عدد المعلمات إلى أربع معلمات، وقد كانت تخصصاتهن في اللغة العربية والرياضيات واللغة الانجليزية والتاريخ والجغرافيا.
وقد كانت هذه المدرسة التي افتتحها الملك سعود - رحمه الله - وانضمت إليها كريماته هي بداية انطلاقة (معهد الكريمات بالرياض) الذي يعتبر أول مدرسة للبنات في منطقة نجد وأول مدرسة تقدم التعليم الثانوي للبنات على مستوى المملكة، حيث قام الملك سعود - رحمه الله - بتشييد أول مدرستين (نموذجيتين) في نجد، وذلك في قصر الناصرية، إحداهما للبنين تدعى (معهد الأنجال) والأخرى للبنات وتدعى (معهد الكريمات) التي تم انتقال الطالبات إليها رسمياً في قصر الناصرية عام (1376هـ - 1956م). وقد شيدت هذه المدرسة على نمط المدارس الحديثة المتكاملة في التجهيزات المدرسية، حيث انضم إليها عدد كبير من الطالبات في مدينة الرياض، وكان مما شجع الأهالي لإرسال بناتهم إلى هذه المدرسة هو أن هذه المدرسة كانت داخل أسوار قصر الملك سعود وتحت حمايته شخصياً.
ولقد كان من أدلة حرص الملك سعود على أن تنال الفتاة السعودية نصيبها من التعليم أنه كان يقوم بإرسال المدرسات إلى المنازل لإقناع الأهالي بضرورة المبادرة إلى تعليم بناتهم وإرسالهن إلى المدرسة، وكان - رحمه الله - يحرص على تشجيع الطالبات على التعليم فكان يردد أمام الطالبات والمعلمات جملة: (العلم سلاح في يد الإنسان)، وكان يعامل الطالبات كبناته تماماً، وهذا مما ساهم في إقبال المزيد من الطالبات على هذه المدرسة، فما أجمل أن تتعلم الفتاة في ظل إشراف الملك ودعمه وتشجيعه، وهذا ما كان في بداية تعليم الفتاة السعودية، حيث انطلق تعليم الفتاة السعودية على يد الملك سعود الذي ألهمه الله الحكمة والبصيرة والشجاعة حتى كان له ما أراد فأقبلت الفتيات السعوديات على العلم برضا ورغبة من آبائهم وأمهاتهم الذين كانوا في البداية يرفضون فكرة تعليم الفتاة!!
وقد كان لكريمات الملك سعود دور كبير في تشجيع الأمهات على تقبل فكرة تعليم بناتهن، فكان لحضورهن ودعمهن لهذه المدرسة الدور الكبير في زيادة أعداد الطالبات وإقبال الفتيات على التعليم، إضافة إلى أن الملك سعود كان يطالب المعلمات بعدم التفريق بين بناته وبين بقية الطالبات، وهذا مما جعل الأجواء التعليمية في المدرسة تبدو أخوية وحميمية بين جميع الطالبات، حيث ذابت جميع الفروق، وأصبح العلم عاملاً مشتركاً بين الجميع، ناهيك عن الحماس الكبير الذي كان يظهر على بنات الملك سعود من أجل التعلم والرغبة الكبيرة لديهن في استقطاب أكبر عدد من الفتيات للحضور إلى المدرسة والتعلم فيها والاستفادة من إمكاناتها المتاحة في ذلك الوقت.
كما أنه كان لكريمات الملك سعود دور كبير في افتتاح مدرسة أخرى تم تسميتها باسم (مبرة كريمات الملك سعود) حيث كانت الأميرة حصة بنت سعود بن عبدالعزيز تخطط لإنشاء مدرسة أخرى بعد إنشاء معهد الكريمات في الرياض، وبالفعل قامت الأميرة حصة وبالاتفاق مع أختيها الأميرتين نورة بنت سعود وموضي بنت سعود بعرض مشروعهن على والدهن والمتمثل في إنشاء مدرسة لليتيمات في الرياض، وذلك في عام (1956م)، وكان لهن ذلك، حيث وافق الملك سعود على هذه البادرة الطيبة من بناته فقام بافتتاح المبرة عام (1376 هـ - 1957م) التي قام الملك سعود بدعمها مادياً من خلال تبرعه لهذه المبرة، وعينت الأميرة نورة بنت سعود رئيسة للمبرة، والأميرة موضي بنت سعود نائبة لها وتم تعيين الأميرة حصة بنت سعود أمينة للمبرة والمشرفة العامة عليها. وقد بدأت هذه المدرسة بأربع عشرة طالبة.
واستمر الملك سعود في دعمه لتعليم الفتاة السعودية، فأسست في عهده أول جامعة سعودية هي جامعة الملك سعود بالرياض عام (1377هـ - 1957م) والتحقت بها أول دفعة من الطالبات السعوديات عام (1381هـ - 1961م) من خلال نظام الانتساب في كلية الآداب والعلوم الإدارية.
ويعد عام (1379هـ) علامة بارزة في تاريخ التعليم في عهد الملك سعود، حيث أصدر الملك سعود في هذا العام أمراً ملكياً يقضي بإنشاء مدارس لتعليم البنات بالمملكة، ففي يوم الجمعة الموافق 21 من ربيع الثاني من عام 1379هـ صدرت صحيفة أم القرى وهي تحمل في صفحتها الأولى الأمر الملكي الذي أصدره بفتح مدارس لتعليم البنات العلوم الدينية، وهذا نص النطق الملكي الكريم:
(الحمد لله وحده، وبعد: فلقد صحت عزيمتنا على تنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة في فتح مدارس لتعليم البنات العلوم الدينية من قرآن وعقائد وفقه، وغير ذلك من العلوم التي تتماشى مع عقائدنا الدينية، كإدارة المنزل وتربية الأولاد وتأديبهم مما لا يخشى منه عاجلاً أو آجلاً أي تغيير على معتقداتنا لتكون هذه المدارس في منأى عن كل شبهة من المؤثرات التي تؤثر على النشء في أخلاقهم وصحة عقيدتهم وتقاليدهم، وقد أمرنا بتشكيل هيئة من كبار العلماء الذين يتحلون بالغيرة على الدين لتشرف على نشء المسلمين في تنظيم هذه المدارس ووضع برامجها بمراقبة حسن سيرها فيما أنشئت له، وتكون هذه الهيئة مرتبطة بوالدهم حضرة صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، على أن تختار المدرسات من أهل المملكة أو غيرهن اللواتي يتحقق فيهن حسن العقيدة والإيمان، ويدخل إلى هذه المدارس ما قد سبق فتحه من مدارس للبنات في عموم المملكة، وتكون جميعاً مرتبطة في التوجيه والتنظيم بهذه اللجنة تحت إشراف سماحته، مع العلم أن هذا التشكيل يتطلب الوقت الكافي بتهيئة وسائل التأسيس، ونأمل أن يكون ذلك في وقت قريب. والله الموفق ولا حول ولا وقوة إلا بالله).
***
التوقيع الملكي الكريم
سعود
وفي غرة صفر عام (1380هـ) تأسست الرئاسة العامة لتعليم البنات باسم (الرئاسة العامة لمدارس البنات)، ثم عدل الاسم إلى (الرئاسة العامة لتعليم البنات)، وذلك في العام التالي لإنشائها عام (1381هـ) وتشكل أول جهاز إداري مركزي ليتولى الإشراف على تعليم البنات من المدارس الرسمية والخاصة التي تعلم البنات، مع وضع الخطط والمناهج التي تسير عليها هذه المدارس، ولذلك تم وضع النظم واللوائح الخاصة بتعليم المرأة وإدارة المدارس تنفيذاً للأمر الملكي الكريم.
هكذا كانت بداية تعليم البنات في بلادنا، حيث كان موضوع تعليم البنات يحتاج إلى رجال ذوي حكمة وشجاعة تماماً كما كان الملك سعود - رحمه الله - الذي لم يثنه عن السعي لفتح المجال للفتاة السعودية لتنال حقها في التعليم ما كان عليه المجتمع في تلك الحقبة، حيث كان الجهل يخيّم على عقول الكثيرين حتى تراءى لهم أن تعليم الفتاة يعتبر من المحرمات!!
ومن يرى ما وصلت إليه الفتاة السعودية من تطور كبير في التعليم في وقتنا الراهن بالتأكيد سيذكر للملك سعود - رحمه الله - جهوده العظيمة في انطلاقة تعليم البنات في بلادنا.
رحم الله الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود وجزاه عن أعماله العظيمة خير الجزاء.