4– مراحل التوحيد:
ولما استرد عبدالعزيز كل أجزاء نجد، توجه نحو الأحساء والقطيف اللتين استولى عليها الأتراك في عام 1288هـ/1871م، أيام زمن الصراع بين أبناء الإمام فيصل، فدخل الهفوف، (مركز الأحساء)، في جمادى الأولى 1331هـ/1913م،ثم أرسل سرية من جنده إلى القطيف، فاستسلمت(9).
وفي عام 1338/1919م، أرسل عبدالعزيز ابن عمه مساعد بن جلوي، للتفاوض مع حسن بن عائض لتسليم إمارته في أبها، وسط عسير بعد أن استبد فيها بعد جلاء الأتراك عقب الحرب العالمية الأولى. وكان نفـوذ آل سعود يمتد إلى تلك المنطقة من عسير. وحينما رفض ابن عائض، دخلها رجال عبد العزيز منتصرين، وما لبث ابن عائض أن اتصل بعد استسلامه بالشريف حسين سراً في مكة، حينها أرسل الملك عبدالعزيز حملة كبيرة بقيادة ابنه فيصل الذي دخل أبها في عام 1341هـ/1922م. وحينما استتب الأمن ولّى فيصل فيها سعد بن عفيصان وعاد إلى الرياض في 21جمادى الأولى 1341/أواخر عام 1923م.
وفي انطلاقه نحو توحيد إمارات الجزيرة العربية استعد عبدالعزيز في أواخر عام 1338هـ/1920م، للقضاء على إمارة آل رشيد في حائل، فحاصرتها جيوشه، وفي آخر صفر عام 1340هـ/أول نوفمبر1921م، دخل عبدالعزيز مدينة حائل واضعاً بذلك نهاية لهذه الإمارة التي شغلت آل سعود منذ نهاية الدولة السعودية الثانية، ثم ضمّ عبدالعزيز حائل وديار شمّر إلى حكمه.
بسط عبدالعزيز نفوذه في تلك المناطق، وهو يفرض وجوده كقائد ورجل دولة، فبعد استعادته للأحساء والقطيف أصبحت له حدود مع الإنجليز الذين يسيطرون على سواحل الخليج، وفي إطار الحفاظ على حدود دولته ووحدتها، ولتحديد العلاقات بينه وبين جيرانه انعقد أول اجتماع بين عبدالعزيز وممثلي الحكومة البريطانية في الخليج في شهر ربيع الثاني عام 1332هـ/مارس 1914، ثم انعقدت المعاهدة المعروفة باسم معاهدة دارين، وذلك في صيف عام 1334هـ/1915م بين عبدالعزيز والإنجليز، والتي يقول عنها خالد الفرج في مخطوطته التي استشهد بها الزركلي: "... وهي على ما فيها من قيود تحد من استقلال عبدالعزيز، فإنها كانت بحسب الظروف شراً لا بد منه. فالإنكليز لم يكونوا ليعترفوا باحتلال الأحساء والقطيف والجبيل وسائر الساحل بدونها" (10).
ثم انعقد في عام 1340هـ/1922م، مؤتمر بمدينة المحمرة على سواحل الخليج، حضره مندوبون للسلطان عبدالعزيز، ومندوبون لحكومتي العراق وبريطانيا للنظر في قضايا الحدود والعشائر بين نجد والعراق.
واستمر عبدالعزيز وهو يخطو نحو التوحيد الشامل، في مواصلة عقد الاتفاقيات التي من شأنها نزع اعتراف الدول الأجنبية بوحدة أراضيه، وتحقيق ضمانات تعزز كيان دولته. فوقّع في عام 1344هـ/1925م مع الجنرال كلايتون مندوب الحكومة البريطانية والمكلف بالإنابة عن الحكومة العراقية على اتفاقيتين إحداهما تسمى(اتفاقية بحرة) التي حُسمت فيها مشكلات القبائل في الحدود النجدية العراقية، والثانية هي(اتفاقية جدّة)التي تمّ فيها تعيين الحدود بين نجد وشرقي الأردن.
بدأت في عام 1328هـ الخلافات بين الملك عبدالعزيز والشريف حسين أمير مكة حول تبعية بلدتي تربة و الخرمة، إذ يرى عبدالعزيز أنهما من أراضي نجد، بينما يرى الشريف حسين أنهما من الحجاز،وفي شعبان من عام 1337هـ/1918م زحف عبدالله ابن الشريف حسين إلى "تربة" التي احتلها في الرابع والعشرين من الشهر نفسه، وفي الوقت نفسه بعث الملك عبدالعزيز بسرية من "الإخوان" إلى جهة الخرمة لدعم أميرها خالد بن لؤي، فاتجه خالد والسرية التي جاءت لدعمه نحو "تربة"، فهزموا جيش الأمير عبدالله في الخامس والعشرين من شعبان، أي بعد يوم واحد فقط من انتصاره، فكان رد الشريف حسين على ذلك، أن منع أهل نجد من دخول الحجاز لأداء فريضة الحج، ولما استمر هذا المنع لمدة خمس سنوات ، احتج أهل نجد فأذن لهم الملك عبد العزيز بالزحف إلى الحجاز، فتحرك من تربة جيش يتكون من ثلاثة آلاف مقاتل من مختلف القبائل يتقدمهم سلطان بن بجاد والشريف خالد بن لؤي،وحينما وصلوا للطائف خرج الجيش النظامي الهاشمي لصدهم، انتهت المعركة بدخول السعوديين لمدينة الطائف، وتتابعت النجدات للجيـــش الهاشمي وجرت المعركة الفاصلة مساء 26/27 صفر1343هـ/1924م، حيث انهزم الهاشميون،وتنازل الشريف حسين عن العرش لابنه علي الذي نُودي به ملكاً على الحجاز، ثم دخل جيش لؤي وسلطان بن بجاد إلى مكة دون سلاح، وتسلموا زمام الأمور يوم 17 ربيع الأول 1343هـ/1924م، وتولى خالد إمارتها،وأعطى الأمان لأهل مكة بما فيهم رعايا الدول الأجنبية.
في جمادى الآخرة 1343هـ/ يناير 1925م/ أذن عبدالعزيز لجيوشه بالزحف نحو جـــدة و "أبى على من معه من قادة الإخوان... اقتحام جدة عنوةً، مخافة أن يصاب أحد الأجانب"(11).
في تلك الأثناء أرسل عبدالعزيز من يدعو المدينة المنورة للتسليم، فلم تقبل جيوش حاميتها، فحاصرها جيشه، وانتهى الأمر باستسلام الحامية الهاشمية إلى الأمير محمد بن عبدالعزيز الذي دخلها في 19 جمادى الأولى 1344هـ/1925م.
في جمادى الآخرة 1344هـ/17 ديسمبر 1925،غادر الملك علي بن الحسين ميناء جدة، وكانت تلك نهاية العهد الهاشمي في الحجاز.
في 17 جمادى الأولى 1351هـ/1932م، أصدر الملك عبدالعزيز قراراً يعلن فيه عن نظام توحيد المملكة، وتحديد يوم الخميس 21 جمادى الأولى يوماً لإعلان توحيدها تحت اسم "المملكة العربية السعودية"؛ وذلك بعد القرار الذي صدر بالطائف، ورُفع للملك عبدالعزيز تعبيراً عن رغبة البلاد في توحيد أجزائها.
الجزء الثاني : البناء السياسي :