الأمـــن:
كانت الجزيرة العربية قبل توحيد أجزائها على يد الملك عبدالعزيز تعاني من انعدام الأمن وانتشار قطاع الطرق واللصوص، وكان الملك عبدالعزيز يدرك ظاهرة الغزو والنهب في البادية والخطر الذي تمثله؛ فاهتم منذ بداية تأسيس دولته باستتباب الأمن،وأدرك ضرورته كعامل من عوامل دعم الاستقرار وترسيخ الوحدة، وللوصول لهذه الغاية استفاد من تجارب أسلافه، في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في تحقيق الأمن ومكافحة النهب والسرقة وقطع الطرق، وتطهير البادية من هذه الظواهر التي تهدد أمن القوافل والعابرين ـ لكنها لا تعد عيباً في عرف البادية ـ وتشكل مصدر رزق للأعراب، لذا بنى تنظيماً أمنياً يتماشى مع متطلبات عصره.
حارب عبدالعزيز حالة عدم الاستقرار ونقص الأمن بتحضير البادية ونشر المطاوعة بين القبائل، وتعدد حفر الآبار الارتوازية، إذ إن التنازع على مصادر المياه كان من أسباب النزاعات بين البدو. "وجعل لقبائل البادية سجلاً في ديوانه، وسهل لكل منها سبل الاتصال به وبأمراء المقاطعات"(36).
وعبر البــــلاغ العام الذي أعلنه الملك عبد العزيز– في 8 جمادى الثانية من عام 1344هـ عند فتح الحجاز– نلمح الاهتمام الذي يوليه للأمن كعنصر من عناصر الاستقرار، كما نلمح الحزم الذي اتسم به وهو يطالب المواطنين بالانتباه لأهمية الأمن في بناء البلاد؛ نقطتف هذه الأجزاء من كلمات الملك عبدالعزيز:
"إخواني: تفهمون إني بذلت جهدي، وما تحت يدي في تخليص الحجاز لراحة أهله وأمن الوافدين إليه: إطاعة لأمر الله..."
"ولقد كان من فضل الله علينا وعلى الناس أن ساد السكون والأمن في الحجاز، من أقصاه إلى أقصاه، بعد هذه المدة الطويلة التي ذاق الناس فيها مر الحياة وأتعابها."
"... وإنني إن شاء الله تعالى سأبذل جهدي فيما يؤمن البلاد المقدسة، ويجلب الراحة والاطمئنان لها.
"إن البلاد لا يصلحها غير الأمن والسكون، لذلك أطلب من الجميع أن يخلدوا للراحة والطمأنينة، وإني أحذر الجميع من نزغات الشياطين، والاسترسال للأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار".
وبعد ضم الحجاز تعمق لديه الاهتمام ببسط الأمن ليشمل القادمين للأراضي المقدسة؛ فاستعمل القوة والحزم في ردع عمليات النهب وقطع الطرق التي يتعرض لها أهل البلاد والحجاج، واستفاد من الأسس التي كانت موجودة في الحجاز في هذا المجال، فأنشأ بمكة المكرمة– في عام 1344هـ– مديرية الشرطة العامة التي تتألف من إدارات وأقسام ومراكز، تنتشر في أنحاء المملكة، و يرأسها جميعها "مدير الأمن العام" الذي يتبع للنائب العام للملك بالحجاز، وفي عام 1349هـ أصبحت هذه الإدارات تقع مباشرة تحت رئاسة مدير الأمن العام، و في عام 1354 تأسست مدرسة للشرطة تهدف إلى تخريج ضباط ومساعدي ضباط(37).
وفي عام 1363هـ تحولت مديرية الشرطة العامة إلى مديرية عامة للأمن، عرفت باسم "إدارة الأمن العام"(38)، وكانت للشرطة إدارات وتشكيلات في عدد كبير من المدن، يتبع مديروها للحكام الإداريين بالمدن من الناحية الإدارية التنفيذية، وترتبط بمديرية الأمن العام من ناحية نظامية (39) ،فتوسعت مسؤولياتها وأعمالها، واستقدم لها خبراء من البلدان العربية لتطوير أجهزتها، كما ابتعث عدد من رجالها إلى الخارج للتخصص في شؤون الأمن العام.
وبالإضافة للأمن في الأراضي الداخلية أولى الملك عبدالعزيز اهتماماً بالأمن على السواحل. فتمّ في عام 1350هـ/1931م إنشاء "مديرية مصلحة خفر السواحل"، وتتخذ مقرها الرئيس بجدة، وتضم "دائرة المرافئ" والدوريات البرية والبحرية، وتعنى بتوفير الأمن على السواحل.
وهكذا أسهم الأمن في تطوير الحياة في الجزيرة العربية، وجعلها قادرة على مواكبة العصر، وكان عنصراً من العناصر التي أرست دعائم توحيدها،وأدى تقدم الأجهزة والإدارات الأمنية فيما بعد لتكوين وزارة الداخلية في عام 1370هـ.