مقدمــــة:
لابد لمن يتصدى لتوحيد أي كيان أن تكون لديه تصورات ورؤى تدفعه للقيام بمثل هذا العمل، ولكي تكون هذه الرؤى والتصورات عملية لابد لها أن تستجيب لمقتضيات الواقع ودواعيه، أي: تكون على درجة من المعقولية والقابلية للتطبيق مما يمكنها أن تبرز في هيئة سياسات وأجهزة تنظيمية وأفعال تفضي إلى تجسيدها في الواقع المعاش بكل تعقيداته واختلاف مظاهره وظواهره.
كان الملك عبدالعزيز يحمل من الرؤى والتصورات ما شكل مرتكزاً لسياساته الاقتصادية، والاجتماعية والسياسية. وقد كانت له منهجية يتبعها في التعرف على الواقع الداخلي والدولي ودراسته، وبذات المنهجية مضى في تنفيذ برنامج إصلاحي تمثل في ربطه للاقتصاد بالشريعة الإسلامية، وتحويل الاقتصاد إلى اقتصاد دولة بدلاً عن اقتصاديات كيانات صغيرة. كذلك تمثلت في إنشاء مؤسسات إدارة الاقتصاد التي ترجمت توجهاته إلى سياسات عملية قابلة للتطبيق، وشكّلت أساساً للنهضة التي ارتقت سلمها المملكة. واتبع أبناء الملك عبدالعزيز المنهجية نفسها، تلك التي تدرس عناصر الواقع ومتغيراته، والمؤثرات عليه، وتتجاوب مع ذلك الواقع حسب جميع مقتضياته. وارتكازاً على ذلك استمرت نهضة المملكة حتى وقتنا الحاضر في خطها الصاعد نحو مستقبل واعد.
أ – ربط الاقتصاد السعودي بالشريعة الإسلامية:
كانت أولى رؤى الملك عبدالعزيز وأعمقها أثرا على مستقبل المملكة، هي اعتماده– طيب الله ثراه– العقيدة الإسلامية منهجاً وأسلوباً، تقوم عليه الحياة بمختلف مناحيها. فالإسلام كل لا يتجزأ وهو دين ودولة. أي أنه قابل للتطبيق على كل المجتمعات باختلاف أزمنتها وأمكنتها. يقول الملك عبدالعزيز في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى في (7 ربيع الأول 1349هـ/ أغسطس 1930م) "وإنكم تعلمون أن أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في تلك الدائرة أحرار في سن كل نظام، وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفاً للشريعة الإسلامية، لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيداً لأحد، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد e "([1]).
إن التقيد بإنفاذ أحكام الدين في حياة الناس، لم يمنع الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه – من الأخذ بنتاج الفكر الإنساني في الاقتصاد، واستخدامه لما ينفع الناس ما لم يكن متعارضاً مع الشرع. وإذا كان الأصل في الأشياء الإباحة، فإن عدم تعارض شيء أو حكم مع نص من نصوص القرآن أو السنة أو مع الإجماع يعني أنه مباح يمكن الأخذ به، بل يلزم الأخذ به في بعض الأحيان لتحقيق خير الفرد والجماعة. وقد كان الملك عبدالعزيز في جميع سياساته يصدر عن الدين الإسلامي، ولا تستثنى من ذلك السياسات التنموية والمالية والنقدية، وما إليها من سياسات وأفعال كانت هي اللبنات الأولى في إرساء قواعد هذه الدولة وتهيئتها للتطور والتقدم الذي حدث بعده.