السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في الزنا حتى يلزم له الجلد كما في كتاب الله في سورة النور؟!
أفيدوني بوضوح لأني أعجز عن فهم ما أقرأه بالمواقع، وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مروة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين)، وهذا السؤال الكريم إنما تقصدين به أن تتفقهي في أمور دينك، ولا ريب أن معرفة الشر ومعرفة أسباب الوقاية منه هو مما ينبغي أن يحرص عليه المؤمن، ولذلك ثبت في الصحيحين أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني)، فمعرفة هذه الأمور تعين على التفقه في دين الله وتعين كذلك على الوقاية منها، وهذا هو مقصدك الكريم، فإنك بحمد الله عز وجل فتاة عفيفة كريمة تقصدين التفقه في دين الله عز وجل ومعرفة وجه الصواب كما أمرك الله جل وعلا.
وأما عن سؤالك عن حقيقة الزنا الذي يلزم منه الحد الشرعي، وهذا هو الصواب في العبارة، لأن العقوبة الشرعية عن الزنا ليست محصورة في الجلد، فإن الجلد إنما يكون للزانيين غير المحصنين، ومعنى غير المحصنين: أي غير المتزوجين، فإذا تزوجت المرأة ودخل بها الرجل أو تزوج الرجل ودخل بزوجته ثم ارتكب بعد ذلك فاحشة الزنا – على ما سيأتي بيانه – فحينئذ يلزم منه حد الرجم وليس حد الجلد، وإنما الجلد في الزاني والزانية إذا كانا غير متزوجين على الوصف الذي أشرنا إليه، وهذا بإجماع أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى، وهذا هو المنصوص في كتاب الله عز وجل.
وأما عن حقيقة الزنا الذي يلزم منه الحد الشرعي فهو إدخال الفرج في الفرج المحرم، فلو قام رجل مثلاً بجماع امرأة أجنبية تحرم عليه وأدخل ذكره في فرجها ففي هذه الحالة يعدان زانيان شرعًا، وهنالك تفاصيل لا نود أن نكثر عليك بها لأنك لا حاجة لك بها من حيث فهم هذا الأمر العام كالتقدير في ذلك وكبعض الأحكام التي تتعلق بالخطأ والغصب وغير ذلك من الأمور، لأن المقصود قد حصل من الجواب وهو أن تعرفي حقيقة الزنا الذي يجب منه الحد،فهذا هو أعظم ذنب في ذنوب الفرج، وقد عرفت صفته.
وهنالك نوع من الزنا دون ذلك، فهو زنًا من جهة أنه ذنب يؤدي إلى الوقوع في هذه الفاحشة وسماه النبي صلى الله عليه وسلم زنًا، وإن كان لا يلزم منه الحد بإجماع أهل العلم عليهم جميعًا رحمة الله تعالى وإنما يجب منه التأديب إذا لم يتب منه صاحبه، وذلك كنظر المحرم بين الرجال والنساء الأجنبيات، كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك) رواه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك) رواه أحمد في المسند.
ومن ذلك أيضًا: العلاقات التي تكون بين الرجال والنساء الأجنبيات والتي يكون فيها الكلام بغير عذر شرعي وتكون من نوع العلاقات العاطفية التي تحصل بين الرجال والنساء، وكما هو واقع ومنتشر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فكل ذلك يسمى زنًا لأنه يدعو إلى الزنا، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم، فقد خرجا في الصحيحين عنه صلوات الله وسلامه عليه قال: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا مدرك ذلك لا محالة: العينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه الكلام، واليدان تزنيان وزناهما البطش، والرجلان تزنيان وزناهما الخطى، والقلب يشتهي ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه)، فهذا نوع من الزنا ولكن ليس هو زنا الفرج الذي أغلظ الله عقوبته، وهذا النوع من الأخطاء تكفر التوبة أو العمل الصالح أو المصائب المكفرة، كما قال جل وعلا: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}.
وقد خرج البخاري أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة فشكى ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نادم على ما وقع منه تائبًا إلى الله جل وعلا فأنزل الله هذه الآية الكريمة.
والذي يجمع لك حقيقة هذا المعنى أن تعلمي أن كل ما يدعو إلى ارتكاب الفواحش التي حرمها الله تعالى فهو داخل في هذا المعنى فقد حصلت بهذا على علم نافع عظيم يفيدك في معرفة حقيقة هذه الأمور، وذلك لتعلمي أيضًا أن الفتاة المؤمنة العفيفة من أمثالك تحرص على ألا تتبع خطوات الشيطان لأن هذه الأمور التي قد يستصغرها بعض الناس توقع فيما هو أشر منها، ولذلك قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ونختم لك بخاتمة في بيان تغليظ جريمة الزنا التي جعلها الله جل وعلا من أعظم الفواحش، فقد قال الله تعالى: {وََالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ – وهذا ذنب الكفر والشرك – وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ – وهذا أعظم الذنوب في ظلم العباد – وَلَا يَزْنُونَ – وهذا أعظم الذنوب في الفرج – وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}، ولذلك ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الذنب أعظم؟ قال: (أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك). قال: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قال: ثم أي؟ قال: (أن تزاني بحليلة جارك)، فالزنا أعظم ذنوب الفرج والعياذ بالله تعالى.
وأيضًا ففي الزنا أمور عديدة: ففيه خيانة الله لأن الله ائتمنك على طاعته، وفيه خيانة الأهل لأنك عرضهم وشرفهم، وفيه خيانة الزوج لأن الأمر فيه أشد وأوكد، وفيه خيانة الأولاد لأنك أمهم التي يتشرفون بها، وفيه أيضًا خيانة النفس، فلا تتعجبي فإن الإنسان قد يخون نفسه لأنه يوردها المهالك، كما قال تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُ}، أي علم الله أنكم كنتم تخونون أنفسكم بارتكاب المعاصي؛ فمن عصى الله فقد خان الأمانة، لأن شريعة الله وطاعته كلها أمانة؛ ولذلك قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}. ولذلك قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله) خرجه أبو يعلى، وخرج ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما رآه أنه انطلق به آتٍ فمر صلوات الله وسلامه عليه بقوم أشد شيء انتفاخًا وأنتن ريحًا كأن ريحهم المراحيض، فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون)، وخرجا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه آتيان في منامه - وهو وحي من عند الله - فقال صلى الله عليه وسلم: (فأتينا على مثل التنور – أي الموقد – فإذا فيه لغط وأصوات، فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا – أي صاحوا – فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء؟ فقالوا: إنهم الزناة والزواني) والعياذ بالله تعالى.
وخرجا في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، وثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية)، وهذا أمر واسع مستفيض في الترهيب من الفاحشة والتحذير منها.
ومع هذا فإن الله جل وعلا يتوب على من تاب، وإن بني آدم يقعون في الخطأ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي في سننه، وقال جل وعلا بعد الآية التي بيَّن عظيم ذنب الزنا واستحقاق مضاعفة العذاب لمن ارتكبه؛ فقال جل وعلا بعدها: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}، فقد بين الرحمن الرحيم جل جلاله أن أعظم الذنوب لو ارتكبها الإنسان ثم تاب منها فإن الله برحمته وكرمه لا يغفرها فقط بل ويبدلها ويقلبها حسنات بل أن كانت سيئات، فمن تاب إلى الله جل وعلا تاب عليه.
ولا يلزم أن يذهب أن يطهر نفسه بالحد بأن يقام عليه الحد ليتطهر من ذلك، بل عليه أن يستتر بذنب الله، وقد أحسنت بهذا السؤال الذي يزيدك تفقهًا في دينك ومعرفة الأحكام الشرعية فيه، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد وأن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يزيدك من فضله وأن يرزقك الزوج الصالح وأن يجعلك من الداعيات إلى رضوانه وأن يجعلك من عباد الله الصالحين وأن يوفقك لما يحب ويرضى، ونود دوام مراسلتك إلى الشبكة الإسلامية التي ترحب بكل رسالة تصلها منك.
وبالله التوفيق.