الزنا من أكبر الكبائر
سعيد عبد العظيم
إن كثرة الكلام على الإجهاض و إثبات النسب و انتشار اللقطاء و أولاد الزنا من نتاج الحريات المزعومة، و من لوثة تقليد الغرب و متابعته حذو النعل بالنعل، و رغم سهولة ارتكاب الفواحش إلا أننا نسمع عن زيادة جرائم الاغتصاب، و التي تتم في وضح النهار و على مرأى ومسمع من الخلق !! و كأن الحرام السهل ما عاد يشبع الشهوات البهيمية المتأججة، و هذا نتاج البعد عن منهج الله.
و ماذا يتصور أن ينجم من وراء الأغاني و الرقصات و الأفلام و الموضات الخليعة؟
الاختلاط وثمراته النكدة
إن شيوع الاختلاط في المدارس و الجامعات و أماكن العمل و البيوت بزعم الصداقة البريئة قد أدى إلى انتشار الرذائل والقبائح و زيادة حالات الزواج العرفي و النكاح بدون ولي، فالمرأة يزوجها الولي، و الزانية هي التي تزوج نفسها، بل ساعدت الأعراف الفاسدة و دخول ابن العم و ابن الخال و أخي الزوج و الجار و الصديق على المرأة بمفردها على كثرة صور الخيانة، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، و الحمو الموت.
الإعلام والدور القذر
ولا نغالي لو قلنا: إن نشر الفواحش و القبائح على الملأ من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال الأفلام الهابطة وأغاني الفيديو كليب الساقطة الماجنة، والصور الخليعة في الجرائد السيارة وعلى أغلفة المجلات المختلفة، والحط من شأن الأتقياء، و رفع شأن المتهتكين والمتفحشين مما ساعد على ذلك، بحيث صار البعض يتباهى بارتكاب الزنا و أصبح الجنس والغريزة أدباً و فناًَ!! "و ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا..... " (رواه ابن ماجة و الحاكم و صححه الألباني).
و لذلك لا يستغرب انتشار الإيدز و الزهري و السيلان.. وغيرها من الأمراض الفتاكة عقوبة من الله - تعالى -لمن تساهل في هذه الفاحشة.
تعريف الزنا وحكمه
الزنا هو وطء المرأة من غير عقد شرعي، و هو من الكبائر باتفاق العلماء، قال - تعالى -: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء: 32).
و قال - سبحانه -: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان: 68).
و قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور: 2).
و قد بدأت الآية بالزانية قبل الزاني لأن الزنى من المرأة أفحش.
الزنا بحليلة الجار
و أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار؛ فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" فقلت: ثم أي؟ قال: " أن تزاني حليلة جارك" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
و الزنا أكبر إثماً من اللواط؛ لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه و يعظم الضرر بكثرته، و لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب، و بعض الزنا أغلظ من بعض، فالزنا بحليلة الجار أو بذات الرحم (كالأخت و البنت و العمة.... ) أو بأجنبية في شهر رمضان، أو في البلد الحرام فاحشة مشينة، و أما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر إلا إذا انضاف إليه ما يجعله كبيرة كأن يكون مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر و الإكراه.
حد الزنا
و الزاني البكر يجلد مائة و يغرب عاماً (أي يبعد عن بلدته)، أما المحصن (الذي سبق له الزواج) فحكمه الرجم، ولابد في ذلك من الإقرار أو شهادة أربعة شهود؛ إذ الشرع لم يتشوف لكثرة عدد المحدودين والمرجومين.
ضوابط لابد منها
هناك ضوابط لابد من مراعاتها عند الحديث عن جريمة الزنا وإثباتها وبالتالي إقامة الخ، ومن هذه الضوابط:
أنه لا يصلح الإكراه لانتزاع الاعتراف، كما يجوز للإنسان أن يستر على نفسه و يتوب إلى ربه ويكثر من الحسنات الماحية للخبر: " اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله - عز وجل - عنها، فمن ألم فليـسـتـتر بستر الله - عز وجل -، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "، و لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لهزال الذي أتى بماعز الأسلمي لإقامة الحد عليه: " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ". (حسنه الألباني في الصحيحة) و يجوز التجسس لمنع وقوع الفاحشة، لا لضبطهما متلبسين كما نقله ابن رجب عن الإمام أحمد، و لو ضبط الرجل مع المرأة في لحاف واحد، فهذا يستوجب التعزير لا الحد، إذ لابد أن يكون الأمر كالرشا في البئر و الميل في المكحلة، و أن يأتي منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً.
الزنا من أخبث الذنوب
و ما في الزنا من نجاسة و خبث أكثر و أغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك، و ذلك لأنه يفسد القلب و يضعف توحيده جداً، و لهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً، و قال الذهبي: النظرة بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا، و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان (الشاب الوسيم الذي لم تنبت له لحية) و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم و كان يقال: لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد، و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياساً على المرأة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ". و في المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم...... اهـ
و الشذوذات التي تزكم الأنوف كثيرة، بل بلغت الوقاحة و الجرأة بالبعض مبلغاً جعلته يطالب بإباحة اللواط و السحاق. و كان عمر بن عبد العزيز يقول: لا يخلون رجل بامرأة و إن كان يحفظها القرءان، فلا يعتد بالنوايا الطيبة فمعظم النار من مستصغر الشرر، ولابد في هذا وغيره من صحة العمل. و قد نهى الإسلام عن كل أنواع الزنا، سراً كان أو جهراً و سواء كان احترافاً أو مجرد نزوة عابرة من حرة أو من أمة، من مسلمة أو غير مسلمة، كما نهى أيضاً عن الخطوات التي تسبقه و تؤدي إليه من نحو المخادنة و المصادقة، و حرم الخضوع بالقول و سفر المرأة بدون محرم وغير ذلك من الأمور التي شرعها الإسلام لصيانة الأعراض والأفراد والمجتمعات من هذه الجريمة النكراء.
العفة مطلوبة من الرجال والنساء
لو رجعنا إلى قول الله - تعالى -: (محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) " سورة المائدة: 5 " لوجدناه قد دعا إلى العفة الرجال كما دعا إليها النساء، قال ابن كثير: كما شرط الإحصان في النساء و هي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال، و هو أن يكون الرجل محصناً عفيفاً و لذلك قال: " غير مسافحين " و هم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم، ولا متخذي أخدان: أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهم. اهـ.
الزنا كبيرة وهو درجات
لقد ذكر العلماء مراتب متفاوتة للزنا، فالزنا بأجنبية لا زوج لها عظيم، و أعظم منه بأجنبية لها زوج و أعظم منه بمحرم، و زنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما، و زنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب، و زنا الحر و العالم لكمالهما أقبح من زنا العبد و الجاهل، و في الحديث: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم و لهم عذاب أليم: شيخ زان، و ملك كذاب، و عائل (فقير) مستكبر ". (رواه مسلم)
و ورد: " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم و يثبت الجهل و يشرب الخمر و يظهر الزنا ". (رواه البخاري و مسلم).
و المرأة إذا أكرهت على الزنا لا يزول عنها وصف البكر و تنكح بنكاح الحرة العفيفة، قال - تعالى -: (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور: من الآية33).
المال المكتسب من الزنا
إذا تابت المرأة و عندها أموال اكتسبتها من الزنى فعليها أن تبادر بإخراجها إلا إن احتاجت هذه الأموال في سداد دين أو نفقة واجبة كما قال ابن تيمية، و تجوز الصدقة على الزانية لحديث الرجل الذي تصدق بصدقة فوضعها في يد زانية و أصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية..... و في بقية الحديث: " أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ". (رواه البخاري و مسلم).
و استحلال الزنا كفر بالله - تعالى -، و عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا، من حفظ فرجه فله الجنة ". (رواه البيهقي و الحاكم و قال صحيح على شرط البخاري و مسلم).
و قال المسيح - عليه السلام - " لا يكون البطالون من الحكماء، ولا يلج (لا يدخل) الزناة ملكوت السماء ". و قال أبو هريرة رضي الله عنه " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ".
فاللهم طهر القلوب و حصن الفروج و اهدنا سبل السلام و جنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن. و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين