- أصناف الملائكة ووظائفهم:
أ- جبريل عليه السلام:
صفاته: قال الله تعالى في بيان صفات جبريل عليه السلام: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19- 21].
فمدحه الله بسبع صفات:
1- فهو رسول: فهذا اصطفاء من الله له بهذه المهمة من بين الملائكة.
2- وهو كريم: وفي ذلك تشريف عظيم له في تزكيته عليه السلام.
3- وهو ذو قوة: فهو بقوته يمنع الشياطين من أن تدنو من القرآن الكريم أو تنال منه شيئاً أو يزيدوا فيه أو ينقصوا منه.
4- وهو عند ذي العرش: فله شرف العندية العظمى والرتبة الزلفى.
5- وهو مكين: ذو مكانة عالية ورتبة سامية.
6- وهو مطاع: فهو مطاع في الملأ الأعلى فيما بين الملائكة المقربين عليهم السلام وهذا يدل على رياسته.
7- وهو أمين: فهو أمين وحي الله تعالى، وموصله بأمانة وصدق إلى أنبيائه ورسله عليهم السلام من غير تغيير ولا تحريف.
وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ} [الشعراء: 192-193-194].
وقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102].
قد وصفه الله بأنه روح لأن الروح سبب في الحياة، فهو الروح الأمين لأنه أمين على الوحي الذي فيه الحياة، وهو الروح القدس وصف بذلك لأن روحه تمثل الطهرَ، فهو ينزل بالتقديس من الله تعالى لأنه يطهِّر النفوس ويُقدس العقول والقلوب.
- خلقة جبريل الأصلية:
إن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية وله ستمائة جناح ما بين كل جناحين كما بين المشرق والمغرب وقد رآه على هذه الصورة مرتين:
فالمرة الأولى كانت في بطحاء مكة رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض.
والمرة الثانية كانت عند سِدْرة المنتهى ليلة المعراج.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح. رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها: "رأى جبريل في صورته التي خلق عليها مرتين، فرآه منهبطاً من السماء إلى الأرض سادّاً عِظَمُ خلقه ما بين السماء والأرض". متفق عليه.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: "فبينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء فرفعت بصري قبل السماء
فإذا الملك الذي جاءني بحراء (1)، قاعد على كرسي بين السماء والأرض، فخشيت منه حتى هويت إلى الأرض فجئت إلى أهلي، فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(2) * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(4)} [المدثر:1- 5].
وقال الله تعالى: {ولقد رآه نزلةً أخرى*عند سدرة المنتهى(5)} [النجم: 13- 14].
والمعنى: أن الرسول عليه الصلاة والسلام رأى جبريل عليه السلام مرة أخرى عند المكان الذي تنتهي إليه علوم الخلائق.
تمثلات جبريل عليه السلام:
كان جبريل عليه السلام يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتراءى له في صفات متعددة منها: في صورة دحية بن خليفة الكلبي إذ كان جميل الصورة بهيَّ المنظر، وتارة يأتيه في صورة أعرابي لا يعرفه أحدٌ من الناس.
وظائف جبريل عليه السلام:
إن لجبريل عليه السلام وظائف هامة عظيمة يقوم بها من ذلك:
1- تنزيل الشرائع الربانية:
قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192-195].
2- تأييد الله تعالى رسله عليهم السلام بجبريل عليه السلام:
قال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا(6) عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].
فإن الله يخاطب زوجتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة رضي الله عنهما ويحثهما على التوبة لأنهما تعاونتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يسوءه من إفراط الغيرة وإفشاء سِرِّه، فان تعاونهما لن يضرَّ برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله ناصره ومتولي أمره كله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة كلهم أعوانُ مظاهرون ومؤيدون لهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: {وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} [البقرة: 253].
فقد أيد اللهُ المسيحَ عيسى ابن مريم عليه السلام بروح القدس وهو جبريل عليه السلام منذ صباه إلى حال كبره، وبهذا التأييد حفظه الله من أعدائه اليهود.
3- تأييد الله تعالى أنصار رسل الله ومؤيديهم بجبريل عليه السلام:
فقد ثبت أن حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهجو المشركين وينافح ويدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعره وكان جبريل عليه السلام يؤيده.
عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال لحسان بن ثابت: "اهجهم - أي المشركين - وجبريل معك". متفق عليه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن روح القدس مع حسان مادام ينافح(1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود.
4- وهو أحد وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكال، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر". رواه الترمذي بإسناد صحيح.
5- تحبيب الله تعالى جبريل عليه السلام بأحبابه الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتبغيضه سبحانه لجبريل عليه السلام في أعدائه الذين يبغضهم الله رب العالمين :
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا} [مريم: 96].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحبَّ الله عبداً نادى جبريل: إني قد أحببت فلاناً فأحبَّه، فينادي في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض، فذلك قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا} [مريم: 96]. وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل إني قد أبغضت فلاناً فينادي في أهل السماء، ثم تنزل له البغضاء في الأرض". متفق عليه.
ب- ميكائيل عليه السلام:
ميكائيل عليه السلام هو أحد أكابر الملائكة عليه السلام.
ولمكائيل وظائف متعددة منها:
1- موكل بأرزاق العباد:
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جملة من حديث طويل: "قلت: يا جبريل على أيّ شيء أنت؟ قال: على الرياح والجنود. قلت: على أي شيء ميكائيل؟ فقال: على النبات والقطر(1)". رواه الطبراني والبيهقي وغيرهما.
2- وهو أحد وزيري رسول الله صلى الله عليه وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لي وزيرين من أهل السماء ووزيرين من أهل الأرض فوزيراي من أهل السماء جبريل وميكائيل، ووزيراي من أهل الأرض أبو بكر وعمر". رواه الترمذي بإسناد حسن والحاكم صححه.
ومن أجل هذا المنصب الوزاري نزل جبريل وميكائيل عليهما السلام يوم أحد يقاتلان إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثبت عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنَّه قال: (رأيت على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى شماله يوم أحد رجلين، عليهما ثياب بيض يقاتلان كأشد القتال ما رأيتهما قبل ولا بعد) متفق عليه. هما جبريل وميكائيل عليهما السلام.
جـ- إسرافيل عليه السلام:
وهو من جملة أكابر الملائكة عليهم السلام، فهو صاحب الصور(2) الذي ينفخ فيه بأمر الله النفخة الأولى فيهلك من في السماوات إلا من شاء الله أن يستثنيهم من الموت بهذه النفخة، ثم ينفخ فيه النفخة الثانية للبعث إلى الحياة بعد الموت.
قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إسرافيل صاحب الصور، وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وهو بينهما" رواه الحاكم وصححه، والبيهقي في الشعب، وابن مردوية وأبو الشيخ في العظمة كما في الدر المنثور وغيره.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم، وقد التقم صاحب القَرْنِ(3) القرنَ، وحنا جبهته ينتظر أن يؤمر فينفخ ؟!".
د- حملة العرش:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِي السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر: 7- 8-9].
وقال تعالى: {وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 16-17].
-عظمة حملة العرش:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أُذِن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه(1) مسيرة سبعمائة عام". رواه أبو داود.
-وظائفهم: يخبر الله تعالى في الآيات المتقدمة عن حملة عرشه ومن حوله أنهم ملازمون لتسبيحه وتحميده سبحانه دائبون على عبادته والاستغفار للمؤمنين.
هـ- الملأ الأعلى أو الرفيق الأعلى أو النديُّ الأعلى:
هم أشراف الملائكة ومقربوهم.
قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ نَبَؤٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ * مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [ص: 67-70].
والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينبأه الله تعالى وينزل عليه القرآن ما كان عنده علم باختصام الملأ الأعلى وما يجري بينهم من التقاول في قضية اعتبارات أعمال بني آدم: من الكفارات والدرجات وتنزيلها في منازلها وإعطائها واستحقاقاتها، فهو صلى الله عليه وسلم لم يكن عنده علم بجميع ذلك قبل أن ينبأ وينزل القرآن عليه لأنه كان أمياً صلى الله عليه وسلم، فلم يقرأ الكتب الماضية ولم يسمعها من أهلها، فمن أين جاء بهذه العلوم الوافرة الكثيرة التي من جملتها العلم باختصام الملأ الأعلى، إذاً حقاً إنه رسول الله صلى عليه وسلم أوحى الله تعالى إليه وعلمه ذلك كله.
والمقصود في هذه الآيات: إقامة الحجة القاطعة على حقية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم لأنه جاء يخبر بأمور لم يكن قبل ذلك يعلمها حتى أنزل الله تعالى الوحي فأعلمه بذلك.
وقد سأل الله سبحانه وتعالى بعد أن أفاض على رسوله صلى الله عليه وسلم من العلوم: فقال جلَّ شأنه يا محمد فيمَ يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات والدرجات. قال: وما الكفارات ؟
قلت: نقل الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء عند الكريهات. قال: وما الدرجات؟ قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام والصلاة والناس نيام" رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح.
ويسمى الملأ الأعلى بالرفيق الأعلى، عن عائشة رضي الله عنهما قالت كان النبي صلى يقول وهو صحيح(1): "لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير" فلما نزل به، ورأيته على فخذَي غشي عليه صلى الله عليه وسلم ثم أفاق فأشخص بصره إلى السقف ثم قال: "اللهم الرفيق الأعلى". رواه البخاري.
ويسمى الملأ الأعلى بالندي الأعلى وذلك باعتبار اجتماعهم في مجتمع عالي الرتبة.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "بسم الله، وضعت جنبي لله، اللهم اغفر لي ذنبي وأخسأ شيطاني(2)، وفُكَّ رِهاني(3)، واجعلني في الندي الأعلى". رواه أبو داود.
و- الملائكة المقربون:
قال الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنكِفَ(4) الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172].
الملائكة المقربون: هم سادة الملائكة منهم: جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام.
ز- خزنة الجنة:
قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا(5) حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73].
فخزنة الجنة وُكِّلوا على أبواب الجنة يستقبلون المؤمنين حين دخولهم ويرحبون بقدومهم ويكرمونهم بالتحيات والاحترامات.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: مَن؟ فأقول: محمد. فيقول: - أي الخازن - بك أمرت(6) أن لا أفتح لأحد قبلك. رواه مسلم.
هـ- خزنة النار:
قال الله تعالى: { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا(1) حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ(2) كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 71-72].
يخبر الله سبحانه وتعالى عن حال الكافرين أنهم يساقون إلى جهنم جماعات متفرقة متتابعة، وحين وصولهم إلى نار جهنم يفاجؤون بفتح أبوابها ومنظرها الفظيع فيبغتون وتكون الحجة عليهم بأن رسل الله قد أرسلت إليكم وأنذرتكم من عذاب الله فلم تستجيبوا، فعقاب مَن كفر وأعرض عن ذلك أن يدخل أبواب جهنم مهاناً وله عذاب السعير.
وفي ذلك قال تعالى: { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا(3) وَهِيَ تَفُورُ(4) * تَكَادُ تَمَيَّزُ(5) مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ(6) سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ(7)} [الملك: 6-11].
- صفات خزنة النار: هم غلاظ الأقوال شداد الأفعال كما أنهم غلاظ الخُلُق شداد الخَلق.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].
- ويقال لخزنة النار : "الزبانية" سميت ملائكة العذاب بذلك لدفعهم الشديد لأهل النار.
قال الله تعالى: {فَلْيَدْعُ
نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ(9)}[العلق: 17-18].
نزلت هذه الآيات في أبي جهل حين توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمَّ بإيذائه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمرَّ به أبو جهل، فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانتهره، فقال أبو جهل: يا محمد بأي شيء تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً! فأنزل الله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [ العلق: 17-18]. قال ابن عباس لو دعا ناديه لأخذته ملائكة العذاب من ساعته. رواه الترمذي وصححه.
وقال تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ(1)* لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ(2)* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 27-31].
فالله سبحانه يخبر عن خزنة النار أنهم ملائكة أقوياء أشداد لا يقاومون ولا يغالبون وأن عليها تسعة عشرمن الملائكة الموكلين على جهنم، وإليهم مرجع زبانيتها وسائر خزنتها.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالنار يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". رواه مسلم والترمذي.
واسم رئيس خزنة النار "مالك".
قال الله تعالى -حكاية لما يقولوه أهل النار وهم مقيمون في العذاب-: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديثه عن الإسراء واجتماعه بالأنبياء عليهم السلام: "فحانت الصلاة فأممتهم(3) فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلِّم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام". رواه مسلم.
ط- الملائكة الموكلون بتصوير النطفة وتطويرها ونفخ الأرواح في الأجنة:
عن عامر بن واثلة قال سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعِظ بغيره، فأتى عامر رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له حذيفه بن أسيد الغفاري فحدثه بقول ابن مسعود رضي الله عنه فقال: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصوَّرها وخلق(4) سمعها وبصرها وجلدها وعظمها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! أجله؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب! رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على ذلك شيئاً ولا ينقص" رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصادق المصدوق قال: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثمَّ يكون علقة ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. فوالله الذي لا إله إلا غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" رواه البخاري ومسلم.
ي- الملائكة الموكلون بمراقبة أعمال المكلفين وكتابة أقوالهم وأفعالهم:
قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80].
والمعنى: أن الله تعالى يسمع سرهم ويسمع ما يسرون فيما بينهم وأن ملائكة الله الموكلين بمراقبتهم هم معهم وعلى قرب منهم يكتبون كل قول يصدر منهم .
وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 16-18]. فهذه الآية الكريمة تثبت أن الله جعل لكل إنسان متلقيين من الملائكة يستقبلان ويتلقيان كل أقواله وأفعاله الحسنة والسيئة تلقي معرفة وحفظ وتسجيل، أمَّا أحدهما فعن اليمين وأما الآخر: فعن الشمال، وكل منهما قَعيد: ملازم لا يفارق الإنسان بحال من الأحوال لمراقبة أعماله وأقواله بمنتهى الدقة وكل منهما عتيد: أعده الله لهذه المهمة فهو حاضر للقيام بها كما أمره الله.
قال الله تعالى: {كَلا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [ الانفطار: 9-12]. والمعنى أن الله قد وكل ملائكة حافظين بمراقبة أعمال الناس عندهم كمال القدرة على حفظ جميع الأقوال والأفعال فلا يغيرون ولا يبدلون شيئاً مما يقوله الناس أو يفعلونه فهم يحفظون جميع ما يصدر عن الناس ويسجلون ذلك بصدق وأمانة، وهم مدركون ما يفعله الناس من الأعمال، ويقصدون من الأفعال، فهم يعلمون الطاعات ويعلمون المعاصي ظواهر الأعمال كما يعلمون خفاياها ودقائقها ومقاصدها.
فإذا كان يوم القيامة أخرجوا تلك الكتب المسجلة ونشروها لصاحبها، ويقال له هذا الكتاب كنا في الدنيا نكتبه عليك وتستنسخ فيه ما كنت تعمل فاقرأ كتابك قال الله تعالى:
{وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ(1) فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا(2)} [الإسراء: 13-14]. وقال تعالى: {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} [التكوير: 10].
وقال تعالى: { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً(1) كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا(2) الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ(3) مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 27 -29].
- إطلاع الملائكة الكاتبين على قلب الإنسان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى للملائكة: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي(4) فاكتبوها له حسنة، وإن أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها له عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف". رواه البخاري.
فهذا يدل على أن الملائكة الكاتبين تطلع على ما في قلوب الناس - بإذن الله - من الهم والإرادات وما هنالك من أعمال القلوب.
ك- الملائكة الموكلون بحفظ الإنسان:
قال الله تعالى:
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
يخبر الله بأنه وكل بابن آدم الملائكة يتعاقبون بالليل والنهار و يحفظونه من المضار والمهلكات بأمر من الله سبحانه وتعالى. لا يفارقونه بل يرافقونه من جميع الجهات من بين يديه ومن خلفه.
ل- الملائكة الموكلون بقبض الأرواح:
قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (5)} [الأنعام: 61].
وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11].
يخبر الله سبحانه وتعالى أنه وكَّل ملائكة للتوفية ولقبض الأرواح، ورئيسهم ملك الموت.
فملائكة التوفية تنزع أرواح الكافرين بعنف وشدة قال الله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الأنفال: 50-51].
وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ(6) وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: 93].
وأما المؤمنون فملائكة التوفية تتلقاهم بالسلام والترحيب والبشارة بالجنة. قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32].
م- الملائكة الموكلون بأمور أخرى في هذا العالم:
ا- الملائكة الموكلون بعذاب القبر وسؤاله:
إن الله وكل ملكين بعذاب القبر وسؤاله.
واسم الملكين: الأول: منكر، والآخر نكير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه أصحابه، وإنه ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا: أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل(1)؟ فأمَّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً. وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دَريْت(2) ولا تليت(3)، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما - المنكر وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينوَّر له فيه، ثم يقال له: نم. فيقول: ارجع إلى أهلي فأخبرهم! فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحبُّ أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً، فقلت مثله، لا أدري(4) فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي(5) عليه، فتلتئم عليه فتختلف(6) أضلاعه فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله تعالى من مضجعه ذلك". رواه الترمذي وقال: حديث غريب وابن حبان في صحيحه.
2- الملائكة الموكلون بتدابير أمور الجبال
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليكم يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ليل ابن عبد كُلالٍ(1)، فلم يجبني إلى ما أردتُ فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظَلتني، فنظرت فيها فإذا فيها جبريل فناداني، فقال إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم علي ثم قال: يا محمد ذلك فيما شئت - إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين(2) - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً" رواه البخاري ومسلم.
3- وظائف أخرى للملائكة:
- حضورهم صلاة الجمعة واستماعهم الذكر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول ومثل المهجر(3) كمثل الذي يُهدي بدنه ثم كالذي يُهدي بقرة ثم كبشاً ثم دجاجة ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم يستمعون الذكر". رواه البخاري ومسلم.
- تأمين الملائكة لفاتحة الصلاة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه.
-تحميد الملائكة في الصلاة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة: غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه.
- حضور الملائكة الحفظة عند صلاتي الفجر والعصر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد ملائكة الليل، وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل، فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون، فاغفر لهم يوم الدين" رواه الشيخان وابن خزيمة واللفظ له.
- صلوات الملائكة على عباد الله المؤمنين:
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً(1} وَأَصِيلًا(2)* هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 41، 43].
فالصلاة من الله تشتمل على الرحمة الخاصة والصلاة من الملائكة: هي الدعاء والاستغفار.
ومعنى الآيات: هو الذي يترحم عليكم ويترأف والملائكة يستغفرون لكم ويدعون لكم حين يدعوكم الله إلى الخير ويأمركم بإكثار الذكر والتوفر على الصلاة والطاعة فمن ذكر الله ذكراً كثيراً وسبحه بكرة وأصيلاً فإن الله سبحانه يكرمه فيصلي عليه هو وملائكته.
- حفُّ الملائكة الذين يتلون كتاب الله تعالى ويتدارسونه بينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه". رواه مسلم وأصحاب السنن.
- وضع الملائكة أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً به إلى الجنة، وإن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر". رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي.
- تدعو الملائكة لمن ينفق بأن يخلف الله عليه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ". متفق عليه.
- من داوم على تذكر الجنة والنار دون انقطاع يؤدي إلى مصافحة الملائكة:
- عن حنظلة الأُسَيدي قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة؟
قال حنظلة: قلت نافق حنظلة، فقال - أبو بكر - سبحان الله ما تقول؟ قال - حنظلة -: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة، حتى كانا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا(1) الأزواج والأولاد والصنيعات(2) نسياً كثيراً.
قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والصنيعات تدومون نسينا كثيراً! فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي في الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة - ثلاث مرات". رواه مسلم.
تأمين المَلك على دعاء المؤمن لأخيه في ظهر الغيب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكَّل به: آمين، ولك بمثله(3) ". رواه مسلم وغيره.
- تبشير الملائكة لمن زار أخاه حباً في الله تعالى بأن الله يحبه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى، فأرسل الله على مدرجته(4) ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية، فقال: هل لك عليه من نعمة تربُّها(5)، فقال: لا، غير أني أحبه في الله، قال - الملك -: فإني رسول الله إليك، إن الله قد أحبَّك كما أحببته فيه". رواه مسلم.