الرعد .. هل هو ملك من الملائكة أو غير ذلك
--------------------------------------------------------------------------------
..... الرعد هل هو ملك أو غيره .....
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
فقد ورد في السنة المطهرة بيان لهذه المسألة ، وذهب أكثر المفسرين والمحدثين إلى أن الرعد ملك كما جاء في الحديث ، وقد أردت بسط هذه المسألة بذكر ما جاء في كتب السنة من أحاديث وآثار ، وبسرد أقوال أهل العلم ، لأجل الفائدة أولا ، ولرد اعتراضات المنكرين من العقلانيين والفلاسفة وغيرهم .
1 ـ ما جاء في السنة المطهرة :
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ( يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو قال : ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ، فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع ، قال : زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر ، قالوا: صدقت فأخبرنا عما حرم إسرائيل على نفسه ، قال اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئا يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرمها قالوا صدقت ) .
قال الترمذي هذا حديث حسن غريب .( 3117 / 5: 294 ).
وبأطول منه رواه أحمد ( 2483 / 1 : 274 ) والطبراني في الكبير ( 12429 / 12: 45 ) ، قال المنذري في المجمع ( 8/ 242 ) : رجالهما ثقات ، ورواه النسائي ( 9027 / 5 :336 ) ، والأصبهاني في العظمة ( 7651 / 4 : 1249 ) ، وأبو نعيم في الحلية ( 4 : 305 ) ، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 1872 / 4 :491 ) . وكذا في صحيح الجامع حديث رقم ( 3553 ).
2 : ما جاء من آثار عن الصحابة والتابعين :
أ / أخرج البخاري في الأدب (722 / 1 : 252 ) وحسنه الألباني: أن ابن عباس رضي الله عنه كان إذا سمع صوت الرعد قال سبحان الذي سبحت له ، قال إن الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه ).
قال الشوكاني في فتح القدير ( 3: 77 ) : " وقد روى نحو هذا عنه من طرق ، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن الرعد ملك ، وكذا أخرج نحوه أبو الشيخ عن ابن عمر ، وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال الرعد ملك اسمه الرعد " اهـ.
وأخرجه الأصبهاني في العظمة ( 77410/ 4 :2185 ) : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ( الرعد ملك يحدو يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير ).
وقد أخرجه عن ابن عباس أيضا ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، والضياء في المختارة ، وابن أبي الدنيا ، والخرائطي ، وابن جرير الطبري .
ب / أخرج البيهقي في سننه ( 6271 / 3 : 363 ) من عدة طرق وكذا الإمام أحمد كما في العلل ( 5637 / 3 : 373 ) والذهبي في السير ( 9 : 548 ) عن علي رضي الله عنه قال
الرعد ملك ، والبرق مخراق من حديد ) . وقد أخرجه عنه أيضا ابن أبي الدنيا في كتاب المطر ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والخرائطي في مكارم الأخلاق .
فهذا ما روي عن الصحابة كعلي وابن عباس وأبي هريرة وابن عمرو رضي الله عنهم ، من أن الرعد ملك.
وهو ما روي أيضا عن غير واحد من التابعين كمجاهد وعكرمة والضحاك وأبي صالح وغيرهم :
فروى البيهقي ( 6276 / 3 : 363 ) وأبو نعيم في الحلية ( 3 : 258 ) والذهبي في السير ( 4 : 475 ) وابن جرير الطبري ( 1: 150 ) عن مجاهد قال : ( الرعد ملك يزجر السحاب بصوته ). وقبلهم رواه عنه الشافعي ففي الأم ( 1: 254 ) قال أخبرنا الثقة أن مجاهدا كان يقول: ( الرعد ملك والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب ) قال الشافعي "ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن " .
وروى البيهقي ( 6268 / 3: 363 ) وابن جرير وعبد بن حميد وابن المنذر وغيرهم عن عكرمة وسأله رجل عن قوله ويسبح الرعد بحمده قال:" ملك يزجر السحاب كما يزجر الحادي الإبل".
وروى سعيد بن منصور في سننه ( 1161 / 5 : 429 ) وابن جرير والخرائطي وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله عز وجل ويسبح الرعد بحمده قال : "الرعد ملك من الملائكة يسبح ".
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله ويسبح الرعد بحمده قال "هو ملك يسمى الرعد وذلك الصوت تسبيحه" .
3 : كلام أهل العلم من المفسرين وغيرهم وبيان ما جاء في اختلاف الروايات في ذلك :
قال القرطبي ( 1 / 217 ) : " وأختلف العلماء في الرعد ففي الترمذي عن ابن عباس قال : "سألت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث يشاء الله فقالوا فما هذا الصوت الذي نسمع قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر الله قالوا صدقت " الحديث بطوله ، وعلى هذا التفسير أكثر العلماء ، فالرعد اسم الصوت المسموع وقاله علي رضي الله عنه ، وهو المعلوم في لغة العرب ، وقد قال لبيد في جاهليته فجعني الرعد والصواعق ** بالفارس يوم الكريهة النجد ، وروي عن ابن عباس أنه قال الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت ".
وقال ابن جرير ( 1/150) بعد ذكره لروايات أن الرعد ملك : " وقال آخرون إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب فتصاعد فيكون منه ذلك الصوت ...( وذكر رواية عن ابن عباس ومجاهد) ثم قال : " فإن كان الرعد ما ذكره ابن عباس ومجاهد فمعنى الآية أو كصيب من السماء فيه ظلمات وصوت رعد لأن الرعد إن كان ملكا يسوق السحاب فغير كائن في الصيب لأن الصيب إنما هو ما تحدر من صوب السحاب والرعد إنما هو في جو السماء يسوق السحاب على أنه لو كان فيه يمر لم يكن له صوت مسموع فلم يكن هنالك رعب يرعب به أحد لأنه قد قيل إن مع كل قطرة من قطر المطر ملكا فلا يعدو الملك الذي اسمه الرعد لو كان مع الصيب إذا لم يكن مسموعا صوته أن يكون كبعض تلك الملائكة التي تنزل مع القطر إلى الأرض في أن لا رعب على أحد بكونه فيه فقد علم إذ كان الأمر على ما وصفنا من قول ابن عباس إن معنى الآية أو كمثل غيث تحدر من السماء فيه ظلمات وصوت رعد إن كان الرعد هو ما قاله ابن عباس وأنه استغنى بدلالة ذكر الرعد باسمه على المراد في الكلام من ذكر صوته " .
وقال البغوي (3/11) في قوله تعالى ( ويسبح الرعد بحمده ) : " أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه " .
وفي تفسير الجلالين ( 1/323) :"ويسبح الرعد هو ملك موكل بالسحاب يسوقه متلبسا بحمده أي يقول سبحان الله وبحمده" .
وقال الألوسي في روح المعاني ( 13 / 119 ) :" والذي اختاره أكثر المحدثين كون الإسناد حقيقيا بناء على أن الرعد اسم للملك الذي يسوق السحاب ... واستشكل بأنه لو كان علما للملك لما ساغ تنكيره وقد نكر في البقرة ، وأجيب بأن له إطلاقين ثانيهما اطلاقه على نفس الصوت والتنكير على هذا الإطلاق وقال ابن عطية وقيل إن الرعد ريح تخفق بين السحاب وروى ذلك عن ابن عباس . وتعقبه أبو حيان بقوله "وهذا عندي لا يصح فان ذلك من نزعات الطبيعيين وغيرهم . وقال الامام إن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وسائر الآثار العلوية وهو عين ما قلنا من أن الرعد اسم لملك من الملائكة يسبح الله تعالى فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء فكيف يليق بالعاقل الانكار" اهـ
فتبن من أن الرعد ملك هو قول أكثر المفسرين والمحدثين .
وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ جوابا شافيا فقال في مجموع الفتاوى( 24 : 263 ) : " وأما الرعد والبرق ففي الحديث المرفوع فى الترمذى وغيره أنه سئل عن الرعد قال ( ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ) وفى مكارم الأخلاق للخرائطى عن علي أنه سئل عن الرعد فقال ملك وسئل عن البرق فقال مخاريق بأيدى الملائكة وفى رواية عنه مخاريق من حديد بيده وروى فى ذلك آثار كذلك . وقد روى عن بعض السلف أقوال لا تخالف ذلك كقول من يقول أنه اصطكاك أجرام السحاب بسبب انضغاط الهواء فيه ، فإن هذا لا يناقض ذلك ، فإن الرعد مصدر رعد يرعد رعدا وكذلك الراعد يسمى رعدا كما يسمى العادل عدلا ، والحركة توجب الصوت ، والملائكة هي التي تحرك السحاب وتنقله من مكان إلى مكان ، وكل حركة في العالم العلوي والسفلي فهي عن الملائكة ، وصوت الإنسان هو عن اصطكاك أجرامه الذي هو شفتاه ولسانه وأسنانه ولهاته وحلقه ، وهو مع ذلك يكون مسبحا للرب وآمرا بمعروف وناهيا عن منكر ، فالرعد يزجر السحاب وكذلك البرق ، قد قيل لمعان الماء أو لمعان النار ، وكونه لمعان النار أو الماء لا ينافى أن يكون اللامع مخراقا بيد الملك ، فإن النار التي تلمع بيد الملك كالمخراق مثل مزجي المطر ، والملك يزجي السحاب كما يزجي السائق للمطي ، والزلازل من الآيات التي يخوف الله بها عباده ، كما يخوفهم بالكسوف وغيره من الآيات والحوادث ، وحكمة كونها آية يخوف الله بها عباده هى من حكمة ذلك ، وأما أسبابه فمن أسبابه انضغاط البخار فى جوف الأرض كما ينضغط الريح ظاهرا فى المكان الضيق فإذا انضغط طلب مخرجا فيشق ويزلزل ما قرب منه من الأرض " .اهـ
ولعل مما يؤيد ما عليه عامة المفسرين والمحدثين ما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقة يحول الماء بمسحاته فقال له يا عبد الله ما اسمك قال فلان للاسم الذي سمع في السحابة فقال له يا عبد الله لم سألتني عن اسمي قال سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك فما تصنع فيها قال أما إذ قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثه وأرد ثلثه ).
فقوله في الحديث : " سمعت في السحاب الذي هذا ماؤه يقول اسق حديقة فلان لاسمك " ما يدل على ما عليه عامة المفسرين والمحدثين من أن الرعد ملك يزجر السحاب ، والله اعلم .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين