مقدمة بين يدي التفسير للشيخ محمد حسان ـ حفظه الله ـ ( تفريغ )
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي هدى بكتابه القلوب و انزله في اوجز لفظ و اعجز اسلوب فاعيت بلاغته البلغاء و اعجزت فصاحته الفصحاء و اسكتت حكمته الحكماء و اذهلت روعته الخطباء .
فالقرآن هو الحُجّة البالغة و الدلالة الدامغة و النعمة الباقية و العصمة الواقية و هو النور المبين و الذكر الحكيم و الصراط المستقيم ، وهو شفاء الصدور و الحكم العدل فيما احكم و تشابه من الامور .
و اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، القائل سبحانه :وَ بِالحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَ بِالحَقِّ نَزَلَ وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَ نَذِيرًا الاسراء : ١٠٥
و القائل سبحانه : قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّ لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا الكهف : ١٠٩
و القائل سبحانه : وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لقمان : ٢٧
و اشهد انّ سيّدنا محمدا عبده ورسوله و صفيّه من خلقه و خليله ، أدّى الامانة و بلّغ الرسالة و نَصَح للامة و كشف الله به الغمّة و تَرَكَنا كالمَحَجَّة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها الا هالك . المُخاطب من الله جلّ وعلا في اول آيات انزَلَها على قلبه بقوله سبحانه : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ العلق : ١ـ٢ـ٣ـ٤ـ٥
و المخاطب من الله جل وعلا بقوله : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ النحل : ٤٤
و المخاطب من الله جل وعلا بقوله : طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى طه : ١ـ٢ـ٣ـ٤ـ٥
القائل كما في الصّحيحين من حديث ابي هريرة : ( ما من نبيّ من الانبياء الا أُعطيَ ما مِثلُه آمَن عليه البشر ، وكان الذي اوتيته وحيا اوحاه الله اليّ فأرجو ان اكون اكثرَهُم تابعا يوم القيامة )
اللهم صل و سلم و زد وبارك عليه و على آله و اصحابه و احبابه و اتباعه و على كل من اهتدى بهديه و استنّ بسنّته و اقتفى اثره الى يوم الدين .
مكانة علم التفسير :
قال المصطفى كما في صحيح مسلم و مسند احمد من حديث زيد بن ارقم ، قال زيد : " خطب رسول الله الصحابة خطبة يوما من الايام و قال في هذه الخطبة : ( ايها الناس انما انا بشر يوشك ان يأتِيَني رسول الله فأُجيب ، و إني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى و النور ، من استمسك به و اخذ به كان على الهدى و من اخطأه ضل ، و اهل بيتي ، اذكركم الله في اهل بيتي ، اذكركم الله في اهل بيتي ، اذكركم الله في اهل بيتي ) ".
النبي ما بعثه الله جل وعلا الا ليبلّغ عن الله و الا ليدُلّ الخلق على الحق بحق و الا ليربط الناس بالعروة الوثقى التي ماجاء بها المصطفى من عند نفسه و انما ارسله الله جل وعلا ليربط بها ايدي الناس ثم ليمضي هو الى ربه جل وعلا وهم بها مستمسكون .
فالمقصود من قوله : ( يوشك ان ياتيني رسول الله فاجيب) اي : ملك الموت
اما الثقلين : فإنّ العرب تقول للنّفيس و الخطير ثقيل
فذكر رسول الله القرآن الكريم و آل البيت ، فيالها من كرامة لآل البيت ، وهذا لعظم حرمتهما و لكريم مكانتهما عند الله جل وعلا و عند رسوله .
فمن استمسك بكتاب الله جل وعلا و اخذ به كان على الهدى و كان على الخير ، و من اخطأ كتاب الله جل وعلا و انحرف عنه و ابتعد عنه ضل و هلك و خسر و خذل في الدنيا و الاخرة .
العلوم كثيرة :
علم العقيدة ، علم السيرة ، علم التاريخ ، علم الفقه ، علم اللغة ، علم الاصول ، علم النحو ، علم الصرف ... الخ من العلوم
فضلا عن علم الطب و الفيزياء و الكيمياء و الجيولوجيا و الذرة الى غير ذلك من هذه العلوم
فالعلوم و ان تباينت اصولها و شرّقت و غرّبت فصولها و تنوعت ابوابها و اختلفت احوالها فلا احد يقلل من قدرها و لا من شأنها الا ان اعلاها قدرا و اغلاها مهرا و اسماها معنا و اعظمها مبنا و اجلاها بيانا و احلاها لسانا و اقومها قيلا و اصحها دليلا و اوضحها سبيلا علم التفسير لكتاب الملك القدير .
لانه علم يتعلق بكتاب الله جل و علا ، فعلم التفسير شمس ضحاها و بدر دجاها ، لان شرف العلم بشرف موضوعه و هل هناك اشرف من كلام الله جل وعلا ؟؟؟!!!
فكلام الله هو منبع كل حكمة و هو معدن كل فضيلة ، ففضل القرآن على كل كلام كفضل الله على كل خلقه ، فهو كلام اتانا من ملك الملوك و جبار السموات و الارض . يُنزله الله تبارك وتعالى ، يَنزل به رسول على شأن بكلام ذي شأن على نبي مصطفى و رسول مجتبى ذي شأن ، فالقرآن ذو شأن ، فعلينا ان نفتح قلبنا و نعلم ان الذي سيخاطبنا و الذي سيكلمنا هو الله عزوجل ملك الملوك جل جلاله و جبار السموات والارض ، وخاصة اذا بدأ الخطاب ب : يا ايها الذين ءامنوا
و القرآن الكريم هو طريق الوصول الى السعادة في الدنيا و الاخرة ، وما اصدق وما اوروع ما قال علي حين وصف كتاب الله جل وعلا فقال : " كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم و خبر ما بعدكم و حكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل ، من تركه من جبار قَصَمَه الله و من ابتغى الهدى في غيره اضله الله ، و هو حبل الله المتين و النور المبين و الذكر الحكيم و الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الاهواء و لا يَشبع منه العلماء و لا يخلق من كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه ، و هو الذي لم تنته الجن اذ سمعته حتى قالوا : انا سمعنا قرآنا عجبا يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا احدا ، و من قال به صدق و من عمل به أُجِر و من حكم به عدل و من دعا اليه هُدِيَ الى صراط مستقيم " رواه الترمذي وغيره
الحديث يصح موقوفا على علي بن ابي طالب و يضعف مرفوعا الى النبي لان فيه الحارث الاعور و هو ليّن الحديث ، ومن اهل الجرح والتعديل من اتهمه بالكذب .
و للامانة فمن اهل العلم من ضعف الحديث حتى موقوفا على علي لكن الارجح ـ ان شاء الله ـ ان هذا كلام علي وليس كلام النبي .
تعريف القرآن الكريم :
لغة : القرآن مصدر قرأَ ، يقرأ ، قراءة
كما في قوله تعالى : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ القيامة : ١٦ـ١٧ـ١٨ـ١٩
اصطلاحا او شرعا : القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المُنزَّل على عبده ورسوله المصطفى ، المُعجِز بلفظه ومعناه ، المتَحَدَّى باقصر سورة منه ، المتعبَّد بتلاوته ، المنقول الينا عن طريق التواتر ، المكتوب في المصاحف من سورة الفاتحة الى سورة الناس .
بما ان الاحاديث القدسية كلام الله فهل هي قرآن ؟
الاحاديث القدسية ليست معجزة في الفاظها و لا يتعبد بتلاوتها ، فتخرج من مفهوم القرآن .
فائدة :
الكتب : الزابور ، الصحف ، التوراة ، الانجيل ... لا تسمى قرآنا بل هي كتب سماوية انزلها الله تعالى على انبيائه و رسله ، انزل الصحف على ابراهيم وموسى و انزل التوراة على موسى و انزل الزابور على داود و انزل الانجيل على عيسى ، عليهم صلوات الله وسلامه و انزل القرآن على سيدنا محمد .
* القرآن الكريم ثلاثون ( ٣٠) جزءا
* عدد سوره : ١١٤ سورة .
* عدد اياته : ـ عند الكوفيين ٦٢٣٦ اية
ـ عند غير الكوفيين ٦٦٦٦ اية
على خلاف بينهم فيمن يعد البسملة اية و غير ذلك من الخلافات التي سنراها في موضعها ان شاء الله .
* القرآن فيه اوامر ونواهي ، و وعد و وعيد ، وقَصص و اخبار ، و عبر و امثال ، وحلال و حرام ، و دعاء ، و ناسخ ومنسوخ
لن تجد اكثر من هذا
الاوامر الف اية
النواهي الف اية
الوعد الف اية
الوعيد الف اية
القصص و الاخبار الف اية
العبر و الامثال الف اية
الحلال و الحرام خمسمائة اية
الدعاء مائة اية
الناسخ و المنسوخ ستة و ستون اية
يتبع باذن الله ...
__________________
قال بعض الحكماء: المتكبر كالصاعد فوق الجبل، يرى الناس صغاراً، ويرونه صغيراً.