الأدب مع الله وقصة أم أبي هريرة رضي الله عنه
--------------------------------------------------------------------------------
[SIZE="5"]الأدب مع الله
أعلى المراتب الخلق مع الله, سبحانه وتعالى-، والعاقل من يكون خلقه وأدبه مع الله تعالى وهو أصل كل أدب، بل لانتصف أحد بأب إن عدم "الخلق مع الله" وهذا الأدب يشمل:القلب واللسان، والأركان.
ومن أعظم مظاهر سؤ الأدب مع الله في الأفعال: المجاهرة بالعصيان، ومحاربة الرحمن، ورد أمر الله إتباعا لأمر الهوى والشيطان ومن ذلك: سماع الكذب، وأكل السحت. قال العلامة ابن قيم الجوزية، رحمه الله: والأدب ثلاثة أنواع:-
1- أدب مع الله سبحانه وتعالى
2- وأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه
3- وأدب مع خلقه.
ومقامات الأدب الله سبحانه كثيرة جدا ومنها: مقام المراقبة: بدوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه. قال تعالى :" وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير" (الحديد :4) قال الشاعر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة ## والنفس داعية إلي الطغيان
فاستحيي من نظر الإله وقل لها ## إن الذي خلق الظلام يراني
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضا، فيجعلها الله هباء منثورا. أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله ،انتهكوها".
من أدب الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام مع الله سبحانه.
من أدب الرسول صلي الله عليه وسلم: إن القلم ليعجز أن يكتب عن أدب النبي صلي الله عليه وسلم، فحياته كلها أدب من المولد حتى الممات. وزكى الله لسانه وصدره وفؤاده وخلقه’ ومن جميل ما ذكر في تفسير قول الله تعالي : ما زاغ البصر وما طغى " (النجم:17)
ووصفه في كتابه’ فقال: "و إنك لعلى خلق عظيم" (القلم:4). بمعني أنه عظيم في خلقه مع ربه عظيم في تعامله مع عموم الناس مع من آمن به’ أو كفر عظيم في كل موقف من مواقف حياته’ وفي كل نوع من أنواع الأخلاق.
من أدب إبراهيم عليه السلام: قال الله تعالى علي لسان إبراهيم عليه السلام : "الذي خلقني فهو يهدين* والذي هو يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين" (الشعراء:78-80) فإبراهيم عليه السلام أضاف المرض إلي نفسه’ وإن كان المرض والشفاء كله من الله’ استعمالا لحسن الأدب مع ربه سبحانه وتعالى.
من أدب يوسف عليه السلام : قوله عندما خرج من السجن عندما رفع أبويه على العرش قال:" وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن" (يوسف:100) ولم يضف سبب وقوعه في السجن إليه’ وإنما ذكر إحسان الله إليه.
وأمثال هذه الأخلاقية كثيرة جدا عند أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله تعالي إلا بثلاثة أشياء:-
1- المعرفة بأسمائه وصفاته.
2- المعرفة بدينه وشرعه’ وما يحب وما يكره.
3- أن تكون له النفس مستعدة ومتهيئة لقبول الحق علما وعملا وحالا.
من الأدب مع الله عز وجل.
فالأدب مع الله سبحانه يقتضي توحيده وتعظيمه سبحانه وإطاعة أوامره’ ونواهيه’ والحياء منه’ وهذا يشمل القلب واللسان والأركان.
ومن أمثلة ذلك :
1- تلقي أخبار الله سبحانه بالتصديق: بحيث لا يقع عند الإنسان شك أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالي لأنه هو أصدق القائلين.
2- حسن الخلق مع الله عز وجل: بأن يتلقي الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق فلا يرد شيئا من أحكام الله.
3- تلقي أقدار الله تعالي بالرضا والصبر: يعني سرور النفس بما يصيب الإنسان من خير أو شر’ أو حلو أو مر’ أو يفوته من الله سبحانه.
4- التوجه إلي الله سبحانه بالدعاء: هو طلب ما ينفع الداعي’ و طلب كشف ما يضره’ ودفعه.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال’ قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "من لم يسأل الله’ يغضب عليه".
وقد أحسن الناظم بقوله:
الله يغضب إن تركت سؤاله ## وتري ابن آدم حين يسأل يغضب
وللدعاء آداب وفضائل كثيرة، منها:آداب قبل الدعاء وخلاله وبعده، وآداب عند الدعاء’ وآداب بعد الدعاء.
الأدب مع القرآن الكريم
إذ أن القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة ومنبع التوجيه والتربية وهو الدستور الذي أنزله علي قلب محمد صلي الله عليه وسلم ليصلح الله به ما بين العبد وربه وما بين العبد ونفسه. وفي تلاوة القرآن الكريم فضل عظيم’ كما في قوله سبحنه: "فاقرءوا ما تيسر من القرآن ".
وللحامل القرآن أخلق : قال الإمام الأجري رحمه الله: "فينبغي له أن يجعل القرآن ربيعا لقلبه’ ويعمر به ما خرب من قلبه’ يتأدب بآداب القرآن’ ويتخلق بأخلاق شريفة’ بين بها عن سائر الناس ممن لا يقرأ القرآن".
ومن آداب تلاوة القرآن الكريم:-
1- تحري الإخلاص عند تعلم القرآن وتلاوته : بأن يكون قراءة القرآن من أجل العبادات’ ويتقرب به إلي الله.
2- التجويد القراءة: هو إعطاء الحروف حقها ومستحقها في النطق. والمقصود التلاوة الحقيقة وهي تلاوة المعني وإتباعه تصديقا بخبره. فتلاوة القرآن تتناول تلاوة لفظه ومعناه’ وتلاوة المعني أشرف من مجرد تلاوة اللفظ’ وأهلها هم أهل القرآن الذين لهم الثناء في الدنيا والآخرة" فإنهم أهل تلاوة ومتابعة حقا".
3- وجوب العمل بالقرآن: فالعاقل من يحل حلاله’ ويحرم حرامه’ ويقف عند نهيه ونأتمر بأمره ويعمل بمحكمه ويؤمن بمتشابهه ويقيم حدوده وحروفه.
4- الحث علي استذكار القرآن وتعاهده: عن أبي موسي رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: تعاهدوا هذا القرآن’ فوالذي نفس محمد بيده لهو’ أسد تفلتا من الإبل في عقلها"
5- لا تقل نسيت’ ولكن قل: أنسيت أو أسقطت أو نسيت: ودليل ذلك حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "بسما للرجل أن يقول: نسيت سورة كيت وكيت’ أونسيت آية كيت وكيت’ بل هي نسي".
6- وجوب تدبر القرآن الكريم: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده’ وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل فيه وجمع الفكر على معاني آياته،قال الله تعالي: "وكتاب أنزلنه إليك مبارك ليدبروا آيته * وليتذكر أولوا الألباب"(ص:29).
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"والمطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به".
قال ابن الجوزية "الناس ثلاثة:- 1- رجل قلبه ميت.
2- رجل له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة التي يخبر بها الله عن الآيات المشهورة: إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه ولكن قلبه مشغول عنها بغيرها’ فهو غائب القلب ليس حاضرا’ فهذا أيضا لا تحصل له الذكرى مع استعداده ووجود قلبه.
3- رجل حي القلب مستعد’ تليت عليه الآيات’ فأصغى بسمعه’ وألقى السمع وأحضر قلبه’ ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه’ فهو شاهد القلب’ ملقي السمع’ فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوية والمشهورة.
قصة أم أبي هريرة رضي الله عنه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما خلق الله مؤمنا سمع بي ولا يراني إلا أحبني’ إن أمي كانت مشركة’ وإني كنت أدعوها إلي الإسلام’ فتأبى علي’ وإني دعوتها ذات يوم فأسمعتني في رسول الله صلي الله عليه وسلم ما أكره’ فادع الله أن يهدي أمي، فقال:"اللهم أهد أم أبي هريرة’ فخرجت أعدو أبشرها بدعوة رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما أتيت الباب إذا هو مجاف’ وسمعت خضخضة الماء’ وسمعت خشف رجلي’ فقالت: يا أبا هريرة’ كما أنت’ وفتحت الباب, ولبست درعها، وعجلت عن خمارها’ فقالت إني أشهد أن لا إله إلا الله’ وأن محمدا عبده ورسوله’ فرجعت إلي رسول الله صلي عليه وسلم’ أبكي من الفرح كما بكيت من الحزن، فقلت: يا رسول الله’ أ ليس قد استجاب الله دعوتك’ فهد أم أبي هريرة’ أدع الله أن يحببني وأمي إلي عباده المؤمنين’ ويحببهم إلي’ وإليها’ فقال: "اللهم حبب عبدك وأمه إلي عبادك المؤمنين وحببهم إليه".
من قيم أخلاقية في هذه القصة ما يلي :-
1- سرعة استجابة دعوة الرسول صلي الله عليه وسلم, وهذه من معجزة نبوته.
2- أن الهداية بيد الله يهدي به من يشاء’ قال الشاعر:
يضل ويهدي من يشاء من الورى ## و ما بيد الإنسان غي ولا رشد
3- حسن الأدب مع الوالدين مسلما كانوا أو مشركا إلا أن يدعو الله لهم بالهداية.