وجـوب الـصيام ووقــته
بســـم الـلــه الـرحــمــن الـرحـيم
باب في وجوب الصيام ووقته
صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام ، وفرض من فروض الله ، معلوم من الدين بالضرورة .
ويدل عليه الكتاب والسنة والإجماع :
قال الله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إلى قوله تعالى : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ الآية ، ومعنى " كتب " : فرض ، وقال : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ والأمر للوجوب .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : بني الإسلام على خمس وذكر منها صوم رمضان . والأحاديث في الدلالة على فرضيته وفضله كثيرة مشهورة .
وأجمع المسلمون على وجوب صومه ، وأن من أنكره كفر .
والحكمة في شرعية الصيام أن فيه تزكية للنفس وتطهيرا وتنقية لها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة ؛ لأنه يضيق مجاري الشيطان في بدن الإنسان ؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، فإذا أكل أو شرب ، انبسطت نفسه للشهوات ، وضعفت إرادتها ، وقلت رغبتها في العبادات ، والصوم على العكس من ذلك .
وفي الصوم تزهيد في الدنيا وشهواتها ، وترغيب في الآخرة ، وفيه باعث على العطف على المساكين وإحساس بآلامهم ، لما يذوقه الصائم من ألم الجوع والعطش ؛ لأن الصوم في الشرع هو الإمساك بنية عن أشياء مخصوصة من أكل وشرب وجماع وغير ذلك مما ورد به الشرع ، ويتبع ذلك الإمساك عن الرفث والفسوق .
ويبتدئ وجوب الصوم اليومي بطلوع الفجر الثاني ، وهو البياض المعترض في الأفق ، وينتهي بغروب الشمس ، قال الله تعالى : فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ يعني : الزوجات وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ، ومعنى : يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ : أن يتضح بياض النهار من سواد الليل .
ويبدأ وجوب صوم شهر رمضان إذا علم دخوله .
وللعلم بدخوله ثلاث طرق :
الطريقة الأولى : رؤية هلاله ، قال تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وقال النبي صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته فمن رأى الهلال بنفسه ، وجب عليه الصوم .
الطريقة الثانية : الشهادة على الرؤية ، أو الإخبار عنها ، فيصام برؤية عدل مكلف ، ويكفي إخباره بذلك ، لقول ابن عمر : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود وغيره ، وصححه ابن حبان والحاكم .
والطريقة الثالثة : إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يوما ، وذلك حينما لا يرى الهلال ليلة الثلاثين من شعبان مع عدم وجود ما يمنع الرؤية من غيم أو قتر أو مع وجود شيء من ذلك ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : إنما الشهر تسعة وعشرون يوما ، فلا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم ؛ فاقدروا له ومعنى " اقدروا له " أي : أتموا شهر شعبان ثلاثين يوما ؛ لما ثبت في حديث أبي هريرة : فإن غم عليكم ، فعدوا ثلاثين .
ويلزم صوم رمضان كل مسلم مكلف قادر ؛ فلا يجب على كافر ، ولا يصح منه ، فإن تاب في أثناء الشهر ، صام الباقي ، ولا يلزمه قضاء ما سبق حال الكفر .
ولا يجب الصوم على صغير ، ويصح الصوم من صغير مميز ، ويكون في حقه نافلة .
ولا يجب الصوم على مجنون ، ولو صام حال جنونه ، لم يصح منه ، لعدم النية .
ولا يجب الصوم أداء على مريض يعجز عنه ولا على مسافر ، ويقضيانه حال زوال عذر المرض والسفر ، قال تعالى : فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ .
والخطاب بإيجاب الصيام يشمل المقيم والمسافر ، والصحيح والمريض ، والطاهر والحائض والنفساء ، والمغمى عليه ، فإن هؤلاء كلهم يجب عليهم الصوم في ذممهم ، بحيث إنهم يخاطبون بالصوم ، ليعتقدوا وجوبه في ذممهم ، والعزم على فعله : إما أداء ، وإما قضاء ، فمنهم من يخاطب بالصوم في نفس الشهر أداء ، وهو الصحيح المقيم ، إلا الحائض والنفساء ، ومنهم من يخاطب بالقضاء فقط ، وهو الحائض والنفساء والمريض الذي لا يقدر على أداء الصوم ويقدر عليه قضاء ، ومنهم من يخير بين الأمرين ، وهو المسافر والمريض الذي يمكنه الصوم بمشقة من غير خوف التلف .
ومن أفطر لعذر ثم زال عذره في أثناء نهار رمضان ، كالمسافر يقدم من سفره ، والحائض والنفساء تطهران ، والكافر إذا أسلم ، والمجنون إذا أفاق من جنونه ، والصغير يبلغ ، فإن كلا من هؤلاء يلزمه الإمساك بقية اليوم ويقضيه ، وكذا إذا قامت البينة بدخول الشهر في أثناء النهار ، فإن المسلمين يمسكون بقية اليوم ويقضون اليوم بعد رمضان .