باب عشرة النساء إحسان العشرة بين الزوجين بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين قال: قال الإمام البعلي- رحمه الله تعالى-: باب عشرة النساء . يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اَلزَّوْجَيْنِ مُعَاشَرَةُ اَلْآخَرِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءُ حَقِّهِ بِلَا مَطْلٍ وَكُرْهٍ، وَيَجِبُ تَسْلِيمُ نَفْسِهَا وَطَاعَتُهُ اِسْتِمْتَاعًا مَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَلَا يَطَأُ فِي حَيْضٍ وَدُبُرٍ وَلَا يَعْزِلُ عَنْ حُرَّةٍ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا عَنْ أَمَةٍ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا، وَيُلْزِمُهَا بِالْغُسْلِ اَلْوَاجِبِ وَأَخْذِ مَا يُعَافُ، وَيَجْمَعُ بَيْنَهُنَّ بِغُسْلٍ، لَا مَسْكَنٍ كُرْهًا.
وَحَقُّهَا اَلْمَبِيتُ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ أَرْبَعٍ وَمِنْ ثَمَانٍ لِلْأُمَّةِ، وَإِصَابَتُهَا كُلَّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، وَإِلَّا فَلَهَا اَلْفَسْخُ بِحَاكِمٍ كَمَا لَوْ سَافَرَ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ فَأَبَى مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَمَتَى مَنَعَتْهُ حَقَّهُ أَوْ تَكَرَّهَتْ بِهِ وَعَظَهَا وَزَجَرَهَا قَوْلًا فَإِنْ أَبَتْ هَجَرَهَا مَضْجَعًا مَا شَاءَ وَكَلَامًا دُونَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ أَصَرَّتْ فَلَهُ ضَرْبُهَا يَسِيرًا، وَإِنْ مَنَعَهَا اَلْحَقَّ مُنِعَ مِنْهَا حَتَّى يُحْسِنَ عِشْرَتَهَا فَإِنْ اِدَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ ظُلْمَ اَلْآخَرِ أُسْكِنَا بِقُرْبِ ثِقَةٍ يُلْزِمُهُمَا اَلْإِنْصَافَ، فَإِنْ صَارَا إِلَى اَلشِّقَاقِ بَعَثَ اَلْحَاكِمُ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، يَفْعَلَانِ بِتَوْكِيلِ اَلزَّوْجَيْنِ اَلْأَصْلَحَ مِنْ جَمْعٍ أَوْ فُرْقَةٍ، فَإِنْ اِمْتَنَعَا لَمْ يُجْبَرَا فِي رِوَايَةٍ. لَكِنْ يَمْنَعُ اَلْحَاكِمُ ظُلْمَهُ.
باب القسم . تَجِبُ اَلتَّسْوِيَةُ فِي اَلْقَسْمِ لَا اَلْوَطْءِ وَعِمَادُهُ اَللَّيْلُ لَا لِحَارِسٍ وَنَحْوِهِ، لِلْحُرَّةِ ضِعْفُ اَلْأَمَةِ، وَلِلْجَدِيدَةِ فَضْلٌ بِالزِّفَافِ لِلْبِكْرِ سَبْعًا وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثًا، فَإِنْ اِسْتَوَيَا فَالْقُرْعَةُ، فَلَوْ بَدَأَ أَوْ سَافَرَتْ مَعَهُ بِلَا قُرْعَةٍ أَثِمَ وَيَقْضِي، وَلَهَا أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا لِبَعْضِ ضَرَّاتِهَا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ فَيَجْعَلُهُ لِمَنْ شَاءَ، وَيُسَمِّي عِنْدَ اَلْوَطْءِ وَيَقُولُ مَا وَرَدَ.
بَابُ اَلْخُلْعِ .وَإِذَا خَافَتْ أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اَللَّهِ فَلَهَا فِدَاءُ نَفْسِهَا بِمَا يَرَيَانِهِ وَتَبِينُ بِهِ فَلَا يَلْحَقُهَا بَعْدَهُ طَلَاقٌ، وَيَجُوزُ بِمَجْهُولٍ وَكُلِّ مَا يَصِحُّ صَدَاقًا مِنْ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا، وَلَا يُسَنُّ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا، فَإِنْ قَالَتْ: عَلَيَّ مَا فِي يَدِي مِنْ اَلدَّرَاهِمِ فَلَهُ مَا فِيهَا وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَفِي اَلْمُبْهَمِ أَقَلُّهُ. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. باب عشرة النساء. العشرة هي الصحبة، أي بمعنى أن كلا من الزوجين يلزمه أن يحسن صحبة الآخر بقدر ما يستطيع من الإحسان، ودليله من القرآن قول الله تعالى:
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ </A>
؛ أي اصحبوهن.
وكل من الزوجين يسمى بالنسبة للآخر العشير، ودليله قوله- صلى الله عليه وسلم- في وصف النساء:
إنهن يكفرن العشير ويكفرن الإحسان </A>
العشير: الزوج؛ يعني يكفرن إحسان الزوج. فالعشرة هي صحبة كل منهما الآخر صحبة حسنة؛ أي بحيث يكون ذلك سببا في دوام الصحبة وبقاء الزوجية.
فإنه إذا ساءت العشرة ساءت الحال، وكان ذلك سببا في الفرقة. وإذا حسنت الصحبة وحسنت العشرة دامت بإذن الله الصحبة ودامت الزوجية، ودام البقاء على هذه الحالة. وكل من الزوجين صحب الآخر صحبة طويلة؛ حتى يفرق بينهما الموت. فهذا هو السبب في حث الفقهاء على إحسان العشرة.
فيقول: يجب على كل واحد من الزوجين معاشرة الآخر بالمعروف يعني أخذا من الآية
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ </A>
المعروف </A>
هو ما تعرفه النفس السليمة والفطرة المستقيمة، وما تشهد النفوس الأبية بملاءمته، تشهد بمعرفته وبحسن ملاءمته وموافقته. هذا هو الأصل؛ سمي معروفا لأن كل من يعرفه يشهد بحسنه.
وضده المنكر الذي ذكره الله بقوله:
تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ </A>
فـ
المنكر </A>
هو ما تنكره النفوس وتستقبحه وتستبعشه من الأخلاق والأقوال والأحوال والأعمال. فهكذا فعلى كل من الزوجين أن يأتي إلى الآخر بالمعروف، وأن يبتعد عن المنكر.
وعليها أداء حقه بلا مطل وكره. عليها أداء حقه؛ حقه في نفسها؛ وذلك لأنه تزوجها لحاجته إلى الاستمتاع. وأكبر حقه أن تجيبه إذا دعاها إلى نفسها بدون تكره، وبدون تثاقل؛ بل تأتي مختارة دون تبرم ودون مطل.
والمطل هو التأخير؛ فإن ذلك قد يضره، وقد يكرهها إليه. كذلك أيضا لها حق عليه، وحقها عليه مثل ما قال الله:
وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ </A>
؛ فإن عليه أن ينفق عليها
بالمعروف </A>
وأن يكسوها
بالمعروف </A>
وعليه أيضا صحبتها؛ صحبتها بالمعروف؛ فيلين لها جانبه، ويسفر لها وجهه، ويتبسم كل منهما للآخر تبسم رغبة. وكذلك كل منهما يحرص على أن يؤدي إلى الآخر ما هو مطالب منه. فإذا طلبت منه أمرا هو من حقها؛ كحاجة يقضيها، أو شيء يحضره لها؛ فلا يتبرم ولا يتأخر؛ لأن ذلك مما يسبب الألفة بينهما.
على كل منهما أن يصحب الآخر بالمعروف، وأن يحسن صحبته؛ فعليه مثل ما قال الله:
فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ </A>
يمسكها إمساكا بما هو معروف. وإذا كرهها؛ فالله تعالى يقول:
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا </A>
.
فإن في هذه الآية حض له على الإمساك حتى ولو كان هناك كراهية من أحدهما للآخر، فربما تنقلب تلك الكراهية وتصير محبة ومودة؛ فإن ذلك هو ما أخبر الله به في قوله تعالى:
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً </A>
وبسبب تلك المودة والمحبة والرحمة تطول مدة الصحبة، وتفارق المرأة أبويها لرغبتها في ذلك الزوج، وكذلك هو يفارق أبويه؛ يعني عادة في السكن قريبا وأو بعيدا.
كل ذلك لأجل الحفاظ على هذه المودة؛ فلا بد من لين الجانب، ولا بد من العفو عن العثرات وعن الزلات، والخطأ:الخطأ إذا حصل من أحدهما زلة أو خطأ، فإن على الآخر أن يعفو عنه، وأن يتسامح عما يصدر منه. وكذلك كل منهما يتخلق بكل فضيلة، ويتحلى بكل ما هو مستحسن، ويبتعد عن الرذائل وعن سوء المعاملة.
وكل منهما يمسك لسانه؛ إذا رأى شيئا لا يناسبه أي صبر وتحمل. ويجتنب كل منهما الأعمال السيئة فلا يتعامل بالكذب، ولا بالإثم وقول الزور. ويجتنب الحدة والشدة، ويجتنب رفع الأصوات عند الخصومات، ويجتنب تتبع العثرات والزلات ولو كانت صغيرة؛ فإنه إذا تتبعها وأخذ يذكر السيئات وينسى المحاسن؛ كان ذلك سببا لسوء العشرة. فيتذكر ذلك الإحسان، وذلك المعروف الذي حصل من الآخر.
وبهذا تدوم- بإذن الله- هذه الصحبة ويعيشان عيشة طيبة. ورد أنه- صلى الله عليه وسلم- قال:
لا يحل للرجل أن يفضي إلى المرأة، ثم يصبح فيكشف سترها ويفشي سرها </A>
وكذلك أيضا المرأة. كل منهما يستر ما بينه بين الآخر.إذا رأى عيبا، أو رأى شيئا يمكن ستره فإنه يستره.
يجب تسليم المرأة نفسها متى ما طلبها زوجها. إذا طلب من أهلها أن تسلم له سلموها له ما لم يكن هناك عذر. وكذلك في حال اجتماعهما في المنزل، إذا طلبها فإنها تسلم نفسها ولا تمتنع. وكذلك تطيعه في الاستمتاع الذي هو الوطء. وفي الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم- قال:
إذا دعا الرجل امرأته إلى نفسها فلتأته ولو كانت على التنور </A>
يعني ولو كانت- تخبز خبزها على التنور- تجيبه. وكذلك أمرها بأن تجيبه ولو كانت على ظاهر قتب.
كل هذا لأجل أن هذا هو حقه؛ ما لم يكن هناك عذر كحيض أو نحوه.
الوطء في الحيض والدبر فيحرم عليه أن يطأها في الحيض أو يطأها في الدبر؛ فذلك محرم. قال الله تعالى:
فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ </A>
أي في حال الحيض، والمراد به محل خروج ذلك الدم الذي هو نجس. أي تجنبوا المكان الذي هو نجس، وهو مخرج الدم مخرج الحيض، وإلا فإنه ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يستمتع من نسائه بما فوق الإزار في حال الحيض؛ أي تجعل على فرجها إزارا وستارة من السرة إلى الركبة ثم يباشرها فوق ذلك الإزار.
كذلك الوطء في الدبر معصية وذنب كبير. ورد فيه قول النبي- صلى الله عليه وسلم-:
إن الله لا يستحيي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن </A>
عدة أحاديث ذكرها ابن القيم- رحمه الله- في زاد المعاد وكذا غيره.
وفي رواية
لا تأتوا النساء في أعجازهن </A>
وذلك لأن الله إنما أباح الحرث
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ </A>
والحرث هو محل البذر الذي هو الرحم، فهو الذي أباحه
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ </A>
أي متى شئتم؟. فأما ما ليس بحرث وهو الدبر فإنه قذر؛ محل القذر ومحل النجاسة وخروج النجاسة؛ فلأجل ذلك كان مستبشعا في طباع كل ذي عقل حتى البهائم. البهائم جعل الله في فطرتها أنها لا تتناكح في الأدبار؛ بل إنها لا تنكح إلا الإناث في محل الفرج.
فالذين يزين لهم- والعياذ بالله- الإتيان في الدبر من امرأة أو ذكر؛ هؤلاء قد انتكست فطرهم وتغيرت طباعهم؛ لذلك عليهم أن يفكروا في هذه الأفعال الدنيئة. ثم إن الإتيان في الدبر يسبب أمراضا، ويسبب آفات كثيرة ذكرها العلماء. يراجع زاد المعاد كتاب الطب النبوي؛ فقد ذكر له آفات تدل على قذارته وتنفر منه؛ حتى ذكر بشاعة ذلك؛ بكل حال. وتعرض لذلك في كتابه الذي سماه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" وغيره من العلماء رحمهم الله بينوا تحريم هذا الفعل.
العزل عن الزوجة والأمة كذلك أيضا يقول: ولا يعزل عن حرة بغير إذنها. العزل هو ترك الإنزال في الرحم. كونه إذا أحس بالإنزال نزع وأنزل خارج الرحم؛ لأجل ألا يحصل الحمل. هذا يستعمل إذا كره الولد، أو أحب ألا يكون هناك له ولد منها. إذا رأى أن ذلك يضرها أو نحو ذلك. ولا شك أنه لا يحصل منه كمال استمتاعها؛ ولذلك ذكروا أنه لا ينزع قبل فراغها؛ لأن هذا الاستمتاع حق لكل منهما.
فإذا قذف في الرحم فلا ينزع حتى تبرد شهوتها؛ فلها حق في هذا الاستمتاع. فإذا أذنت الحرة أنه يعزل له ذلك. وإذا كانت زوجته أمة تزوجها بإذن سيدها، فلا يعزل إلا بإذن سيدها؛ لأن الحق في الولد للسيد، فإن الأولاد يكونون مماليك لسيدها.
إلزام الزوجة بالغسل يقول: ويلزمها بالغسل الواجب. إذا لزمها غسل الذي هو غسل جنابة أو غسل نظافة؛ يلزمها بذلك. إن كان غسل جنابة فإنه لا تصح عبادتها إلا به؛ لأنه حدث أكبر؛ فيلزمها أن تغتسل، وإذا امتنعت ألزمها وأكرهها على ذلك. كذلك أيضا إذا كان غسلا لأجل النظافة. رأى عليها وسخا في بدنها أو في شعرها؛ ألزمها بإزالة ذلك الوسخ سواء بالاغتسال أو بغيره. إذا كان هناك شيء تعافه النفس في شعرها، وجدها شعثة أو بعيدة العهد بالنظافة؛ يلزمها أن تمتشط وتتنظف. وكذلك بقص أظفارها إذا كانت طويلة في اليدين أو الرجلين، وما أشبه ذلك مما تعافه النفس.
الجمع بين الزوجات بغسل واحد يجوز إذا كان له زوجتان أو ثلاث أو أربع، أن يجمع بينهن في غسل، أن يجامع هذه ثم الثانية ثم الثالثة ويغتسلوا غسلا واحدا عن الثنتين أو الثلاث أو الأربع؛ كما ذكر ذلك عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان يجمع بين نسائه في غسل واحد.
كذلك أيضا كان يجمع بينهن في ذلك، ولكن كان يتوضأ ويأمر بالوضوء بين كل ثنتين. إذا وطئ هذه ثم أراد الثانية فإنه يتوضأ، بل أمر بذلك بالزوجة الواحدة؛ لقوله- صلى الله عليه وسلم-:
إذا وطئ أحدكم امرأته ثم أراد أن يعود إلى- يعني إلى جماعها- فليتوضأ بينهما </A>
زاد في رواية
فإنه أنشط للعود يعني للمعاودة. فيجمع بينهن بغسل لأنه شيء واحد.
الجمع بين الزوجات في مسكن واحد لا مسكن كرها. لا يجمع بينهن في مسكن إذا كرهن ذلك؛ فإن لكل واحدة منهن مسكنا يناسبها؛ فلا يجمعهن في بيت واحد كرها. أما إذا رضيت الزوجتان أو الثلاث بالاجتماع في مكان واحد؛ فإن له ذلك ولا حرج عليه. إذا رضين لأن الحق لهن. وأما إذا كرهن فلا يجوز؛ وذلك لأن كل واحدة منهن تبغض عادة الأخرى وتنفر منها. فإذا كانتا في منزل فكل منهما سوف تسب الثانية، وسوف تشيع كلاما عنها غير لائق؛ فلأجل ذلك يسكن كل واحدة سكنا مناسبا.
القسم بين الزوجات في المبيت يقول: ومن حقها المبيت عندها ليلة من أربع. يعني المبيت يلزمه كل ليلة من أربع. إذا كان عنده أربع زوجات بات عند هذه ليلة والأخرى والأخرى فيدور عليهن في أربع. فإذا لم يكن عنده إلا ثلاث فإنه له أن يتفرغ ليلة مكان الرابعة، ويبيت عند هذه ليلة وهذه وهذه. وإذا لم يكن عنده إلا اثنتان فله أن يتفرغ ليلتين مكان المرأتين اللتين لم يتزوجهما، ويبيت عند هذه واحدة وعند هذه ليلة. فإذا لم يكن عنده إلا واحدة فليس لها إلا ليلة من أربع. له أن يتفرغ ثلاث ليال، ويبيت عندها الرابعة. ولكن حيث ليس هناك تفرغ عادة للعبادة ونحوها؛ فإنه يبيت عندها كل الليال. هذا هو الأصل والأفضل.
إنما- مثلا- لو أراد أن يعتزل للعبادة، كما كان بعض الصحابة وبعض السلف يصلون الليل كله من بعد العشاء إلى صلاة الفجر. وفي هذه الحالة لا يبقى لزوجته نصيب؛ فلا بد أنه يصلي ثلاث ليال وينام مع امرأته ليلة، وهي الليلة الرابعة. هذا إذا كانت حرة، أما إذا كانت أمة مملوكة فإنما لها نصف الحرة؛ فيكون له أن يعتزلها سبع ليال ويبيت عندها ليلة من ثمان؛ لأنها نصف الحرة. هذا بالنسبة إلى المبيت.
حق الزوجة في الجماع أما بالنسبة إلى الجماع فإن لها حق فيه، فلا بد أنه يجامعها كل أربعة أشهر على الأكثر مرة. أكثر ما يتركها أربعة أشهر، الزيادة على الأربعة قد تضرها، إلا إذا كان هناك عذر من غيبة طويلة أو نحو ذلك، أو كان هناك ضعف شهوة فإنه معذور. وإذا كان الحق له فإنها لا تمنعه متى طلبها ولو في اليوم مرارا. فإصابتها تكون في كل أربعة أشهر مرة.
ذكر أن عمر- رضي الله- عنه كان يعس في ليلة من الليالي، فمر ببيت امرأة قد غاب زوجها؛ وإذا هي تذكر زوجها وتتمنى قدومه بشعر- تنشده- ذكره ابن كثير عند قول الله تعالى في سورة البقرة:
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا </A>
ثم إن عمر سأل ابنته حفصة؛ كم تصبر المرأة عن زوجها؟. فقالت: أربعة أشهر. فأمر ألا يزيد الذين يسافرون على أربعة أشهر.
وإن كان مضطرا إلى السفر فلا يزيد عن ستة أشهر. إذا تركها أكثر من أربعة أشهر وهو موجود حاضر؛ فإن لها طلب الفسخ؛ أن تطلب من زوجها أن يصيبها وإلا رافعته إلى القاضي. وإذا رافعته فإن للقاضي الصلاحية في أن يفسخ النكاح؛ لأن عليها ضررا؛ كونها باقية عنده وهو لا يصيبها. وهكذا إذا غاب وزاد عن ستة أشهر فلها طلب قدومه، فإذا أبى من غير عذر رفعت أمرها للقاضي، ثم بعد ذلك له أن يفسخها؛ لأجل العذر.
الشقاق بين الزوجين يقول: ومتى منعته حقه أو تكرهت به. حقه- يعني الاستمتاع؛ التمكين من نفسها- متى منعته، أو بذلت نفسها مكرهة متبرمة متثاقلة؛ فإن ذلك هو النشوز. قال الله تعالى:
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا </A>
.
فأولا: يقتصر على الموعظة؛ ينصحها، ويذكرها، ويزجرها، ويخوفها. يخوفها من التبرم، ومن الوعيد الشديد في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة حتى تصبح </A>
هكذا. وهذا وعيد شديد. كذلك في رواية أخرى
إذا دعا الرجل امرأته فلم تجبه وبات ساخطا عليها إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها زوجها </A>
هكذا فيعظها بنحو هذه المواعظ، ويرشدها؛ لعلها أن تلين. فإذا امتنعت، وتبرمت، وأصرت على العصيان والامتناع؛ هجرها لقوله:
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ </A>
فيهجرها في المضجع ما شاء بأن يوليها دبره إذا نام، أو ينام عند زوجته الثانية، أو ينام في مكان آخر؛ لأن هذا حقه وقد منعته فيهجرها
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ </A>
.
ويهجرها بالكلام ولكن قدر ثلاث ليال لا يزيد على الثلاث. الهجر في الكلام محدد؛ قال النبي- صلى الله عليه وسلم-:
لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام </A>
وذكر النووي في شرحه للأربعين أن رجلا هجر أخاه أكثر من ثلاث فأرسل إليه هذه الأبيات يقول فيها:
يـا ســيدي عنـدك لـي مظلمة | | فاسـتفت فيها ابن أبي خيـثمة |
فإنــه يرويــه عــن جــده | | ما قد روى الضحاك عن عكرمة |
عـن ابـن عبـاس عن المصطفى | | نبينـــا المبعـوث بالمرحمـة |
أن صـــدود الإلـف عـن إلفـه | | فــوق ثلاث ربنــا حرمــه |
أي حرم الله صدود الإلف عن إلفه؛ يعني الإلف- يعني الأخ والزوج ونحوه- فوق ثلاث. فإذا أصرت وامتنعت من بذل نفسها، وامتنعت من طواعيته ولم تفد فيها المهاجرة ونحوها؛ أبيح له ضربها ضربا يسيرا. فإن السلف فسروا قوله:
فاضربوهن </A>
قالوا: ضربا غير مبرح؛ أي غير شديد.
أما إذا منعها حقها- منعها الحق، منع منها، إذا منعها حقها- يعني امتنع- مثلا- من وطئها وهجرها، أو كذلك- بدون مبرر- منعها نفقتها، أو كسوتها، أو حاجتها، أو أساء عشرتها؛ فإن للحاكم أن يمنعه منها.
وكذلك لوليها أن يمنعه منها ويقول: لا حق لك ما دمت تسيء صحبتها، ولا ترجع إليك حتى تحسن عشرتها. فإذا ادعى كل واحد منهما ظلم الآخر؛ هو يقول: إنها سيئة الخلق، وهي تقول: بل هو سيئ الخلق. هو يقول: إنها لا تؤتيني حقي، وهي تدعي كذلك، وتقول: إنه هو الذي يمنعني من الحق.
فماذا نفعل إذا ادعى كل واحد ظلم الآخر؟ أُسْكِنا بقرب ثقة يلزمهما الإنصاف. إما أن يسكن معهما أحد محارمها أخوها أو قريب لها، أو يكون من جانبهما في منزل قريب منهما؛ فيطلع على حالهما، ويعلم ما يحصل بينهما؛ فيلزمهما الإنصاف.
فإن زاد الشقاق واستمر ذلك، أو خيف منه؛ بعث الحاكم عدلين مسلمين يفعلان بتوكيل الزوجين الأصلح من جمع أو فرقة؛ لهذه الآية
فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا </A>
.
كل من الحكمين يرى ما هو الأصلح؟. ما هو الأصلح من ذلك؟. هكذا؛ فإذا رأيا أن الأصلح هو الجمع نصحا كل واحد وخوفاه، ودعياه إلى النصح وإلى الصفاء وإلى الإنصاف رجع أنهما يجتمعان.
فإذا رأيا الإصرار ورأيا أن هذا سوف يستمر ألا تحسن الصحبة بينهما حكما بالفرقة، أنه لا يصلح إلا أن كلا منهما يفارق الآخر. فإن امتنعا؛ يعني قالا: لا نرضى بحكم الحكمين فلا يجبران. لا يجبران على الفرقة ولا يجبران على الصلح هذه رواية. ورواية ثانية أن الحاكم يجبرهما على ما يراه الحكمان. وإذا لم يجبرا؛ يمنع الحاكم ظلم كل منهما للآخر، يمنعه من الظلم، ويمنعها كذلك من الظلم إلى أن تتغير الحال.
باب القسم بين الزوجات القسم بين الزوجات في المبيت والوطء باب القسم. القسم يحتاج إليه من عنده الزوجتان أو ثلاث أو أربع، ويراد به القسم بين الزوجات بأن يجعل لكل منهما ليلة. فإن كان عنده زوجتان؛ فله أن ينفرد ليلتين ويبيت عندهما ليلتين، وإن كان عنده ثلاث انفرد ليلة وبات عندهما ثلاث ليال، وإن كان عنده أربع؛ فلا ينفرد، بل يعطي كل واحدة ليلة. لا بد أنه يبيت عند كل واحدة منهما ليلة؛ حتى يدور على الأربع في أربع ليال.
وهذا في المبيت فقط؛ يعني أنه إذا قسم فإنه يبيت- يبيت - عندها مجرد مبيت؛ يعني النوم، ولا يلزمه الوطء، وإنما عليه العدل في مبيته. وأما الوطء فإنه خاضع للشهوة؛ فقد لا يحضره شهوة، ولا يكون له همة في الجماع والوطء؛ فيكتفي بالمبيت. قالت عائشة- رضي الله عنها- كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول:
اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلومني فيما تملك ولا أملك </A>
؛ يعني القلب.
فإن القلب إنما يملكه الرب تعالى؛ يعني المودة. فهو الذي في قلبه مودة لهذه أكثر من هذه، ولا يقدر على أن يسوي بينهن في هذه المودة وهذه المحبة. وكذلك أيضا ميل القلب لا يقدر على التسوية فيه. إنما الذي يقدر عليه التسوية في المبيت. يقسم زمانه أربعة أقسام لكل واحدة ليلة، وكذا إن كن ثلاثا أو أربعا أو ثنتين؛ فلا بد من العدل.
ولا يجوز له أن يميل إلى إحداهن؛ فإن ذلك ظلم للأخرى. قال النبي - صلى الله عليه وسلم-:
من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط </A>
يعني يظهر ذلك فيه في الآخرة كأن يجيء وأحد شقيه ساقط؛ يعني خادر أو مشلول؛ عقوبة ظاهرة له على هذا الجور.
القسم عماده الليل؛ لأن النهار وقت التقلب في الحاجة- وأصله بعد العشاء؛ من بعد العشاء إلى الصباح..إلى طلوع الفجر. هذا هو المبيت عماده الليل. وكانوا يكرهون أن يتحدثوا بعد العشاء؛ بل بعد صلاة العشاء ينامون. ولا ينامون عادة في النهار.
بعد ما يصلون الفجر يتقلبون في أمور معاشهم، أو في تعلم وتعليم ونحو ذلك؛ فيكون النهار لطلب المعيشة ولطلب العلم، ويكون الليل للمؤانسة مع الزوجة ومع الأهل والأولاد ونحوهم؛ هذا هو الأصل.
اعتاد الناس في هذه الأزمنة السهر كثيرا. تشتكي كثير من النساء أن زوجها يسهر إلى آخر الليل، قد يكون سهره على معصية، أو على ما لا فائدة فيه. وإذا جاء آخر الليل في الساعة الواحدة أو ما بعدها؛ وإذا هو مكدود متعب مرهق- سقط على فراشه، ولم يتحدث معها ولم يباشرها؛ فتتألم من هذا في الفعل. الواجب أنه يعطي زوجته حقها مما يجب عليه لها، وأن يتجنب هذا السهر الطويل الذي يرهق به بدنه.
كذلك له- أيضا كما العادة في هذه الأزمنة- أن ينام معها بعد الفجر بحيث ما يتسع له الوقت؛ هكذا. كذلك- أيضا- ذكروا أن الذين عملهم في الليل يقسمون في النهار. هناك الحراس الذين يحرسون بعض الأمتعة ونحوها؛ هؤلاء دائما عملهم في النهار، فإذا جاء الليل ذهبوا يحرسون. عملهم مع زوجاتهم، وقسمهم مع زوجاتهم، وحق الزوجات يكون في النهار، أما الليل فإنه لأجل الوظيفة التي يتقاضى عليها مرتبا أو نحو ذلك.
وإذا كان عنده زوجتان حرة وأمة. إذا تزوج حرة، ثم بعد ذلك ما أعفته وتزوج بعدها أمة مملوكة لغيره؛ فإنه يعطي الحرة ليلتين، والأمة ليلة؛ لأن الأمة على النصف من الحرة.
وللجديدة فضل في الزفاف، للبكر سبعا وللثيب ثلاثا. -يقولون أو- يقول النبي- صلى الله عليه وسلم-:
إذا تزوج الحرة بات عندها سبعا. إذا كانت بكرا بات عندها سبعا ثم قسم، وإن كانت ثيبا بات عندها ثلاثا ثم قسم </A>
وأما إذا كانت أمة فإنه يبيت عندها أربعا، إذا كانت بكرا وليلتين إذا كانت ثيبا. إذا تزوجها كزوجة، وأما المملوكة فإنه إذا ملكها فلا قسم لها. وإن أحبت الثيب أن يبيت عندها سبعا فإن له بعد ذلك أن يقضي لزوجاته.
لما تزوج النبي- صلى الله عليه وسلم- أم سلمة وكانت ثيبا- أعني قد مات عنها زوجها- بات عندها ثلاث ليال متوالية، ثم قال لها:
إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي </A>
؛ فرضيت بالثلاث ليال. فعرف بذلك أن هناك فرقا.
ما إذا تزوج بكرا فإن النفس تميل إليها أكثر، ثم هي أيضا ما عاشرت الرجال؛ فتحتاج إلى تأنيس زائد؛ فيمكث عندها سبع ليال متوالية.يبيت عندها سواء يستمتع بها ويطؤها في ليل أو نهار أو مجرد مؤانسة. والعادة أنه لا بد أن يباشرها إما كل ليلة أو نحوه.
أما الثيب فالعادة أنها قد ألفت الرجال، وقد عرفت كيفية التعامل معهم، والنفس ليس ترغبها كثيرا كما ترغب البكر؛ فيكتفي بثلاث. يمكث عندها ثلاثا، ثم يقسم. فإن استويا فالقرعة.
ومعنى ذلك أنه إذا قدم من سفر بأيهما يبدأ؟. يقرع بينهما. إذا قدم من سفر؛ وكانت كل واحدة تقول: إن هذه ليلتي، أنا أحق؛ يقرع بينهما. تقول: عائشة كان النبي- صلى الله عليه وسلم- إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها. إذا أراد سفرا أقرع بينهن. إذا قدم من سفر ولم ترض كل واحدة أن تتنازل أقرع بينهن. القرعة طريق شرعي؛ لاستخراج المجهولات.
يقول: فلو بدأ أو سافرت معه بلا قرعة أثم ويقضي. معنى ذلك بدأ بواحدة بدون قرعة، فلا بد أنه يقضي للأخرى مع الإثم.كذلك- أيضا- لو سافر بواحدة ولم يقرع بينهما؛ فإن الباقية لا بد أنها تغضب ويسوءها كونه فضل ضرتها. إذا قدم قضي للتي بقيت؛ قضى لها. إذا كان السفر خمسة أيام يقضي للباقية خمسة أيام مقابل الخمسة التي قضاها مع التي سافر بها، إلا إذا سمحت.فالحاصل أنه لا بد من العدل.
هبة الزوجة يومها ولها أن تهب حقها لبعض ضراتها بإذنه. كانت أول زوجات النبي- صلى الله عليه وسلم- سودة بنت زمعة. وكانت كبيرة؛ قد أسنت، تزوجها بمكة بعد موت خديجة، ثم هاجرت معه. ولما أسنت خافت أن يطلقها؛ فقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زوجاتك، وأكون منهن في الآخرة، ويومي قد سمحت له وليلتي قد وهبتها لعائشة. فوهبت ليلتها لعائشة فكان صلى- الله عليه وسلم- يقسم لعائشة ليلتين: ليلتها وليلة سودة.
قال الله تعالى:
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ </A>
إذا خافت من زوجها أنه يفارقها، وهي تحب أن تبقى في عصمته ومع أولادها أسقطت يومها؛ فإما أن تقول: يومي لفلانة، وإما أن تقول: تنازلت عن يومي لك، أعطه من تشاء. فقد يخص به واحدة من زوجاته، وقد لا يخص ولكن يجعله بينهما.
فإذا كان له ثلاث زوجات إحداهما سمحت وقالت: سمحت لك بيومي؛ جاز أن يعطي يومها الصغرى؛ فيبيت عند هذه ليلتين وعند هذه ليلة. ويجوز أن يأخذه هو ويجعله بينهما؛ فبدل ما يقسم في ثلاثة يقسم في اثنتين ليلة وليلة. هذا معنى قوله: وله فيجعله لمن شاء. يعني له تقول: وهبته لك وأنت تجعله حيث شئت، وتعطيه من شئت.
آداب الجماع ويسمي عند الوطء، ويقول ما ورد. جاء في ذلك ما ورد في تفسير قول الله تعالى- لما ذكر قوله عز وجل-:
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ </A>
ما المراد بـ
وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ </A>
فسره ابن عباس التسمية عند الوقاع، يعني أن يقول:" بسم الله. اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا". وتقول ذلك أيضا الزوجة. عندما يحصل المواقعة والمجامعة يقدم هذه التسمية؛ أي: بسم الله نتبرك، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا.
يقول- صلى الله عليه وسلم-:
فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره الشيطان </A>
يعني إذا قدر الله من ذلك الوطء- قدر الله ولدا - حملا لا يضره الشيطان؛ بإذن الله وببركة هذا الدعاء؛" اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا". فهكذا يدعو بما ورد.
وقد يقال: إن هناك من يسمي، ويأتي بهذه التسمية؛ ومع ذلك لا يكون الولد صالحا؟! نقول: لعل السبب.. عدم الإخلاص، أو لعل السبب.. وقوع الإهمال أو غير ذلك من الأسباب.
باب الخلع تعريف الخلع وحكمه ومشروعيته باب الخلع
الخلع في الأصل -أي- في اللغة: فسخ الشيء والتخلي منه. يُقال: خلع نعليه -يعني- ألقاهما. يقول في الحديث:
فليخلعهما جميعا، أو ليلبسهما جميعا </A>
.
وخلع الثوب: إزالته من البدن.
والمراد بالخلع هنا: أن المرأة تنخلع من زوجها، وتفتدي نفسها. وقد ذكر في القرآن في قوله تعالى:
وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ </A>
هكذا، لا جناح عليهما إذا خلعت نفسها، وخلصت نفسها، واشترت نفسها بشيء من مالها، أو نحو ذلك.
ووقعت في ذلك قصة امرأة ثابت بن قيس، ثابت بن قيس بن شماس -رضي الله عنه- خطيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ذكرت امرأته أنها تكرهه، وأنها لا تقدر أن تتحمل الصبر معه،
فقالت: يا رسول الله.. إني لا أعيبه في خلق ولا دين؛ ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فقال: اقبل الحديقة وطَلِّقْهَا تطليقة </A>
وكان هذا هو الخلع الذي نقل مما حصل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-.
إذا خافت المرأة ألا تقيم حدود الله فلها فداء نفسها بما يريانه. أخذوا ذلك من الآية الكريمة:
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ </A>
يعني: فرائضه التي فرضها؛ لأنه فرض على الزوجين العشرة بالمعروف، وفرض عليها الطواعية وعدم التبرم وعدم التكبر، فإذا كرهت زوجها، أو كرهت صحبته، أو خافت أنها إذا بقيت معه تقصر في حقه ولا تعطيه حقه فتأثم، فلها -والحال هذه- أن تفدي نفسها، فتقول: فارِقْنِي وأعطيك مهرك الذي طلبته أو دفعته أو الذي تطلبه. فإذا قال: أطلب كذا.. وكذا. قالت: أعطيك الذي طلبته. فإذا أعطته فإن هذا يسمى خلعا، فيفرق بينهما؛ بما يريانه بقليل أو كثير.
أحكام الخلع اختلف.. هذا الخلع يحسب من الطلقات؟ يرى ابن عباس أنه لا يحسب طلقة؛ وإنما هو بينونة أو فسخ؛ وذلك لأن الله ذكر الطلقتين:
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ </A>
وذكر بعدهما الخلع:
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ </A>
وذكر الطلقة الثالثة:
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ </A>
فلو عددنا الخلع طلقة؛ لكان الطلاق أربعة، والأصل: أن الطلاق ثلاث: مرتان بينهما رجعة، أو بعدهما، والثالثة لا رجعة.
فالخلع لا يحسب من الطلقات. ومعنى ذلك: أنه لو خالعها وأخذ منها العوض، ثم تراضيا بعد سنة وتزوجها، ثم خالعها مرة أخرى، وأخذ منها عِوَضًا، ثم تصالحا بعد سنة، ثم راجعها بعقد جديد، ثم خالعها مرة ثالثة وأخذ منها عوضا؛ فإنها لا تحرم عليه؛ ولو خلعها ثلاث مرات. فالخلع لا يكون طلاقا.
فيقول: وتَبِين به، فلا يلحقها بعده طلاق؛ وذلك لأنها بائن، مجرد بينونة؛ ولكنها بينونة صغرى، فلا يلحقها طلاق -يعني- خلاف الْمُعْتَدَّة؛ فإنه يلحقها طلاق، لو طلقها واحدة، وبقيت في العدة. ثم قال: هي طالق، . الطلقة الثانية؛ لأنها زوجة، وأما إذا فارقها بالخلع، وبعد ما فارقها قال: هي طالق. فلا تطلق، ولا يلحقها؛ وذلك لأنه لا يقدر على استرجاعها؛ لأنها أصبحت غير زوجة، ملكت نفسها، لا يملك استرجاعها؛ لأنها ما بذلت مالها إلا للتخلص منه.
العوض في الخلع عوض الخلع. الْأَوْلى أن يقول: يصح بمجهول، يصح أن يقال لأخذ منه، أن يقول -مثلاً-: لك ما تلد، تقول هي: لك ما تلد هذه الشاة، أو ما تلد هذه الناقة، لا . ذكرا أم أنثى، واحدا أم عددا، فإذا قال: رضيت به. صح الخلع؛ ولو كان مجهولا. أو قالتْ: لك ما في بيتي من هذا المتاع، لك ما في صندوقي من الدراهم. فوافق على ذلك، وهو لا يدري كم عددها، مائة أو ألف أو عشرة آلاف أو -مثلا- خمسون درهما، يصح الخلع بهذا المبلغ المجهول، وتَبين منه، إذا قبل ذلك ولو كان مجهولا.
وكل ما يصح صداقا يصح عوض خلع. يصح الصداق -كما تقدم- بخاتم حديد، فإذا قالت: أعطيك خاتم حديد وتفارقني. صح ذلك، أو خاتم ذهب وتفارقني، أو قلادة ذهب وتفارقني، أو أعطيك هذا القدح، أو هذا الْفِراش، أو كل شيء يصلح صداقا، أو هذا الحذاء يصلح صداقا، فكل ما يصلح صداقا يصلح عوض خلع. يقول: كل ما يصح صداقا يصح عوض خلع.
شروط الزوج في الخلع الخلع لا بد أن يكون من زوج يصح طلاقه، فأما الذي لا يصح طلاقه فإن وليه هو الذي يدفع عوض الخلع، إذا كان لها ولي، كأن كان الزوج صبيا أو كان مجنونا فإن وليه هو الذي يبذل، إذا قالت: لا أريده، أريد التخلص منه، فيقول الولي: ادفعي لنا مائة أو ألفا، ونخلي سبيلك، فأما -يعني- يقول: من زوج يصح طلاقه ممن يصح تصرفه؛ ولو أجنبي. يعني: عوض الخلع يكون ممن يصح تصرفه؛ ولو أجنبي، لو تدخل أجنبي وقال لها: أنا أدفع عنك. فقبل ذلك الزوج، أو قال لزوجها: أنا قريب لها، أدفع لك ألفا، ترضى به وتخلي سبيلها؟ جاز ذلك؛ ولو كان ذلك الذي تدخل أجنبيا -يعني: ليس زوجا، ليس والدا ولا وليا، يصح فيتصرف هو ولو أجنبي.
عوض الخلع أكثر من المهر ولا يسمي بأكثر مما أعطاها. هكذا استحبوا، أنه لا يزيد على أكثر مما دفع لها، فإذا كان دفع لها عشرة آلاف صداقًا، فلا يقول: لا أخالعها إلا بخمسة عشر؛ لأن هذا ضرر عليها، هكذا قالوا. النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لامرأة ثابت:
أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. </A>
وفي رواية:
قالت: نعم، وزيادة. فقال: أما الزيادة فلا. </A>
دفع لها حديقة يعني: بستانا صغيرا، فدفعته وردته عليه، فكان هذا هو خلعها. فإذا دفع إليها شيئا معينا باقيا فإنها تدفعه له، لو دفع إليها جملا أو فرسا وكان موجودًا قالت: خذ فرسك، وأعفني، أو خذ جملك فإنني لا أريد البقاء معك، وهذا الذي أعطيتني، إذا كان قد دفع لها -مثلا- ذهبا، قلائد أو خواتيم، أو حليا- وهو ما يلبس في اليد- الأساور، وكان موجودا، قالت: هذا حليك فخذه وخلِّ سبيلي، فلو قال: أريد أكثر. فهل يجوز؟ أجازه بعض العلماء. رُوِي في تفسير قول الله تعالى:
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ </A>
يعني: أن لها أن تفتدي نفسها ولو بشيء كثير، فإن ظاهر الآية أنه يجوز أن يأخذ منها كثيرا؛ حتى قال بعض الصحابة، أو بعض السلف: خذ ما دون عقاصها..عقاصها يعني: ضفائر شعرها. يعني: خذ منها حتى ولو خمارها الذي عليها؛ ولكن يكره ذلك، ويقنع بما أعطاها.
إذا قالت: اخلعني على ما في يدي من الدراهم. هاهنا قال علي، الصحيح: على ما في يدي من الدراهم، في هذه الحال، وكان في يدها دراهم فإنه رمي بها قبل أن تعلم ما في يدها؛ سواء عشرا أو عشرين، فإذا لم يكن في يدها شيء فأقل شيء ما يطلق عليه الجمع -أي- ثلاثة، لا بد لها من ثلاثة، لا بد أن تدفع له ثلاثة على الأقل؛ لأنها قالت: من الدراهم. والدرهم أقله، الدرهم: هو الشيء الذي لا يسمى، إذا قالت -مثلا-: اقنع بالثياب، الثياب مثلا كم عددها؟ فعلى الأقل ثوب، أو الْخُمُر على الأقل خمار، أو الكؤوس على الأقل كأس؛ لأنه يصدق عليه أنه عوض، وأنه مما يؤخذ عليه العوض. انتهى هذا الباب، انتهينا في هذه الدورة، ووقفنا على كتاب الطلاق؛ لعله -إن شاء الله- نكمله، أو نواصل فيه في الدورات الآتية -إن شاء الله- . ، والله أعلم.