نعم تزوجت ارمله!!
نعم.. تزوجت أرملة!
زميل لنا دمث الطبع والخلق دؤوب في عمله، نعرفه منذ سنوات الدارسة، لم يتغير خلقه ودينه عبر مسيرته، ولا صرفته الدنيا عن منهجه وسعيه، وفي حديث عابر عن الأطفال ذكر أن له ابناً في مرحلة دراسية لا تناسب سن زميلنا، وحين ثارت علامات التعجب أخبرنا أنه ابن زوجته الذي رباه فصار له أباً ومربياً وأخاً أكبر في آن واحد، وسألناه لماذا كان اختياره أن يتزوج أرملة وهو الشاب المقدم على تكوين أسرة جديدة وأمامه زميلاته وقريباته اللاتي لم يسبق لهن الزواج، لماذا تزوج أرملة ولديها صبي؟
وكانت إجابته:
الزواج من أرملة: بين يدي التجربة
بقلم محمود ع.غ./صحفي وباحث
كنت مثل أي شاب متدين يسعى لارتباط بفتاة متدينة تحمل معه أمر دينه ودنياه ودعوته وتكون عونا له، ولإدراكي بمدى تأثير الشراكة بين الزوجين على مسيرة كل طرف فقد زاد حرصي على الدقة الشديدة في الانتقاء، ورغم أنني لم أتنازل عن مبررات الاختيار السالفة بل عانيت كثيراً للحفاظ عليها – وحتى الآن – غير أنني وجدت نفسي كمن تدفعه الأقدار في طريق لم يكن يحسب أنه سيسلكه.
مبررات الاختيار
لم تكن "أم محمود" (ومحمود اليتيم ابنها) بعيدة عن التدين، بل كانت تعيشه وتدرسه حيث تعمل مدرسة للعلوم الشرعية بأحد المعاهد الأزهرية.
جمع بيننا في مراحل الطفولة والصبا ود واحترام صار إلى تشاور في حياء في مرحلة الشباب خاصة بعد زواجها الأول الذي لم يدم أكثر من عام ونصف العام إثر وفاة زوجها وهو في ريعان شبابه، كما تجمعنا قرابة غير بعيدة وكثيراً ما كنا نذهب عندهم في قريتهم القريبة للاطمئنان على أحوالهم.
رغم هذه العلاقة قبل الزواج غير أنها فوجئت بطلبي لها؛ حيث رفضت عددا غير قليل من الذين طلبوها، كما أن علاقة الود والقرابة – من وجهة نظرها – أدعى إلى تشديد الرفض فهي ترى أن الأفضل لي الارتباط ببكر، ثم كان السؤال المنطقي – في رأيها – لماذا أقدمت رغم أنها ثيب بل تكبرني بأربع سنوات؟ ولقد قالتها بالفعل: إنني لا أرضى ذلك لأخي فكيف أرضاه لك؟ والسؤال المنطقي الثاني – في رأيها وفي دنيا الناس العجيبة – وما رأي أمك وأبيك وعمك وأخيك.. إلخ؟
وحين أعانني الله على مواجهة تساؤلاتها بإجابات شافية من القرآن والسنة وسيرة الصحابة ثم بما صلح من أعراف الناس لمعت الفرحة في عينيها، ولا أنسى هذا المشهد ما حييت، وأول ما قلت لها – في هذه المناظرة التي نادراً ما تحدث بين متعاهدين على الخطوبة – إنني قبل أي شيء أريدك أن تصاحبيني للعمل في طريق الله وأي شيء بعد ذلك هين، فقالت: ومن يرفض ذلك؟
ثماني سنوات على زواجي أدركت خلالها أن الحياة الزوجية في مجملها جزء من سنة التدافع البشري تشهد مراحل من الصعود والارتقاء، ومراحل أخرى من الهبوط والانحدار، واكتشفت أن الزوج بحكم القوامة هو بمثابة الربان الذي يمسك ذمة السفينة، فعلى قدر مهارته ويقظته وخبرته سوف تسير السفينة إلى بر الأمان برغم ما قد يعترضها من الرياح، وخبرته سوف تُسَيِّر السفينة إلى بر الأمان برغم ما قد يعترضها من الرياح وعوارض الطقس..
ومفهوم القوامة لا يعني التسلط والمصادرة بل هو تكليف بأداء مهمة عبر مجموعة ضوابط لا يصح التخلي عنها وإلا فشلت المهمة، ورسولنا العظيم كان يشاور نساءه ويكون في مهنتهن ويلاعبهن ويسامرهن، ولم يكن لذلك أي انتقاص من مهمة القوامة التي تعني تحمل المسئولية بعد اتخاذ قرار صدر في أجواء صحية (على خلاص ما يحدث في أنظمة الحكم بالعالم الثالث عموماً والعالم العربي والإسلامي خصوصاً!)
حصاد المسيرة
حين قررت الارتباط لم يكن في ذهني مطلقاً معنى "الشفقة" الذي تردد بعد ذلك على مسامعي بل أرد الأمر إلى قدر الله الغالب أولاً ثم شعور بالمسئولية تجاه امرأة كانت فتاة منذ فترة وجيزة وليس لها يد فيما حدث لها. ذلك تعامل في ذهني فتقدمت، وكان لي – بفضل الله – مكانة كبيرة لدي أسرتها ولعل مسألة تربية اليتيم كانت تتعامل في الذهن أيضاً لما لها من مكانة عند أي مسلم يسعى لنيل الخير.
لا أدعى أن التجربة سهلة؛ لأن من يقدم عليها يتحمل عبئاً فضلاً عن المسئولية، يحتاج الأمر إلى صفات عدة هي ليست بعيدة عن مواصفات أي رجل يؤمن بالله ورسوله ولا أجد أبلغ من الوصف القرآني "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله" فإذا كانت المعادلة تصبح مستحيلة لدى عباد الدنيا في الجمع بين المادة والعبودية، فهي ليست كذلك عند من يدعون أنهم عباد الله ، ندرك معاني الرجولة الحقيقية التي لا ترتبط بمال أو جاه أو سلطان بل ترتبط بأمانة نتحملها، ننال بها رضا الله ونحقق من خلالها سياسة الدنيا بما أمر سبحانه.. ومن هنا فكل عمل في هذه الدنيا يحتاج إلى جدية وإحساس بالمسئولية وفهم للأمانة حتى لا يقع في بئر سحيقة بين حقيقة العبودية وشهوات المادة.
وأعانني الله على تحقيق مسألتي الحب والاحترام مع محمود (ابن زوجتي) فأنا أربيه ولم يتجاوز بعد الأعوام الأربعة، ورغم علمه بأنني لست والده، غير أني ربيته على أن يخاطبني بلفظ الأب (بابا) وهي أبوة التربية والمسئولية، وحتى لا يشعر حين يشب بفجوة خاصة في ظل وجود إخوة له، والحقيقة فهو يمثل لي صفقة رابحة جداً لا تقارن بما قد يراه أو يراه البعض مني، فأنا أحقق به عدة صفقات رابحة فكفالته – مع حسن القصد وسلامة العمل – تجعلني رفيق الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وإذا كنت سبباً في هدايته لطريق الخير والرشاد فهذا ثواب خير من متاع الدنيا. هذه تجربتي بدون "رتوش" أسطرها بيدي لأول مرة عسى أن ينتفع بها آخرون، وهي تعبير عن لحظات عشتها انتابتني فيها كل العوارض التي يتعرض لها الإنسان. فلست "مدعي بطولة"، ولكني باحث عن ريادة – كما يدعوني ديني – وداع إلى فهم لحقيقة ومقاصد الدين، فإذا نجح المسلم الملتزم الصادق في ذلك فقد بدأ الطريق نحو النموذج الإسلامي الحضاري المنشود القائم على الأخلاق والبر والإحسان قبل السلطة والسياسة. نسأل الله أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.