حكم تكرار الحج للرجال والنساء
س: ما رأيكم في تكرار الحج مع ما يحصل فيه من الزحام واختلاط الرجال بالنساء فهل الأفضل للمرأة ترك الحج إذا كانت قد قضت فرضها ، وربما تكون قد حجت مرتين أو أكثر؟
ج: لاشك أن تكرار الحج فيه فضل عظيم للرجال والنساء ، ولكن بالنظر إلى الزحام الكثير في هذه السنين الأخيرة بسبب تيسير المواصلات ، واتساع الدنيا على الناس ، وتوفر الأمن ، واختلاط الرجال بالنساء في الطواف وأماكن العبادة ، وعدم تحرز الكثير منهن عن أسباب الفتنة ، نرى أن عدم تكرارهن الحج أفضل لهن وأسلم لدينهن وأبعد عن المضرة على المجتمع الذي قد يفتن ببعضهن ، وهكذا الرجال إذا أمكن ترك الاستكثار من الحج لقصد التوسعة على الحجاج وتخفيف الزحام عنهم ، فنرجو أن يكون أجره في الترك أعظم من أجره في الحج إذا كان تركه له بسبب هذا القصد الطيب ، ولاسيما إذا كان حجه يترتب عليه حج أتباع له قد يحصل بحجهم ضرر كثير على بعض الحجاج؛ لجهلهم أو عدم رفقهم وقت الطواف والرمي وغيرهما من العبادات التي يكون فيها ازدحام ، والشريعة الإسلامية الكاملة مبنية على أصلين عظيمين:
أحدهما: العناية بتحصيل المصالح الإسلامية وتكميلها ورعايتها حسب الإمكان.
والثاني: العناية بدرء المفاسد كلها أو تقليلها ، وأعمال المصلحين والدعاة إلى الحق وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام تدور بين هذين الأصلين وعلى حسب علم العبد بشريعة الله سبحانه وأسرارها ومقاصدها وتحريه لما يرضي الله ويقرب لديه ، واجتهاده في ذلك يكون توفيق الله له سبحانه وتسديده إياه في أقواله وأعماله. واسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لكل ما فيه رضاه وصلاح أمر الدين والدنيا إنه سميع قريب.
العمرة مشروعة في كل وقت
س: ما هو الأفضل أن يكون بين العمرة والعمرة للرجال والنساء؟([6])
ج: لا نعلم في ذلك حداً محدوداً بل تشرع في كل وقت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " متفق على صحته ، فكلما تيسر للرجل والمرأة أداء العمرة فذلك خير وعمل صالح ، وثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: "العمرة في كل شهر". وهذا كله في حق من يقدم إلى مكة من خارجها ، أما من كان في مكة فالأفضل له الاشتغال بالطواف والصلاة وسائر القربات ، وعدم الخروج إلى خارج الحرم لأداء العمرة إذا كان قد أدى عمرة الإسلام ، وقد يقال باستحباب خروجه إلى خارج الحرم لأداء العمرة في الأوقات الفاضلة كرمضان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة " ولكن يجب أن يراعى في حق النساء عنايتهن بالحجاب والبعد عن أسباب الفتنة وطوافهن من وراء الناس وعدم مزاحمة الرجال على الحجر الأسود ، فإن كن لا يتقيدن بهذه الأمور الشرعية فينبغي عدم ذهابهن إلى العمرة؛ لأنه يترتب على اعتمارهن مفاسد تضرهن ، وتضر المجتمع ، وتربو على مصلحة أدائهن العمرة ، إذا كن قد أدين عمرة الإسلام ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
مدى صحة قول العوام: "من حج فرضه يقضب أرضه " أو "اترك المجال لغيرك"
س: بعض الشباب تتوق أنفسهم للحج خاصة في مجال الدعوة والتوجيه لإرشاد الحجاج لكن يخذلهم بعض الناس وبعض العوام يقولون: "من حج فرضه يقضب أرضه" أو "اترك المجال لغيرك" فما رأي سماحتكم؟([7])
ج: الأفضل لمن استطاع الحج أن يحج؛ لعموم الأحاديث الدالة على فضل الحج وأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ، فإذا كان الحاج من العلماء الذين يدعون إلى الله سبحانه ويفقهون الناس في دينهم وفي مناسك حجهم كان ذلك أفضل وأعظم أجراً.
حكم من نوى الحج كل عام ولم يستطع
س: السائل م. ج. – من الرياض يقول في سؤاله: أنوي الحج كل عام ولكن لم أستطع؛ بسبب ظروفي المادية وضيق اليد فهل علي شيء؟
ج: الحج إنما يجب مرة في العمر على من استطاع السبيل إليه من المكلفين من الرجال والنساء؛ لقول الله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين "([8]) ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً" أخرجه مسلم في صحيحه ، وقال عليه الصلاة والسلام: "الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" . والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وبذلك تعلم أيها السائل أنه ليس عليك حج سوى مرة واحدة ولو كنت غنياً ، وما بعدها فهو تطوع ، وهكذا العمرة لا تجب على المكلف إلا مرة واحدة إذا استطاع ذلك، وما زاد على ذلك فهو تطوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ،وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر" أخرجه الدارقطني وصححه ابن خزيمة ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: "على النساء جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة" ، وفق الله المسلمين جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح.
س: أرجو من سماحتكم توضيح الآية: "أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود"([9]) هل الأحسن للمقيم بمكة الطواف بالبيت أم الصلاة أثابكم الله؟ ج: الله تعالى أمر أن يطهر بيته للطائفين والعاكفين وهم القائمون المقيمون في هذا البلد ، وتطهيره يكون بإبعاد ما لا خير فيه للطائفين والمقيمين وجميع ما يؤذيهم من أعمال أو أقوال أو نجاسة أو قذر وغير ذلك ، يجب تطهير بيته للطائفين والراكعين والقائمين والركع السجود ، فيكون ما حول البيت كله مطهراً ليس فيه أذى للعاكف ولا الطائف ولا المصلي ، يجب أن ينزه عن كل ما يؤذي المصلين ويشق عليهم أو يحول بينهم وبين عبادة ربهم جل وعلا ، أما تفضيل الصلاة على الطواف أو الطواف على الصلاة فهذا محل نظر ، فقد ذكر جمع من أهل العلم أن الغريب الأفضل له أن يكثر من الطواف؛ لأنه ليس بمقيم ولا يحصل له الطواف إلا بمكة أما المقيم بمكة فهو نازل مقيم ، وهذا الصلاة أفضل له؛ لأن جنس الصلاة أفضل من جنس الطواف ، فإذا أكثر من الصلاة كان أفضل ، أما الغريب الذي ليس بمقيم فهذا يستحب له الإكثار من الطواف؛ لأنه ليس بمقيم بل سوف ينزح ويخرج ويبتعد عن مكة ، فاغتنامه الطواف أولى؛ لأن الصلاة يمكنه الإتيان بها في كل مكان يعني كل هذا في النافلة ، أعني: طواف النافلة وصلاة النافلة.
الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما
س: إذا دخل شهر رمضان المبارك ، ذهب كثير من الناس إلى مكة المكرمة بعوائلهم وسكنوا هناك طوال الشهر الكريم ، وقد سمعت من أحد الأخوة أنكم يا سماحة الشيخ ، ترون أن التصدق بتكاليف العمرة أفضل من أدائها ، فهل هذا صحيح؟ وإذا كان صحيحاً ، فهل من نصيحة لهؤلاء الذين يذهبون سنوياً إلى هناك حتى أنها أصبحت مجالاً للمفاخرة والمباهاة عند البعض؟([10])
ج: ليس ما ذكرته صحيحاً ، ولم يصدر ذلك مني ، والصواب أن الحج والعمرة أفضل من الصدقة بنفقتهما لمن أخلص لله القصد ، وأتى بهذا النسك على الوجه المشروع ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" متفق على صحته ، وقال صلى الله عليه وسلم:
"عمرة في رمضان تعدل حجة " ، متفق على صحته أيضاً. والله ولي التوفيق.
الأفضل لمن حج الفريضة أن يتبرع بنفقة حج التطوع في سبيل الله
س: بالنسبة لمن أدى فريضة الحج وتيسر له أن يحج مرة أخرى هل يجوز له بدلاً من الحج للمرة الثانية تلك أن يتبرع بقيمة نفقات الحج للمجاهدين المسلمين ، حيث أن الحج للمرة الثانية تطوع ، والتبرع للجهاد فرض؟ أفيدونا جزاكم الله عن المسلمين خير الجزاء ؟
ج: من حج الفريضة فالأفضل له أن يتبرع بنفقة الحج الثاني للمجاهدين في سبيل الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أي العمل أفضل؟ قال "إيمان بالله ورسوله" قال السائل: ثم أي؟ ، قال: "حج مبرور"([11]) متفق على صحته.
فجعل الحج بعد الجهاد ، والمراد به حج النافلة؛ لأن الحج المفروض ركن من أركان الإسلام مع الاستطاعة ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا" . ولا شك أن المجاهدين في سبيل الله في أشد الحاجة إلى المساعدة المادية ، والنفقة فيهم أفضل من النفقة في التطوع للحديثين المذكورين وغيرهما.
س: حدث بيني وبين مجموعة من الزملاء جدال حيث إننا قد نوينا أن نعتمر في نهاية شهر رمضان مع العلم أنني وزميل آخر قد سبق وأن اعتمرنا عدة مرات وفي النهاية قرر هذا الزميل أن لا يعتمر وأن يتقدم بتكاليف هذه العمرة صدقة أو جهاداً في سبيل الله وقال إن هذا أفضل بكثير من كونه يعتمر بهذا المال.
نرجو من سماحة الشيخ إفادتنا ، هل من الأفضل أن يعتمر الشخص وإن سبق له واعتمر عدة مرات أم أن يقدم تكاليف هذه العمرة للمجاهدين في سبيل الله؟
ج: الأفضل لمن أدى فريضة الحج والعمرة أن ينفق ما يقابل حج التطوع وعمرة التطوع في مساعدة المجاهدين في سبيل الله؛ لأن الجهاد الشرعي أفضل من حج التطوع وعمرة التطوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله " ، قيل: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" ، قيل ثم أي؟ قال: "حج مبرور"([12]). متفق على صحته ، والله ولي التوفيق.
تصرف نفقة حج التطوع في عمارة المسجد إذا كانت الحاجة إليه ماسة
س: ما قولكم عن بر الولد والديه بحجة ، وعنده مسجد يحتاج إلى بناء ، هل الأفضل أن يتبرع لبناء المسجد أو الحج عن والديه؟
ج: إذا كانت الحاجة ماسة إلى تعمير المسجد فتصرف نفقة الحج تطوعاً في عمارة المسجد؛ لعظم النفع واستمراره وإعانة المسلمين على إقامة الصلاة جماعة.
أما إذا كانت الحاجة غير ماسة إلى صرف النفقة –أعني نفقة حج التطوع- في عمارة المسجد لوجود من يعمره غير صاحب الحج ، فحجه تطوعاً عن والديه بنفسه وبغيره من الثقات أفضل إن شاء الله ، لكن لا يجمعان في حجة واحدة بل يحج لكل واحد وحده.
من مات على الإسلام فله ما أسلف من خير
س: شخص أدى فريضة الحج وبعدها ترك الصلاة والعياذ بالله ، ثم تاب وصلى ، فهل يلزمه الحج مرة أخرى باعتبار أنه ترك الصلاة وتارك الصلاة كافر. نرجو الإفادة أثابكم الله؟
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكره السائل ، فإن حجه لا يبطل ولا يلزمه حجة أخرى؛ لأن الأعمال الصالحة إنما تبطل إذا مات صاحبها على الكفر.
أما إذا هداه الله وأسلم ومات على الإسلام فإن له ما أسلف من خير؛ لقول الله عز وجل في سورة البقرة: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"([13]) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام لما سأله عن أعمال صالحة فعلها في الجاهلية ، هل تنفعه في الآخرة؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: "أسلمت على ما أسلفت من خير" والله ولي التوفيق.
تارك الصلاة لا يصح حجه
س: ما حكم من حج وهو تارك للصلاة سواء كان عامداً أو متهاوناً؟ وهل تجزئه عن حجة الإسلام؟
ج: من حج وهو تارك للصلاة فإن كان عن جحد لوجوبها كفر إجماعاً ولا يصح حجه ، أما إذا كان تركها تساهلاً وتهاوناً فهذا فيه خلاف بين أهل العلم منهم من يرى صحة حجه ، ومنهم من لا يرى صحة حجه ، والصواب أنه لا يصح حجه أيضاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " ، وهذا يعم من جحد وجوبها ، ويعم من تركها تهاوناً ، والله ولي التوفيق.
حج الصبي لا يجزئه عن حجة الإسلام
س: هل حج الصبي الذي لم يبلغ الحلم يغنيه عن حجة الإسلام؟
ج: لا حرج أن يحج الصبي ، بحيث يعلم ويحج ويكون له ذلك نافلة ، ويؤجر عن حجه ، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى"([14]) ، وقد قالت امرأة للرسول صلى الله عليه وسلم ومعها صبي صغير: يا رسول الله ألهذا حج؟ فقال: "نعم ولك أجر " ، وقال الصحابة كنا نلبي عن الصبيان ونرمي عنهم.
كيفية إحرام الصبي ولوازمه
س: الأخ: م. م. ص. من بور سعيد – مصر يقول في سؤاله: لو حججت بطفلي الصغير ولبيت عنه ولكننا لم نستطع أن نكمل حجه فهل علينا شيء؟ نرجو التكرم بالإفادة؟ .
ج: يستحب لمن حج بالطفل من أب أو أم أو غيرهما أن يلبي عنه بالحج ، وهكذا العمرة؛ لما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة رفعت صبياً فقالت: يا رسول الله ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر "([15]) أخرجه مسلم في صحيحه. ويكون هذا الحج نافلة للصبي ومتى بلغ وجب عليه حج الفريضة إذا استطاع السبيل لذلك ، وهكذا الجارية، وعلى من أحرم عن الصبي أو الجارية أن يطوف به ، ويسعى به ، ويرمي عنه الجمار، ويذبح عنه هدياً إن كان قارناً أو متمتعاً ، ويطوف به طواف الوداع عند الخروج؛ للحديث المذكور ولما جاء في معناه من الأحاديث والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم. ومن قصر في ذلك فعليه أن يتمم. فإن كان قد ترك الرمي عنه ، أو ترك طواف الوداع ، فعليه عن ذلك دم يذبح في مكة للفقراء من مال الذي أحرم عنه ، وإن كان لم يطف به طواف الإفاضة أو لم يسع به السعي الواجب فعليه أن يرجع به إلى مكة ويطوف ويسعى، وإذا كان من معه الصبي أو الجارية يخشى أن لا يقوم بالواجب فليترك الإحرام عنه؛ لأن الإحرام ليس واجباً ولكنه مستحب لمن قدر على ذلك. والله ولي التوفيق.
أعمال الصبي له ويؤجر والده على تعليمه
س: هل أعمال الطفل الذي لم يبلغ ، من صلاة وحج وتلاوة كلها لوالديه أم تحسب له هو؟
ج: أعمال الصبي الذي لم يبلغ – أعني أعماله الصالحة – أجرها له هو لا لوالده ولا لغيره ولكن يؤجر والده على تعليمه إياه وتوجيهه إلى الخير وإعانته عليه؛ لما في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة رفعت صبياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقالت: يا رسول الله: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر". فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج للصبي وأن أمه مأجورة
على حجها به.
وهكذا غير الولد له أجر على ما يفعله من الخير كتعليم من لديه من الأيتام والأقارب والخدم وغيرهم من الناس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله "([16]) رواه مسلم في صحيحه؛ ولأن ذلك من التعاون على البر والتقوى ، والله سبحانه يثيب على ذلك.
س: حديث جابر أنه قال: "عندما حججنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم " هل يصح هذا الحديث؟
ج: في سنده مقال لكن الرمي عن الصبيان وعن العاجزين لا بأس به؛ لأن الصحابة رموا عن الصبيان ومثلهم المرأة العاجزة والرجل العاجز فإنهم يوكلون من يرمي عنهم. وهذه قاعدة شرعية في مثل هذا الأمر الذي تدخله النيابة.
س: الصبي هل يشترط أن يكون مميزاً؟
ج: ليس بشرط بل يصح الإحرام عنه ، ويطوف به وليه ويسعى به ويرمي عنه لما روى مسلم في صحيحه أن امرأة رفعت للنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع صبياً صغيراً وقالت: يا رسول الله ، ألهذا حج؟ ، قال: "نعم ولك أجر" .
المحرم للمرأة شرط في وجوب الحج
س: هل شرط المحرم للمرأة في الحج للوجوب أم شرط للأداء؟
ج: لا يجب عليها الحج ولا العمرة إلا عند وجود المحرم ولا يجوز لها السفر إلا بذلك ، وهو شرط للوجوب.
حكم حج الخادمات بلا محرم
س: إذا جمعوا مجموعة من الخادمات في سيارة واحدة وذهبوا بهن للحج هل يأثمون؟
ج: الصواب أنهم يأثمون إلا بمحرم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم "([17]) ، وهو يعم سفر الحج وغيره. وليس على المرأة حج إذا لم تجد محرماً يسافر معها ، وقد رخص بعض العلماء في ذلك إذا كانت مع جماعة من النساء بصحبة رجال مؤمنين ولكن ليس عليه دليل ، والصواب خلافه للحديث المذكور.
ضابط المحرم
س: هل تعتبر المرأة محرماً للمرأة الأجنبية في السفر والجلوس ونحو ذلك أم لا؟
ج: ليست المرأة محرماً لغيرها ، إنما المحرم هو الرجل الذي تحرم عليه المرأة بنسب كأبيها وأخيها ، أو سبب مباح كالزوج وأبي الزوج وابن الزوج ، وكالأب من الرضاع والأخ من الرضاع ونحوهما.
ولا يجوز للرجل أن يخلو بالمرأة الأجنبية ولا أن يسافر بها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " متفق على صحته ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان" رواه الإمام أحمد وغيره من حديث عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح.
س: عم الوالدة وخالها هل هم من محارمي؟
ج: نعم عمها وخالها من المحارم ، قاعدة في المحرم: كل من تحرم عليه بالنسب كخالها أو عمها أو أبيها ، أو سبب كرضاع أو مصاهرة كأب الزوج وابن الزوج هؤلاء هم المحارم.
فالخال من المحارم والعم من المحارم ، وإن كان خال أبيها ، وإن كان خال أمها ، وإن كان عم أبيها وعم أمها ، فإن عم أبيها عم لها وعم أمها عم لها ، وهكذا خال أبيها وخال أمها أخوال لها فهم محارم وإن علوا ، كأخي جدها وأخي جدتها هم أخوال لها.
والد الزوج محرم لزوجة ابنه
س: هل يجوز أن يكون والدي محرماً لزوجتي لأداء العمرة وأنا داخل الرياض؟([18])
ج: أبو الزوج محرم لزوجة الابن في الحج وغيره.
يشترط في المحرم البلوغ
س: ما هو أدنى سن للشاب حتى يكون محرماً للمرأة إذا أرادت السفر؟ ج: أدنى سن يكون به الرجل محرماً للمرأة هو البلوغ ، وهو إكمال خمسة عشر سنة ، أو إنزال المني بشهوة ، أو إنبات الشعر الخشن حول الفرج ويسمى العانة.
ومتى وجدت واحدة من هذه العلامات الثلاث صار الذكر بها مكلفاً ، وجاز له أن يكون محرماً للمرأة ، وهكذا وجود واحدة من الثلاث تكون بها المرأة مكلفة وتزيد المرأة علامة رابعة وهي الحيض ، والله ولي التوفيق.
حكم سفر المرأة في الطائرة بدون محرم
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الأستاذ / أ. س. ع. وفقه الله لكل خير آمين .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
كتابكم المؤرخ في 15/1/1394هـ وصل وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الإفادة أنك اختلفت مع أحد زملائك في جواز سفر المرأة المسلمة بالطائرة بدون محرم ، مع أن وليها يكون معها حتى تركب الطائرة ، ومحرمها الآخر يكون في استقبالها في البلد المتوجهة إليه ، ورغبتك في الفتوى كان معلوماً.
ج: لا يجوز سفر المرأة المسلمة في الطائرة ولا غيرها بدون محرم يرافقها في سفرها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم "([19]) متفق على صحته؛ ولأنه من المحتمل تعرضها للمحذور في أثناء سير الطائرة بأية وسيلة من الوسائل ، ما دامت ليس لديها من يحميها ، وأمر آخر وهو أن الطائرات يحدث فيها خراب أحياناً ، فتنزل في مطار غير المطار الذي قصدته ، ويقيم ركابها في فندق أو غيره في انتظار إصلاحها ، أو تأمين طائرة غيرها ، وقد يمكثون في انتظار ذلك مدة طويلة أو يوم أو أكثر ، وفي هذا ما فيه من تعرض المرأة المسافرة وحدها للمحذور ، وبالجملة فإن أسرار أحكام الشريعة الإسلامية كثيرة ، وعظيمة ، وقد يخفى بعضها علينا ، فالواجب التمسك بالأدلة الشرعية، والحذر من مخالفتها من دون مسوغ شرعي لا شك فيه. وفق الله الجميع للفقه في الدين، والثبات عليه. إنه خير مسؤول ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س: امرأة مطلقة تبلغ من العمر أربعين سنة ليس لها محرم حيث أنها تعيش وحدها في المدينة المنورة؛ لأن أبنائها وأكبرهم (16) سنة يعيشون مع أبيهم في مدينة أخرى، هذه المرأة ذهبت في رمضان المبارك إلى مكة المكرمة للعمرة ، في حافلة النقل الجماعي ، الذي يوجد فيه مكان خاص للنساء ، وقد أوصلها النقل الجماعي أمام الحرم ، وبعد انتهائها من العمرة استقلت حافلة أخرى تابعة للنقل الجماعي إلى الموقف الرئيسي خارج مكة المكرمة ، ومن هناك سافرت إلى المدينة في حافلات النقل الجماعي ، فهل هي آثمة بسفرها وهي في هذه السن وهذه الظروف؟
ج: إذا كان الواقع هو ما ذكرته السائلة ، فالسفر المذكور محرم ، وعلى المرأة المذكورة التوبة إلى الله من ذلك ، وذلك بالندم على ما وقع منها ، والعزم الصادق على ألا تعود لذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم "([20]) ، متفق عليه ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد قال الله سبحانه: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب " والله الموفق.
مدى صحة حديث: "السبيل الزاد والراحلة "
س: حديث أنس رضي الله عنه في الزاد والراحلة قال: قيل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: "الزاد والراحلة" رواه الدارقطني وصححه الحاكم والراجح إرساله وأخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وفي إسناده ضعف فما صحته؟
ج: كلها ضعيفة لكن يشهد بعضها لبعض فهي من باب الحسن لغيره وأجمع العلماء على المعنى.
والأصل في ذلك قوله تعالى: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " فمن استطاع السبيل إلى البيت لزمه الحج ومن لم يستطع فلا حرج عليه وكل إنسان أعلم بنفسه.
حكم الحج بالمال الحرام
س: الحج بالمال الحرام أهو مفسد للحج؟
ج: الحج صحيح إذا أداه كما شرع الله ، ولكنه يأثم لتعاطيه الكسب الحرام ، وعليه التوبة إلى الله من ذلك ويعتبر حجه ناقضاً بسبب تعاطيه الكسب الحرام ، لكنه يسقط عنه الفرض.
حكم من حج من مال أبيه وفيه كسب حرام
س: حججت وأنا طالب في الجامعة وأخذت مالاً من والدي لمصاريف الحج وذلك لعدم استطاعتي توفير المال بنفسي ، ولكن والدي كان يعمل آنذاك في أعمال محرمة وأرباح من تلك الأعمال المحرمة ، فهل حجي صحيح أم أعيده؟([21])
ج: الحج صحيح إن شاء الله إذا كنت أديته على الوجه الشرعي ولا يبطله كون المال فيه شبهة أو كسب محرم؛ لأن أعمال الحج كلها بدنية ، ولكن يجب على المسلم أن يحذر الكسب الحرام ويتوب إلى الله مما سلف ، ومن تاب، تاب الله عليه ، كما قال تعالى: "وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"
حكم الحج لمن عليه دين
سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي المملكة العربية السعودية –حفظه الله-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
سماحة الوالد أفيدكم أنني شاب أبلغ من العمر حوالي 32 سنة ومتزوج ولي من الأطفال خمسة ، وشاء الله أن أقع في كثير من الديون حتى أنها بلغت ما يقارب خمسين ألف ريال ، وذلك في إتمام الزواج حسب العادات والتقاليد بمنطقة الباحة ، وحيث إن بعض هذا الدين له ما يقارب من 13 سنة حيث إنني أقيم الآن بمدينة الطائف ومستأجر سكن بمدينة الطائف ومن ذوي الدخل المحدود وحيث أن ظروفي والله يا والدي العزيز لم تساعدني حتى الآن في سداد هذه الديون حيث أقوم بسداد مبلغ أرجع أقترض غيره وذلك لقلة دخلي. وحيث أننا مقبلين على موسم الحج هذا العام ولي رغبة في أداء فريضة الحج هذا العام ، فأرجو من الله ثم منك إفادتي هل إذا حججت دون علم الذين لهم عندي دين علي إثم وأنني لا أستطيع الاستئذان منهم حيث إن بعضهم في الباحة والبعض الآخر في مكة المكرمة وجدة ولا أعرف عنوان أغلبهم وكل منهم له ما يقارب من خمسة آلاف ريال.
لذا أرغب من سماحتكم إفادتي في هذا الموضوع على العنوان المذكور وذلك قبل الحج لهذا العام على أن أقوم بالحج من عدمه؟([22]) وفقكم الله وأطال في عمركم.
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإذا كان عندك ما يوفيهم فلا حاجة للاستئذان لكونك قادر على الوفاء ، وإن كان لديك قدرة على الحج والوفاء جميعاً فلا حاجة للاستئذان منهم؛ لأن الحج لمن استطاع إليه سبيلاً. وفق الله الجميع والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
29/11/1415هـ
متى يجب الحج
س: أنا رجل أريد أن أقضي فريضة الحج لهذا العام ولكنني استدنت مبلغاً من المال من البنك وأسدد المبلغ على أقساط شهرية ولا تنتهي مدة التسديد إلا بعد ستة أشهر من الآن. فهل يجب علي الحج وأداء الفريضة علماً بأنني اقترضت المبلغ قبل أن أفكر في أداء الفريضة ولغرض آخر. أفيدوني عن ذلك جزاكم الله خيراً؟
ج: إذا كنت تستطيع مئونة الحج وقضاء الدين في وقته وجب عليك الحج؛ لعموم قوله سبحانه: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً" فإن كنت لا تستطيع مؤونة الحج مع قضاء الدين لم يجب عليك الحج؛ للآية الكريمة وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفاء الدين قبل الحج
س: علي دين وأريد الحج ، فهل يجوز لي ذلك؟ جزاكم الله خيراً؟
ج: إذا كان لديك مال يتسع للحج ولقضاء الدين فلا بأس ، أما إذا كان المال لا يتسع لهما ، فابدأ بالدين؛ لأن قضاء الدين مقدم ، والله سبحانه وتعالى يقول: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً "([23]) وأنت لا تستطيع؛ لأن الدين يمنعك من الاستطاعة ، أما إذا كان لديك مال كاف لسداد الدين وأداء الحج فلا بأس أن تحج وأن تفي بالدين ، بل هو الواجب عليك للآية المذكورة وما جاء في معناها من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نفقة الحج
عندما حججت أعطاني أخي نفقة الحج وهي ثلاثمائة ريال ، فهل حجي صحيح علماً أن ذلك برضاه؟
ج: لا حرج على الإنسان أن يقبل هدية من أخيه ليستعين بها على أداء الحج إذا علم أن ذلك عن طيب نفس منه ، ومن كسب طيب ، فإن الهدية توجب المودة والمحبة ، وفيها شرح صدر للمهدي وقضاء حاجة ومعونة للمهدى إليه ، وهذا لا ينقص من أجرك شيئاً؛ لأن هذا كسب طيب ، والكسب الطيب لا يؤثر في العبادات.
حكم الاقتراض من أجل الحج
س: رجل مقيم بالمملكة وموظف بإحدى المؤسسات يريد أن يحج ، هل يجوز له أن يتسلم مرتبه مقدماً قبل نهاية الشهر للمساعدة في نفقات الحج علماً بأنه سيعمل بنفس الأجر الذي تسلمه ، وهل يجوز له أن يقترض من زملائه ليحج ثم يسدد لهم فيما بعد؟
ج: لا حرج في ذلك ، إذا سمح له المسئول بذلك ولا حرج في الاقتراض إذا كان يستطيع الوفاء ، والله ولي التوفيق.
س: الأخ / ع. ع. ب. من تمير يقول في سؤاله: هل يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته؟
ج: لا يجب على الزوج دفع تكاليف حج زوجته ، وإنما نفقة ذلك عليها إذا استطاعت؛ لقول الله عز وجل: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"([24]) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبرائيل عليه السلام عن الإسلام ، قال: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" خرجه مسلم في صحيحه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وهذه الآية الكريمة والحديث الشريف يعمان الرجال والنساء ، ويعمان الزوجات وغير الزوجات ، لكن إذا تبرع لها بذلك فهو مشكور ومأجور. والله ولي التوفيق
ليس من شروط الحج أن يأتي المسلم من بلده بنية الحج
س: فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز –حفظه الله –
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أحد المقيمين في المملكة ، مصري الجنسية ولقد من الله علي بأداء فريضة الحج قبل سنتين من الآن ، وقد أديت الفريضة أثناء عملي في المملكة ولقد زرع أحد أقاربي في مصر الشك لدي حيث أفادني أن حجي باطل نظراً لأن نيتي في القدوم إلى المملكة هي العمل وليس الحج وأنه يجب علي أن أعود لمصر وأنوي الحج ثم أقوم به ، آمل إفادتي عن هذا الموضوع؟ جزاكم الله خيراً
ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
حجك صحيح ويجزئ عنك والحمد لله ، تقبل الله منك ، وليس من شروط ذلك أن تأتي من مصر بنية الحج ، وهذا القول لا أساس له من الصحة. هدى الله قائله وأعاذه من نزغات الشيطان ، ومن القول على الله بغير علم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
حكم من حج وترك زوجته لوحدها
س: هل يجوز أن يذهب الرجل للحج أو العمرة دون أن يصطحب الزوجة؟ جزاكم الله خيراً([25])
ج: يجوز له أن يدعها في البيت ويذهب للحج أو العمرة أو للصلاة أو للجهاد أو لحاجاته الخاصة في التجارة ، لا بأس بذلك كله. وإذا كانت الزوجة تستوحش فعليه أن يجعل عندها من الخدم من يؤنسها ، أو يسمح لها أن تذهب عند أهلها للوحشة التي تصيبها ، أو إذا كان عليها خطر ، فيجمع بين المصلحتين ولا يلزم أن تذهب معه كلما سافر.
حكم الحج عمن مات ولم يحج
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم الأستاذ ص. ع. هـ. زاده الله من العلم والإيمان، آمين سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
كتابكم الكريم المؤرخ في 20/12/1383هـ وصل ، وصلكم الله بهداه ، وما تضمنه من الأسئلة كان معلوماً وإليكم جوابها ، وأسأل الله أن يوفقني وإياكم للفقه في دينه والثبات عليه وأن يجعلنا جميعاً وسائر إخواننا من الهداة المهتدين إنه سميع قريب.
س: من مات ولم يحج لمرض أو فقر ونحوه هل يحج عنه؟
ج: من مات قبل أن يحج فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يكون في حياته يستطيع الحج ببدنه وماله فهذا يجب على ورثته أن يخرجوا من ماله لمن يحج عنه؛
لكونه لم يؤد الفريضة التي مات وهو يستطيع أداءها وإن لم يوص بذلك ، فإن أوصى بذلك فالأمر آكد ، والحجة في ذلك قول الله سبحانه: "ولله على الناس حج البيت "([26]) الآية ، والحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج ولا الظعن ، أفأحج عنه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "حج عن أبيك واعتمر" . وإذا كان الشيخ الكبير الذي يشق عليه السفر وأعمال الحج يحج عنه فكيف بحال القوي القادر إذا مات ولم يحج؟! فهو أولى وأولى بأن يحج عنه. وللحديث الآخر الصحيح أيضاً ، أن امرأة قالت: يا رسول الله ، إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حجي عن أمك" .
أما الحال الثانية: وهي ما إذا كان الميت فقيراً لم يستطع الحج ، أو كان شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج وهو حي ، فالمشروع لأولياء مثل هذا الشخص كابنه وبنته أن يحجوا عنه؛ للأحاديث المتقدمة؛ ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: "لبيك عن شبرمة" قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "من شبرمة؟" قال: أخ لي أو قريب لي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "حججت عن نفسك؟" قال: لا ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" .
وروي هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفاً عليه. وعلى كلتا الروايتين فالحديث يدل على شرعية الحج عن الغير سواء كان الحج فريضة أو نافلة. وأما قوله تعالى: "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"([27]) ، فليس معناه أن الإنسان ما ينفعه عمل غيره ، ولا يجزئ عنه سعي غيره ، وإنما معناه عند علماء التفسير المحققين أنه ليس له سعي غيره، وإنما الذي له سعيه وعمله فقط ، وأما عمل غيره فإن نواه عنه وعمله بالنيابة ، فإن ذلك ينفعه ويثاب عليه ، كما يثاب بدعاء أخيه وصدقته عنه ، فهكذا حجه عنه وصومه عنه إذا كان عليه صوم؛ للحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه " ، أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة ، وهذا يختص بالعبادات التي ورد الشرع بالنيابة فيها عن الغير ، كالدعاء والصدقة والحج والصوم، أما غيرها فهو محل نظر واختلاف بين أهل العلم ، كالصلاة والقراءة ونحوهما ، والأولى الترك ، اقتصاراً على الوارد واحتياطاً للعبادة ، والله الموفق.
س: ما حكم الحج عن الوالدين اللذين ماتا ولم يحجا؟
ج: يجوز لك أن تحج عن والديك بنفسك وتنيب من يحج عنهما إذا كنت حججت عن نفسك أو كان الشخص الذي يحج عنهما قد حج عن نفسه؛ لما روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما من حديث شبرمة .
س: رجل مات ولم يقض فريضة الحج ، وأوصى أن يحج عنه من ماله ، ويسأل عن صحة الحجة ، وهل حج الغير مثل حجه لنفسه؟([28])
ج: إذا مات المسلم ولم يقض فريضة الحج وهو مستكمل لشروط وجوبها وجب أن يحج عنه من ماله الذي خلفه ، سواء أوصى بذلك أم لم يوص ، وإذا حج عنه غيره ممن يصح منه الحج وكان قد أدى فريضة الحج عن نفسه صح حجه وأجزأه في سقوط الحج عنه ، كما لو حج عن نفسه ، أما كون ذلك أقل أو أكثر فذلك راجع إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه العالم بأحوال عباده ونياتهم ، ولاشك أن الواجب عليه المبادرة بالحج إذا استطاع قبل أن يموت للأدلة الشرعية الدالة على ذلك ويخشى عليه من إثم التأخير.
لا يحج إلا عن الميت والحي العاجز
س: الأخ / أ. ع. من أندونيسيا يقول في سؤاله: هل تجوز العمرة لشخص ميت؟ وهل يجوز أن أعتمر عن والدي الذي مازال حياً على قيد الحياة لعدم قدرته؟
ج: تجوز العمرة والحج عن الميت إذا كان مسلماً ، وهكذا تجوز العمرة والحج عن المسلم الحي ، إذا كان عاجزاً عن القيام بذلك لكبر سن أو مرض لا يرجى منه برؤه ، سواء كان أباك أو أمك أو غيرهما ، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأله رجل فقال: يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا الظعن أفأحج عنه وأعتمر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "حج عن أبيك واعتمر " متفق على صحته ، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه سألته امرأة من خثعم فقالت:
يا رسول الله ، إن أبي شيخ كبير لا يثبت على الراحلة أفأحج عنه؟ قال صلى الله عليه وسلم: "حجي عن أبيك"([29]) متفق على صحته.
حكم الحج عمن مات ولم يوص بالحج
س: إذا مات رجل لم يوص أحداً بالحج عنه ، فهل تسقط عنه الفريضة إذا حج عنه ابنه؟
ج: إذا حج عنه ابنه المسلم الذي قد حج عن نفسه سقطت عنه الفريضة بذلك ، وهكذا لو حج عنه غير ابنه من المسلمين الذين قد حجوا عن أنفسهم؛ لما ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة قالت: يا رسول الله: إن فريضة الله على عباده أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يستطيع الحج ولا الظعن ، أفأحج عنه؟ قال: "نعم حجي عنه" . وفي الباب أحاديث أخرى تدل على ما ذكرنا