الأستاذ الشاعر مروان كجك كما عرفته
كلمة وفاء وثناء
خبَّاب بن مروان الحمد
الحمد لله الذي خلق فسوَّى وأمات وأحيا، وجعل هذه الحياة دار ابتلاء وفتنة لنا، فيا فوز من استعان فيها بالله وعمل فيها لأجل الله، والصلاة والسلام على محمد رسول الله أما بعد:
بينما كنت أتصفحَّ موقع (المسلم) لفت انتباهي ذلك العنوان : (بين الأدب والتربية والإعلام حوار مع الأستاذ الراحل مروان كجك) حيث أثارتني كلمة : (الراحل) وأنا لا أعرف أن أستاذنا مروان إلاَّ على قيد الحياة، فأجريت شيئاً من البحث عنه فوجدت عدداً من المواقع على الشبكة العنكبوتية تنعى لنا الفقيد الراحل الأستاذ الشاعر مروان كجك رحمة الله عليه، والذي توفاه الله عزَّ وجل عصـر يوم الثلاثاء 8 محرم 1432هـ..
فرحمة الله عليه رحمة واسعة، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وجعل مثواه الجنَّة، وقد حدَّث من رآه وهو ميت فكأنه يراه مبتسماً ابتسامة جميلة خفيفة، ولا عجب في ذلك فلقد كان ملء حياته تعلو البسمة محياه ، ويرتاده من كان مهموماً ليواسيه ويخفف عنه .
ولمن لا يعرف سيرة الشيخ الأستاذ والشاعر الكبير مروان كجك، فلقد ولد عام 1941م في مدينة تلكلخ بمحافظة حمص في سورية، وللعلم فإنَّ عائلة كجك التي ينتسب إليها الفقيد عائلة عريقة من أصول تركية ممتدة في شتَّى أنحاء العالم.
وبعد حياته الطفولية ودراسته، عمل معلماَ في المرحلة الابتدائية ثم مدرساً للغة العربية وآدابها في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وبعد ذلك حصل على الليسانس في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق، وعلى دبلوم الدراسات العليا الإسلامية من القاهرة، التي أقام فيها خمس عشرة سنة، وعمل في مجال النشر وطباعة ونشر التراث الإسلامي، وحينما سافر إلى المملكة العربية السعودية ارتبط بالعمل في مجلة البيان الإسلامية حيث عمل فيها طيلة وقته في مجال التدقيق اللغوي فلقد كان متقناً لهذه الصنعة، وله إسهاماته الأدبية والفكرية الكثيرة التي نشر كثيراً منها في مجلة (البيان الإسلامية) على مدى سنوات، ومجلَّة
آفاق ثقافية) حيث كان يرأس تحريرها إلى أن توقفت عن الصدور بعد أربعة عشر عدداً؛ بسبب قلَّة الداعم، وضعف المُساهم!!
وبما أنِّي زاملت أستاذنا الكبير مروان كجك قرابة ثلاث سنوات أثناء عملي سابقاً مع مجلة البيان الإسلاميَّة ـ وقبل انتقالي للسكنى في موطني (فلسطين) ـ فكان لزاما عليَّ أن أعرف لأهل الفضل فضلهم، وأن أشيد بمن عرفتهم في حياتي التي منَّ الله تعالى عليَّ فيها بمعايشتي ومعاشرتي ومعرفتي للكثيرين فيها من أهل العلم الشرعي والفكر والتربية والدعوة.
فالأستاذ مروان كجك رحمة الله عليه، كان مثالاً للرجل الحر الأبي الذي لم تزده مِحَنُ السنين معه إلاَّ ثباتاً وعزيمة، فما كان جسده النحيل يفتر عن العمل الدعوي والحركة والدعوة إلى الله، وما فتئ يوماً من أيام حياته إلاَّ مدافعاً عن أمَّته ودينه.
ولقد وصفه بذلك صديقه الشيخ الدكتور محمد العبدة حفظه الله في مقالة له كانت بعنوان : (داعية فقدناه) فقال عن الشيخ مروان : (غادرنا هذه الأيام إلى رحمة الله ورضوانه الأخ الداعية الأديب الشاعر مروان كجك، والأخ مروان من الدعاة المعروفين في بلدة تلكلخ الواقعة غربي مدينة حمص في سورية، وله الأثر الواضح في تربية أجيال الشباب فيها وله جهود طيبة في نشر الدعوة في القرى المجاورة لتلكلخ)([1]).
وكيف لا يكون أستاذنا مروان كذلك وهو القائل لكلمة رائعة بأنَّه
ليس لأحد من خيار في خدمة أمته)([2]).
لقد كانت في الشيخ مروان مزية قلَّما تجتمع فيمن كان في عمره، فلقد كنت أرى فيه الرجل المربي الذي يحتضن الشباب ويُحبهم ويرغب الحديث معهم، ويؤانسهم ويؤاخيهم ويستطرف معهم في ذكر أخبار مستظرفة، وحكايات ممتعة، وقصص ومواقف جميلة، كان بالفعل يتألَّق معها أستاذنا مروان تألقاً، ولا تغادر أذني تلك الضحكات البريئة المنبعثة من فمه حينما يقول لنا الطرفة أو الموقف الظريف مع مزاح لطيف، فتراه يقلب المكان من هدوء وركود، إلى حالة البسمة والبهجة والمتعة، فرحم الله بسمتك وإطلالتك البهيَّة حينما كنت تقدم علينا ونحن في مكاتبنا في العمل، فكأنَّها مضياء يضيء لنا، فرحمة الله على تلك الأرواح وبركاته على هاتيك الأشباح.
ومن خصاله الجميلة، ذلك الوفاء الجميل الذي يتميَّز به، فقد كان يسأل عن أصدقائه وأصحابه، الذين عاش معهم في مسقط رأسه (سورية) أو في مكان عمله في مصر، ويوصل سلامه إليهم، كما رأيت ذلك منه حينما يزوره بعض من يعرف في مصر أو سورية.
لقد كان رحمه الله خفيف الظل، وله حضور متميز بين أصدقائه، وكان ملتزماً في خلقه وأدبه، محبوباً من الجميع، يُشاور الآخرين، ويقبل استشارة الآخرين، ويجيبهم عمَّا يعتريهم من أمورهم التي يذكروها له برأي حكيم، وقلب سليم، فرحمك الله يا أبا مجاهد حيَّاً وميتاً.
رحم الله جسدك الذي لم أعرفه إلاَّ متحركاً في العمل لهذا الدين، ومحترقاً على هموم ومصائب المسلمين.
لقد كان الشيخ مروان كتاباً مفتوحاً، فكل من يؤاخيه ويجالسه، ويلاصقه ويجاوره يعرف طبيعة تفكيره، وطريقة تأمُّله لأحداث الكون والواقع المعاصر، بدون غموض أو مواربة، فلقد كانت روحه شفَّافة رفَّافة هفَّافة، ولم أعرف عنه أنَّه كان يضمر في قلبه إحناً ولا حقداً ولا حسداً لأحد.
نعم ! كان حينما يُستفزَّ قد يغضب ولكن سرعان ما ينقشع ذلك الغضب عنه، وتهدأ نفسه، ويبقى إنساناً تعتريه نوزاع الحدَّة والظروف النفسيَّة التي تحيط به فتؤثر عليه، ولكنَّه في غالب حاله كان هادئ النفس، مرتاح الضمير، يشعر من يتحدث معه أنَّه يتحدث مع روحه!!
ومن صفاته الجميلة ، وسماته الحسنة، أنَّه ما كان ينتهي من التدقيق اللغوي لبعض المواد الواردة إليه في مجلة البيان، حتَّى يسارعَ في اغتنام فرصة المطالعة والقراءة كثيراً في كتاب لسان العرب لابن منظور، وغيرها من الكتب اللغوية.
والشيخ مروان كجك لديه حظ جيد بمطالعة الكتب الشرعيَّة فأصوله التي تربَّى عليها إسلاميَّة منذ نشأته، ولقد قرأ عشرات الرسائل من كتب شيخ الإسلام ابن تيميَّة، واهتمَّ كذلك بفتاويه ، بل أشرف على تخريج أحاديثها أثناء عمله في بعض دور الطباعة والنشر في القاهرة بمصر، في كتاب أسماه « تخريج أحاديث مجموعة فتاوى ابن تيمية »، بعناية الأستاذ مروان كجك من ناحية لغوية، ومراجعة وتخريج الأستاذ فتحي الجندي للأحاديث على أنَّه لم يستوعب الحكم على كثير من الأحاديث الموجودة في الكتاب، وقد نشرته دار ابن حزم ببيروت في ستة مجلدات([3]).
* مواقف مع أستاذنا الشاعر:
في البداية كان الشيخ مروان له الفضل الكبير عليَّ جزاه الله خيراً في تدقيق ومراجعة مقالاتي لُغوياً لمدَّة ثلاث سنوات، فقد كان يتفضل علي ويحسن إليَّ بمراجعتها، ولربما أعطيته أكثر من أربعين مقالاً...
أقول بكل بصدق ما رأيته في يوم من الأيام اعتذر عن عدم مراجعتها، مع أنَّه كان مشغولاً في عمله أو مطالعاته الخاصة، وما كان يتأخر علي في تدقيقها ـ رحمه الله ـ بل لقد أصابني في زمن ما فتور في كتابة بعض المقالات والدراسات، فكان يأتيني ويقول لي بابتسامة لطيفة: أين مقالاتك لنراجعها وندققها لك؟
ولقد أفادني كثيراً في تدقيقاته اللغوية، وصوَّب كثيراً من مقالاتي، وأعطاني قواعد في اللغة العربية، وأخرى في الأخطاء اللغوية الشائعة في الكتابات والمقالات التي كنت أكتبها أو التي كان يطالعها في المقالات الواردة إليه في تدقيقه اللغوي عليها سواء في مجلَّة (البيان الإسلامية) أو المجلَّة التي ترأس تحريرها قرابة سنة ونصف ثم توقفت وكان اسمها (آفاق ثقافية) ولقد تعلَّمت منه العشرات من الأخطاء اللغوية التي نبَّهني عليها فجزاه الله خيراً.
إي والله! لا أنسى أفضاله علي ما حييت أبداً، فلابد من الوفاء لأهل الوفاء وذلك من شِيَم النبلاء، وسِمَة الكرماء، وأرجو من الله تعالى أن أكون منهم!
أعترف أنَّه كان بيني وبينه ألفة ومحبَّة عميقة، ومن شدَّة المحبة بيني وبينه أنَّني كنت أناديه أحياناً: يا أبي، وذلك لأنَّ اسم أبي (مروان) ـ حفظه الله تعالى وجزاه خير ما جزى والداً عن ولده ـ وقد كان يجيبني بضحكته المعروفة عنه: نعم يا ابني!
ولن أنسى سفري معه للكويت حينما صاحبته في مؤتمر تعظيم حرمات الإسلام، وكنت أنا وهو ننام في غرفة معاً، فما أحلاهما من ليلتين خضنا خلالهما الكثير من النقاشات في عدد من القضايا الفكرية والتربوية والسياسيَّة وأوضاع العالم الإسلامي، وقد اختلفنا في بعض القضايا وتلاقينا في بعضها ولكنَّا تآلفنا في نهاية المطاف ولم يكن خلافنا سببا لشيء بيننا ولله الحمد.
وكم كنت أعجب منه حينما أختلف معه وأنا في عمر أولاده، ومع هذا لا يضيق ذرعاً، بل يحاور ويناقش، ويجادل ويناضل لتوصيل فكرته، ولكنَّه حينما يرى الرؤية قد تختلف يتوادد ويأتلف، وينهي الخلاف بنكتة ظريفة، وبسمة لطيفة، فرحمة الله عليه، وصبَّ عليه من شآبيب رحمته.
* مع شعريات أستاذنا مروان كجك رحمه الله:
لقد كان أستاذنا الكبير مروان قارئاً جيداً للأحداث، وكان متابعاً متميزاً لأخبار المسلمين وهمومهم، وكانت كلماته لا تنبض إلاَّ بشعر دافئ يخرج من أعماق نفسه.
ولقد كنت أرقبه وهو يكتب أبيات الشعر .. لقد كان رحمه الله يستلقي على كرسيه ويحملق كثيراً إلى الأمام حتَّى تأتيه الفكرة فيهرع لكتابتها وتدوينها، بل كان يُنشدها ويترنَّم بها!
ومن قرأ شعره يستشعر تلك الروح الإسلاميَّة العميقة التي تدب في جوانحه، وترسو حقيقتها على شاطئ لسانه ، فيتبيَّن للمطالع لها تلك الروح الإسلاميَّة الوهاجة الدفاقة حينما تخرج من بنات أفكاره، فهو الرجل المواظب على القراءة الشرعية والأدبيَّة والفكرية.
ها هو رحمه الله يذكر كما في حوار معه، عن ميزة هذه المعارف والعلوم التي طالعها وصقلت شخصيته، حيث قال
إنَّها ساهمت مع الدين في تشكيل شخصيتي وبناء ذاتي، وأتاحت لي الفرصة لقول كلمة حق في عصر عربي جائر)([4]).
ولقد كانت إيمانياته تشهد له، وروحانياته تظهر على شعره، وإظهار ضعفه لربِّه شاهداً على نقاوة فكره، واختياره للإسلام راسخاً في عقله، ماكناً في قلبه ـ هكذا أحسبه والله حسيبه ولا أزكي على الله أحداً ـ ففي قصيده المعنونة: (يا رب)([5]) يقول:
لَكَ العُتْبَى([6]) لَقْد صِرْنَا ... إلى ضَعْفٍ وإعْياءِ
لكَ العُتْبَى ولوْ عَصَفَتْ ... أعاصيرٌ ببَيْدائي
أو ازْدَحَمَتْ على بابي ... جِنَاياتي وأرزائي
أو اقْتَحَمَتْ جُنُودُ البَغْ ... يِ أوطاني وأحيائي
أو اختَبَأتْ لِيَ الأهْوا ... لُ في نفسي وأهوائي
وأقْبَلَ كُلّ جبارٍ ... بأوْشابٍ[7] وغَوْغَاءِ
وسارَ بهم إلى قتلي ... وتمزيقي وإفنائي
ولو مَلَكُوا نواصِي الأرْ ... ضِ أو صَعِدوا لجَوْزاءِ
فَلَنْ أرتَدّ عن ديني ... ولا أهلي وأنحائي
ولن أرضَى سِوى الإسلا ... مِ مِنْهاجاً لأبنائي
فَلَيلُ الظلمِ ، مهما طا ... لَ ، لنْ يَرْقى لعْليائي
ولَنْ يَحْظى بما يَبْغِي ... هِ من قَهْرِي وإحْنَائي
لقد كان أستاذنا مروان كجك شاعراً مسلماً عاطفياً حانياً على حال أمَّته، ثائراً على عدوها ومتأثراً على أوضاعها مواكباً لأحزانها وأفراحها، نراه يحدو ويكتب قصائد في مواساتهم، وحثهم على الصبر والجهاد والعز والإباء وعدم الانبطاح للأعداء.
ها هو يرثي لحال المسلمين، ويتحدَّث عن مصابهم في أنفسهم، وفي الهزيمة النفسيَّة للكثيرين منهم أمام عدوهم الكافر، وتَطَلُّبِ بعض المسلمين جوانب العدالة وحقوق الإنسان من الغربيين الذين احتلوا ديارنا، متناسين ما في كتاب الله وسنَّة نبيه، متحدثاً عن التفرق والتشرذم الذي يصيب أبناء الأمة المسلمة، حيث يقول في قصيدته (الدولة المسخ)([8]):
وَلَمْ يَبْقَ مِنّا سِوَى حَشْرَجاتٍ * وَرُوحٍ مِنَ الغَرْبِ مُسْتَوْرَدَهْ
نَرُومُ الْعَدَالَةَ مِنْ ظَالِمِينَ * وَنُؤْمِنُ بِالمِلّةِ الْمُلْحِدَهْ
وَأُمّتُنَا أصَبَحَتْ كَالْهَشِيمِ * عَنِ الأَمْرِ والنّهْيِ مُسْتَبْعَده
نَلُوذُ بأَعْدَائِنا إنْ فَزِعْنَا* وَنَهْفُو إلَيْهِمْ بِلا مَحْمَدَهْ
وَأحْوالُنَا يَا سَوَادَ الوُجُوهِ* إلَى غَيْرِنَا أصْبَحَتْ مُسْنَدَهْ
ولقد كان رحمه الله من أبصر الكتاب الإسلاميين السوريين بمكائد الشيعة الروافض، فطالما ما كان يتحدث إلينا عن انحرافاتهم الدينية، ومؤامراتهم السياسيَّة، ولقد سطَّر بعض رأيه في مقاله المنشور بعنوان : (البطل الأسطوري والتدليس على الأمة)([9]) وتحدث عن البطولة التي صنعها بعض الكتاب والقادة الإسلاميين إلى درجة الغلو والثمالة في حسن نصر الله حتَّى إنَّ بعض كتاب المسلمين وصفوه بأنَّه صلاح الدين الأيوبي الجديد، ومن قرأ مقالته كاملة يدرك حقيقة خوفه وصيانته لفكر الأمَّة المسلمة من الانخداع بالأبطال الوهميين لا الحقيقيين.
وها نحن نراه يزري على أولئك الروافض من المليشيات الشيعية العراقية والإيرانية الذين عاثوا في مساجد العراق فساداً وتحريقاً وهدماً، ويقول فيها فاضحاً لجرائم الشيعة ضد تلك المساجد، فيكتب قصيدته الرائعة بعنوان
من للمساجد يا عراق؟!)([10]) ومِمَّا جاء فيها:
مَنْ للمسَاجِدِ يا عراقُ وقد غَدَتْ نُهْبَى المجوسِ وطُعْمةً تُغري البهائمْ؟
حُبُّ النبيِّ وآلِهِ دِينٌ يقودُ إلى الهُدَى لا للشنائعِ والجرائمْ
حُبُّ النبيِّ وآلهِ صِدْقٌ ومَحْــضُ حقيقةٍ لا بادِّعاءٍ أو طلاسِمْ
مَنْ أنتُمُ لوْ لم يُعِذْكُمْ غاصِبٌ؟ ما أنتُمُ لوْ لم يكُنْ في الدارِ جاثِمْ؟
سَعَّرْتُمُ نَارَ المجوسِ وفيحها وفتحْتُمُ أُفُقاً من التثريبِ قاتِمْ
لم يكْفِكمْ جَلْبُ العدوِّ جهارةً حتى وَلَغْتُمْ في الدماء بغيرِ حاجِمْ
تَشكو المساجدُ ضِغْنَكمْ؛ وسُعارُكمْ حقداً يُصَبُّ بحِنكةِ العُلْجِ الأعاجمْ
فتدبروا القرآن: هل في آية نَدْبٌ إلى هدمِ العواصمِ بالقواصمْ
إلاَّ إذا كانت ضِراراً مُعْلَناً تدعو إلى كفرٍ بَوَاحِ القصدِ آثِمْ؟
وهو رحمه الله لا يخفي حبَّه العميق، وشوقه الدفين للمسجد الأقصى المبارك، وحينما كنت مستقراً في السعوديَّة وأسافر في إجازتي السنويَّة إلى فلسطين، ومن ثمَّ أرجع بعد قضاء الإجازة فيها يستقبلني استقبال التحايا والترحاب والمحبة، ولربما جلس معي الساعات الطوال يسألني فيها عن كل صغير وكبيرة في الأرض المقدسة فعلى رأيه
ما راءٍ كمن سمعَ).
لقد كنت أستشعر حبَّه المخبوء في صدره، بل الظاهر على أحاديث لسانه، في محبَّته لفلسطين وأهلها، وهو في قصيدته المعنونة بـ : (يا أيها الأقصى الجريح)([11]) بيان ذلك، ومن أجمل ما جاء فيها، قوله:
يَا أُمَّةَ التَّوْحِيدِ هُبِّي وانْهَدِي *** وخُذِي زِمَامَ الأَمرِ جِدّاً واصْمُدِي
شَحَذَ البُغاةُ الهِيمُ ضِغْنَ قُلُوبِهِمْ *** وتَقَاطَرُوا، كُلٌّ بكُلٍّ يَقْتَدِي
إنَّا غَدَوْنَا كالخِرَافِ يَسُوسُنَا *** رَاعٍ هَزِيلُ الفِكْرِ، مُنْهَزِمٌ رَدِي
لا؛ والذي سَمَكَ السماءَ وحَاكَها *** لَنْ نهتدي إلاَّ بشَرْعِ مُحَمَّدِ
فهوَ الذي قادَ العُرُوبَةَ للعُلا *** بالدِّينِ بالحقِّ المُبِينِ بمسجدِ
ويستكمل قصيدته ناقداً كثيراً من حكَّام العرب وبطشهم بشعوبهم، وغفلتهم عن المكائد التي تحاك للمسجد الأقصى المبارك، فيقول :
أَهلي تَعامَوْا عنْ عَدُوٍّ غَادِرٍ *** واسْتَبْسَلوا في قَهْرِ شَعْبٍ مُجْهَدِ
والمسجدُ الأقصَى يُرَدِّدُ شاكياً: *** مَا حِيلَتي يَا ربُّ قدْ قُطِعَتْ يَدي
حَوْلي الأَحِبَّةُ أَغْمَضُوا أَبْصَارَهُمْ *** عَمَّا أُقاسي من عَدُوٍّ مُلْحِدِ
مَا بَالُهُمْ كُلٌّ أَشَاحَ بوجْهِهِ *** عَنِّي، ولاذَ بهَجْعَةٍ وتَبَلُّدِ؟
مَا بَالُهُمْ قَدْ أَغْمَدُوا أَسْيافَهُمْ *** وتََناوَمُوا عن مَقْصَدٍ وتَعَمُّدِ؟
فَهَبُوا مَوَاطِنَكُمْ غَدَتْ نَهْبَ العِدَى *** وأَنَا بطِيبِ مَعِيشَةٍ وتَبَغْدُدِ
أَوَ كنْتُمُ تَرْضَوْنَ مِنِّي مَا بَدا *** منكُمْ وأُحْسَبُ في شُعُوبِ مُحَمَّدِ؟!
دَعْكُمْ مًنَ الصَّمْتِ المُرِيبِ فإنهُ *** عَارٌ شَنِيعٌ لا يَلِيقُ بمُهْتَدِي
لكنَّ شاعرنا وأستاذنا الكبير مروان وبنفسيته المتفائلة، يبشر أمَّة الإسلام بأنَّه سيأتي اليوم الذي نشهد فيه مصارع الكفرة اليهود المحتلين لديارنا، فهاهم يجتمعون في أرض فلسطين بأحشادهم وأوشابهم وقضهم وقضيضهم، وهي علامة نهايتهم، حيث قال في قصيدته المُعنونة بـ
النهاية) ([12]) أسوقها باختصار لبعض أبياتها:
مِنْ كُلِّ حَدْبٍ أقبِلوا ... مِنْ كلِّ صَوْبٍ عجِّلوا
فَلَقَدْ دَنا العهدُ الذي ... قالَ النبيُّ سيحصُلُ
فالأرضُ ترقبُ جمعَكم ... والغرقدُ المستعجِلُ
والبَحرُ والسهلُ الفَسِ ... يحُ وصَعْقَةٌ لا تُمْهِلُ
لَنْ تُفلتوا مِن قَبضةِ ... الأبطالِ لا لَن تَرحلوا
فَقبورُكم في أرضِنا ... وهُنا الأماني تُقْتَلُ
لم يحمِكم غدرٌ وَلَمْ ... يَشفعْ لكم ما يُبذَلُ
فَلأنتم أخزى مَقا ... ماً في البَرِيِّةِ يُنزَلُ
***
لابدُ آتٍ يومُهُ ... والحقُّ لا يتبدَّلُ
فالله يُمهِلُ مَنْ بغى ... لَكِنَّه لا يُهْمِلُ
هذا يقينٌ صَادقٌ ... إني لأقسمُ ، مُقبِلُ
فَلينسجُوا أكفانهم ... وليَحْمِلُوا ما يُحْمَلُ
وليُقْبلوُا بفروعْهم ... وأصولِهم وليَدْخُلوا
فالمسجد الأقصى انتضى ... السيفَ الذي لا يُجْهَلُ
ونوازعُ الإسلامِ في ... كلّ القلوبِ نَغَلْغَلُ
فَلْتُسْرِعوا بمجيئكم ... حانَ القِطافُ فعجّلوا
ولَقد دَنا العهد الذي ... قَال النبي سيحصلُ([13]).
ويأتي الاحتلال البغيض للعراق المسلم، فيحزن شاعرنا المسلم مروان كجك، ويستذكر أيَّام العزَّة في العراق وحكم هارون الرشيد، وحديثه للغمامة : (أمطري حيث شئت فسوف يأتينا خراجك) ويكتب قصيدته بعنوان
كان الرشيد هنا)، وفيها حثٌّ لأهل العراق على مواصلة درب البسالة والجهاد في سبيل الله، حتى يُطرد المحتل الصليبي وأعوانه، وفيها كذلك سخرية من أصحاب الانبطاح والاستسلام لمكائد العدو الصليبي المحتل.
إنَّها قصيدة شعريَّة جميلة في معانيها، لذيذة في ألفاظها، وأرى أنَّ أولى الناس معرفة بحقِِّها ذلك المنشد المسلم الملتزم فينشدها بصوته الجميل، لكي يحفظها الأجيال، وتتناقلها قوى الجهاد فيما بينهم.
بَغْدَادُ صَبْراً فَالمُنَى لا تَسْتَجِيبُ لِمُقْعَدِ
كُونِي كَمَا كَانَ الْجُدُودُ أَبِيَّةً، لا تَخْمُدِي
صِيرِي شُواظاً لاهِباً يَشْوِي جُنُوبَ المُعْتَدِي
شُقِّي بُطُونَ حُقُودِهِم يَا بِنْتَ مَكَّةَ وَارْعُدِي
فَالنَّصْرُ لا يَأْتِي جُزَافاً بَائِناً عَنْ مَقْصِدِ
لَكِنَّهُ بالصَّبْرِ وَالإيمَانِ لا الفِعْلِ الرَّدِي
يَا قَوْمُ إنَّ اللهَ أَكبَرُ مِنْ جُمُوعِ الحُسَّدِ
فَامْضُوا عَلَى نَهجِ الرَّسُولِ وَعَزْمِهِ المُتَوَقِّدِ
وَاسْتَجْمِعُوا أَشْتَاتَكُمْ وافْرُوا المُغِيرَ المُعْتَدِي
وَاسْتَبْسِلُوا فَالنَّصْرُ بالصَّبْرِ الجسُورِ المُرْعِدِ
بِالعَقْلِ لا بِحَمَاقَةِ السُّفَهاءِ أَوْ صِفْرِ اليَدِ
المُتَّكِينَ عَلَى الأَرائِكِ والحِمَى المُسْتَعْبَدِ
المَالِئينَ خَيَالَهُم جُبْناً وَلَوْثَةَ مُجْهَدِ
بَغْدادُ إنَّ نُفُوسَنَا كَالمَالِ فِي كَفِّ النَّدِي
يَزْهُو بِهَا مَبْذُولَةً لألاءةً كَالفَرْقَدِ
نَفْدِي بِهَا الأَوْطَانَ نَبْذُلُهَا لِرَبٍّ أَوْحَدِ
يَا حُسْنَهَا يَوْمَ الحِسَابِ عَلَى بِسَاطٍ عَسْجَدِي
اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَريحُ المِسْكِ أَطْيَبُ مَوْرِدِ
ولا ينسى الشيخ الشاعر مروان كجك حقيقة الطغاة والمجرمين، الذين يقودون كثيراً من بلاد الإسلام، بل لقد عانى هو منهم في سورية، فلقد حدثني حديثاً في مسامرة أخويَّة، عن إيذاء الحكومة السورية له وسجنها إياه وتعذيبها له، عقب أحداث حماة، ومع أنَّه كان من أشدِّ الناس كراهية للنظام السوري وبيان انحرافه وظلمه؛ إلاَّ أنَّه كان مختلفاً مع ما حدث من الشباب المسلم مع النظام السوري في تلك الأحداث(والتي كانت لها أسبابها ودوافعها)، مِمَّا جعل النظام السوري ينكل بهم ويبطش بطشاً شديداً ويضيق على الدعوة الإسلامية عقوداً من الزمان، ومع هذا كله طالته أيادي الظلم بسجنه وتعذيبه ليس إلاَّ لانتمائه للإسلام، وذكر لي الشيخ مروان رحمه الله شيئاً من العذاب الذي سامه على يد الضابط المعروف بكنيته أبو يعرب غازي كنعان الذي مات منتحراً بسبب خلافات سياسيَّة كما شاع في وسائل الإعلام!!
شاعرنا الكبير مروان ومع معاينته لأحوال الطغاة في العالم الدولي، فإنَّه لا يكلُّ ولا يملُّ لاستنكار طغيانهم وبغيهم وجبروتهم، دون خروج عن حدود الله في التعامل معهم، ولقد قال في حوار أُجري معه موضحاً هذه الفكرة
من المؤكد أن ممارسة الكاتب المسلم لدعوته وحماسه في الدفاع عن دينه ينبغي ألاَّ يجعله يتجاهل الواقع وما يخصه من الأحكام الشرعية والروائز العقلية) ([14]).
إنَّه حالما يرى الواقع المرير ويرى ظلم كثير من جبابرة الأرض وتنكيلهم للدعاة، فإنَّه يحاول أن، يُجمِعَ أمره، ويستجمع شتات فكره، فيكتب قصيدة بعنوان: (حديث طاغية في القبر)([15])، ليقرع به آذان الأحياء منهم، علَّهم يثوبون إلى رشدهم، ويعودون إلى ربهم، فلقد سبقهم أحدهم بعد حياة الظلم والانحراف العقائدي، وكأنَّ شاعرنا يتخيل حديثه في قبره وهو يقول:
مضى العهد الذي يَعِدُ ** وجاء الهم والنكد
ولم أعلم بأن يدي ** غداة الروع ترتعد
وبتّ اليوم منفرداً ** فلا خلٌّ ولا ولد
أجيل الطرف ملتمساً ** فألقى الكل قد بعدوا
ويذهب بي حصاد الأمس** مثل البرق يتَّقد
فلم أعبأ بنصح أخٍ ** ولم أنصت لمن نقدوا
هنا وحدي أسير القب ** ر ضاع الزهو والغَيَد
سيوفي كنت أحسبها ** تعيش الدهر تحتَصِدُ
فخانتني وما صدقت ** وكانت دائماً تعد
فأين الآن حاشيتي ** وذاك الجمع والعدد
أراهم كلهم دخلوا ** جحور الذل واختُضِدُوا
أو ارتدُّوا على الأعقا ** ب فليجدوا الذي أجد
وينتفض شاعرنا الأديب أثناء حرب غزَّة العزَّة في معركة الفرقان، ويعلن حبَّه لأهل الجهاد والمقاومة للعدو الصهيوني المستكبر المجرم، ويسطّر رائعة من أجمل قصائده عنها، ويُعلنُ على قناة المجد الفضائيَّة أنَّ خلاص الأمَّة على أيدي أطهارها، حيث استضافته قناة المجد في برنامجها (غزَّة شموخ وعزَّة) الذي كان يُعرض أثناء حرب معركة الفرقان بين جند الإسلام وجند بني صهيون، وقد تجلَّى فيها قوَّة إلقاء الشاعر على كبر سنَّه ووخط الشيب لشعره ولحيته؛ لينشد ويحدو مع الصادقين في غزَّة أبيات العزَّة قائلا:
طوفوا بها طوف المحب الهائم --- واستبشروا خيراً بطيب نسائم
يكفي الزمان إذا عدَدَتَ مناقبًا --- شماء تلقاها بغزة هاشم
هي دارة الأحرار إرث هدايةٍ --- ظلت على التاريخ أُسَّ مكارم
يا غزة الأحرارِ بِتِّ محَجَّة ال --- أمل المرجَّى للطريق الحاسم
يا خير أجناد أضاءت شمسهم --- في ليل قهر ظالم وجرائم
لا ترهبوا سَكبَ الرصاص فإنَّه --- عنوان جبن فاضح وهزائم
يا خير أجناد الزمان طهارة --- ومنار ليل بالعظائم جاثم
أقررتمُ عين الزمانِ بهمةٍ --- علياء تهزأ بالعدو الغاشم
طوبي لكم من ماجدين تضوَّعت --- بكم الحياةُ عبير مسكٍ دائم
أرسيتم روح الجهاد بأمَّة --- بذلا و تضحيةُ وحفظ محارم
تصبو إليكم كلُّ نفس حرة --- و تُجِلُّكُم عن حاسد ومخاصم([16])
في علاقتي مع الشيخ الشاعر مروان كجك أثناء عملي سابقاً مع مجلَّة البيان الإسلاميَّة، لم أكن أرى منه إلاَّ الفأل الحسن، والتفاؤل الجميل، وما كنت أراه متشائماً في حياته على أنَّه قد كبر به السن، ووهن عظمه، ولم تكن حياته إلاًَّ موافقة لأزمان المصائب والنكبات تلو النكبات تصيب أمَّة الإسلام وهو مع هذا كان يتحدث عن زمن الانتصارات القادم، وأنَّ المستقبل لهذا الدين.
ودعني أيها القارئ العزيز أُريك نموذجين على ما ذكرته في نفسية الشيخ مروان المتفائلة، أحدها نثر والأخرى نظم وشعر، ففي حوار أُجري معه عندما سئل عن رؤيته لمستقبل المسلمين، قال
تباشير النصر قد لاحت ولله الحمد، وإن لم تكن من خلال معارك حاسمة؛ فاليقظة الروحية والنهضة الدينية في مختلف الأصقاع التي يذكر فيها اسم الله بحق وصدق تشي – بإذن الله – بانفراج أزمة هذه الأمة على الرغم مما يجدُّ من مؤامرات خارجية وداخلية على ثوابت الأمة وأسس وحدتها وقوتها. والناس الموجودون من المسلمين اليوم قادرون على النهوض من جديد إذا هم وعوا الأحداث على حقيقتها بعيداً عن الخزعبلات الإعلامية التي تصوِّر المتآمر على الأمة بطلاً، والمنافح عنها متخاذلاً أو مغرضاً أو إرهابياً؛ فبالتغيير الذي يبتدئ من النفس ينبثق الإصلاح وتنطلق النهضة؛ فـ {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11])([17]).
وفي السياق ذاته نلاحظ أنَّه كتب قصيدة من أروع ما سطّر في ديباجته الشعريَّة، وكواغده الرائعة، وريشته الحبريَّة المبدعة، تبشر المسلمين بالنصر المبين، ومن مزاياها أنَّها راجت كثيراً وخصوصاً بين الشباب الصالح في السعوديَّة حيث قام بإنشاد هذه القصيدة الدكتور القارئ عبد العزيز الأحمد في شريط له أسماه : (بشرى) وقام بتلحين هذه الأبيات الجميلة التي كتبها شاعرنا الراحل عليه رحمة الله في قصيدته المسمَّاة: (الزمان النجيب) حيث سأذكر بعض أبياتها الجميلة وكلُّها جميلة :
سيأتي زمان فتي نجيب ... بعون الإله السميع المجيب
ويخضر عودي ، والمكرمات ... يلذن بشعب طهور نسيب
أقام الحضارة في كل صقع ... وأعطى الهداية كل الدروب
فمن ضل ضل عزوفا جهولا ... وعاش الحياة رهين الذنوب
***
سيأتي زمان تدك قلاع ... بناها الطغاة لصنع الكروب
ويشقى رجال تمادوا خداعا ... وظنوا الهداية قتل الشعوب
فأسرف هذا بوأد الرجال ... وأسرف ذاك بكيل الخطوب
فهات الحديد المحمى لنمضي ... لهذا وذاك ونكوي الجنوب
***
سيأتي بحول الإله زمان ... تجوس العدالة كل القلوب
وينكشف الستر عن كل وغد ... وتبلى السرائر في كل ذيب
ويصحو نيام أطالوا الرقود ... على الرضف واستعمرتهم كروب
وينهزم الشرك والمشركون ... ويأتي زمان فتي نجيب
فما أجملها من أبيات بشّر فيها شاعرنا الأريب الأديب أمَّة الإسلام بالنصر القادم، وليست أبياته بحاجة لتعليقة مني فلا عطر بعد عروس، فرحمة الله على شاعرنا الأديب الذي كان رجلا أبياً حُرَّاً، عاش للإسلام، وعمل للإسلام، وربَّى روَّاده على الإسلام.
وهو وإن كان يقول الحق في كثير من الأحيان، فإنَّه يكره المداهنة والنفاق، والتجمل الكاذب للآخرين، والتملق البغيض لقاء شيء من حظوظ الدنيا، وكثيراً ما كنت أسمعه يقول
إذا لم تستطع قول الحق فلا تقل الباطل)، ومع هذا كان يرى أنَّ قولة الحق بحاجة لحكمة وأناة فهو وإن كان يملك حماسة الشباب لكنَّه شيخ كبير في السن فحكمة الشيوخ تغلب عليه وتطبعه بطابعها الرائع الوقور، وحينما وجَّه له أحد الصحفيين سؤالاً في حوار معه وهو: هل تقول كل ما تفكر فيه، أم تضع لأفكارك حواجز إلى جانب حواجز الرقيب؟
أجاب شاعرنا الفذ جواباً يكتب بمداد الذهب حيث قال
قد لا يستطيع الإنسان بصورة عامة والكاتب بصورة خاصة قول كل ما يفكر فيه؛ غير أن ما ينبغي الالتزام به ألا يقول إلا حقاً ولا ينطق إلا صدقاً. قد نقول الحقيقة كلها أو جزءاً منها لاعتبارات مختلفة، ومن الخير للمرء أن يصمت ويسكت من أن يقول باطلاً أو يشارك فيه. ولكلٍّ طاقته؛ فلا يحمّل نفسه ما لا تطيق)([18]).
* وفي الختام كلمة:
بعد تقديم عزائي للإخوة الكرام من آل وعائلة كجك المحترمين، وبالأخص أولاده وزوجته في وفاة فقيدهم الراحل الشيخ الشاعر مروان كجك، فإني أطلب منهم أن يجمعوا تراث والدهم المتناثر هنا وهنالك، في المجلات والصحف والجرائد ومواقع الإنترنت ومجلة (البيان الإسلاميَّة) ومجلَّة (آفاق ثقافية) التي كان يرأس تحريرها الشيخ مروان رحمه الله والتي صدر منها عدَّة أعداد، فحبذا لو جمعت مقالاته وكتاباته في كتاب أو عدَّة كتب إن كانت كثيرة، وتقسَّم على حسب العناوين وتوضع كل مجموعة من المقالات مع ما يلائمها تحت محور معيَّن، ليقرأها الجيل المؤمن، وتكون من العلم الذي يُنتفع به بإذن الله عزَّ وجل، وكذلك لا ينسوا طباعة ديوانه (بوارق الفجر) الذي أعلن عنه الشاعر في قصيدة نشرها في مجلَّة البيان وكتب آخرها أنَّها ستُنشرُ في ديوانه المذكور، فمن المهم أن يُطبع هذا الديوان ، مع جمع ما تفرق من قصائد كتبها هنا وهنالك ولم يضعها في ديوانه (بوارق الفجر) فلربَّ ديوان أو كتاب ينتشر بعد وفاة مؤلفه أكثر من انتشاره في حياته، إذ كثير منَّا وللأسف لا يعرفون أقدار رجالهم وقاماتهم إلاًّ بعد وفاتهم.
رحم الله شاعرنا الفقيد مروان وأسكنه فسيح جنَّاته، وعوضه داراً خيراً من داره، وأهلا خيراً من أهله، وتجاوز عن ذنوبه وخطاياه، ورفع مقامه وأعلى درجته في عليين، وحشره مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.