كثيرة هي العادات الحسنة التي لم نعمل بها في حياتنا، رغم أنها تضمن لنا مستقبلاً واعداً، قائماً على أعمدة راسخة. فما بالنا نكره بعض تلك العادات، أو نخشى العمل بها؟.
أظن أن السبب في ذلك هو جهلنا بأهمية تلك العادات، أو خوفنا من بروز نقاط ضعفنا لدى التعاطي بها، أو لعلنا نخشى الفشل في طريقة أدائنا لها.
ومن هذه العادات الحسنة «النقد» سواء للأفكار، أو السلوك.. ومن الضرورة بمكان أن ندرك بأن النقد نقد - من المال -. ولكن علينا أن نبحث عن الطرق السوية للعمل بهذه العادة، وأن نحوّلها إلى مهارة إيجابية في علاقاتنا مع الآخرين.
والنقد غير الانتقاد.. فالنقد هو الطريقة الإيجابية للإعراب عن الاختلاف في الفكرة، أو السلوك. أما الانتقاد فهو الطريقة السلبية لعملية النقد.
النقد فن ومهارة
إن ممارسة عملية النقد لا تعني بالضرورة إننا نعيش أزمة في حياتنا ، وإنما هي عملية نقد خاصة موجهة تجاه سلوك معين، أو قصور في الاطلاع وعدم المعرفة .
هناك من يتقبل النقد بروح رياضية مرحة، وآخر يبالغ في ردةّ فعله، حيث تكون عنيفة جداً. إنه يزكي نفسه، وينظر إلى فكره أكبر من أن يزل. إنه من البشر الذي لا يخطئ.
صحيح أن ليس كل نقد صحيحاً، ولكن ينبغي مناقشته بروح طيبة، وأناة واسعة، وعلى الناقد مثل ذلك، إذ يتوجب عليه وضع رأيه على طاولة المناقشة، وفهم رأي الآخر فلعل رأيه يكون صحيحاً.
الإكثار من النقد بحاجة إلى دقة، وسمو طريقة. وعلى الناقد أن يختار الطريقة المناسبة، والتي تبدو فيها الهدفية، وليس للانتقام، أو التحقير وجعله فرصة للانتقاص من الآخر كما يفعل البعض. إنه أسلوب فض، يحمل الآخر على التفكير في الانتقام، فيتحين الفرصة للرد عليه في أسرع وقت ممكن، وبطريقة لاذعة كما فعل به.
وليس كل خطأ يستلزم النقد مباشرة، بل ينبغي استثمار الفرصة المناسبة التي تسمح بذلك. فما يجب أن يؤكد عليه هو أن عملية النقد هي فرصة للبناء، والإصلاح، باستئصال الخطأ وإحلال الصح مكانه.
وكيف أنقد؟
النقد ليس معركة نخوضها، وإنما هو عملية إصلاح بلطف بالغ. ومن هنا كان لابد من البدء بالثناء على حسنات الآخر وذكر الإيجابيات قبل الانتقاد والشكوى. وهذا بعض الفن والمهارة.
فهناك أساليب وطرق عديدة في كيفية توصيل طرق الانتقاد وتوصيل الأمر الذي يزعج الطرف الآخر، ولكن ينبغي علينا تعلم ذلك، وتغيير أساليب الانتقاد المباشر حتى يتقبل الطرف المُنتقَد الانتقاد بروح إيجابية. ولو فرضنا أن الأسلوب كان خاطئاً علينا أن نعرف أن الطرف المُنتقد يريد تغيير أسلوب سيئ لدينا للأحسن، وإن أساء تقديم النقد. وعلينا أن نتساءل ما الذي أريد توصيله للآخرين بالضبط؟.وما الذي أريد تغييره؟. وما هي دوافعي لإظهار النقد؟. وما الحلول والأهداف المرجوة لإيصال النقد؟ ومن التغيير، ومن ثم ما الذي يمكنني فعله لمساعدة الشخص على تحقيق التغيير؟.
لا تخف من النقد
هناك أناس يهابون النقد، وهم غير معتادين عليه، ويصل بهم الحرج الشديد إلى درجة لو أن أحداً أنتقدهم، أو قّال لهم ملاحظة، رغم إننا نعلم أن عملية النقد هي حالة إيجابية، حتى وإن كان النقد غير صحيح، والملاحظة التي أعطيت إلينا غير صحيحة، فما الضير من الاستماع والاستفادة مما قيل؟.
صحيح إن عملية النقد هي -أساساً- طاقة سلبية في بدايتها، إلا إنها تتحول إلى طاقة إيجابية في حال تفهمها وتقبّلها، وقد ورد في مجلة «نيو إنجلاند» الطبية تقرير يفيد بأن الحديث عن أخطاء الشخص يؤدي إلى خلل في نبضات قلبه. هل هو خلل بسيط؟ كلا.. إن الخلل يشبه ما يحدث عند مواصلة الأداء العنيف على الدراجة الثابتة، والوصول إلى حدّ الإرهاق، أو الإحساس بالألم في منطقة الصدر.
ما السبب في أن الانتقاد يجعلنا نشعر كما لو أننا تعرضنا لطعنة في القلب؟
لماذا نسعى لرد هذه الطعنة، رغم معرفتنا الكاملة بأن هذا هو أسوأ ما يمكن أن نقوم به؟