كان الناس قبل الإسلام يتزوجون من شاءوا من النساء بغير قيد ولا شرط، حتى جاء الإسلام فوضع لهذا التعدد حدًا وشرط له شرطًا.
فأما الحد فجعل أقصى العدد أربعًا لا يزاد عليهن بحال: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: من الآية3]، ولما أسلم رجل من ثقيف ومعه عشر نسوة، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعًا، ويطلق الباقي(1).
وأما الشرط ، فيتمثل في ثقة الرجل في نفسه بالعدل، وإلا حرم عليه الزواج بالمرأة الأخرى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: من الآية3].
وهذا إلى جوار توافر الشروط الأخرى لأي زواج، مثل: القدرة على الإنفاق، والقدرة على الإحصان.
وإنما أباح الإسلام ذلك؛ لأنه دين واقعي، لا يحلّق في مثاليات حالمة، ويترك مشكلات الحياة دون علاج مقدور عليه. فالزواج الثاني قد يحل مشكلة عند الرجل الذي لا تنجب امرأته، أو تطول عندها فترة الحيض، وهو قوي الشهوة، أو يصيبها المرض، ويستمر معها، ولا يريد أن يطلقها إلى غير ذلك.
وقد يحل مشكلة عند المرأة الأرملة التي يموت زوجها ولا تطمع في الزواج من شاب لا زوجة له، ومثلها المطلقة وهي شابة، وخصوصًا لو كان لها طفل أو أكثر.
وقد يحل مشكلة عند المجتمع كله، عندما يزيد عدد النساء الصالحات للزواج عن عدد الرجال القادرين على النكاح، وهذا قائم باستمرار، ويزداد تفاقمًا بعد الحروب ونحوها.
فماذا نفعل بالعدد الفائض من النساء؟ إنها واحدة من ثلاث:
1- أما يقضين العمر كله محرومات من حياة الزوجية والأمومة، وهذا ظلم لهن.
2- وإما أن يشبعن غرائزهن من وراء ظهر الدين والأخلاق، وهذا ضياع لهن.
3- وإما أن يقبلن الزواج من رجل متـزوج قادر على النفقة والإحصان، واثق بالعدل، وهذا هو الحل المناسب.
أما سوء استعمال هذه الرخصة أو هذا الحق، فكم من حقوق يساء استخدامها، ويتعسف في استعمالها، ولا يؤدي ذلك إلى إسقاطها وإلغائها. الزواج الأول نفسه كم يساء استخدامه، فهل نلغيه؟ الحرية كم يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ الانتخابات يساء استخدامها، فهل نلغيها؟ السلطة.. أيًا كانت يساء استخدامها، فهل نلغيها وندع الحياة فوضى؟
إن الأولى –بدل أن ننادي بإلغاء الحق- أن نضع الضوابط لاستخدامه، ونعاقب من يسيء في ذلك، قدر ما نستطيع.
[القرار 4/ 4]
--------------------------------------------------------------------------------
(1) أخرجه أحمد (رقم: 4609، 4631، 5027، 5558) والترمذي (رقم: 1128)، وابن ماجة (رقم: 1953) من حديث عبد الله بن عمر. وصحح الحديث ابن حبان (رقم: 4156-4158)، والحاكم (2/192)، وابن حزم في "المحلى" (9/441)، وأعله طائفة من أهل الحديث من جهة الإسناد، ولا خلاف في صحة معناه.