قيام الدولة السعودية الأولى (1745 – 1811) قيام الدولة السعودية الأولى (1745 – 1811)
على أثر انتقال محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية لحق به الكثير من أتباعهه من العيينة وسائر واحات نجد . كانت عاصمة الدولة السعودية الشاسعة آنذاك تعيش حياة البؤس . ولم يتمكن ابن سعود حتى من تأمين الأغذية لأعز تلاميد محمد بن عبد الوهاب الذي كان يمارس تأثيره بقوة الإقناع فقط . واطلع محمد بن عبدالوهاب أتباعه وأنصاره على مبادئ مذهبه وأوحى لهم فكرة ضرورة الجهاد ضد الكفرة . وبعد أولى غزوات الدرعيين على جيرانهم وزعت الغنائم بالعدل طبقا لأحكام الوهابية : الخمس لابن سعود والباقي للجند : ثلث للمشأة وثلثان للخيالة . وكان التمسك بالوهابية يكافأ ماديا . وإذا كان الغزو في السابق مجرد حملة شجاعة ، فقد تحول الآن إلى انتزاع أموال المشركين وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين . ولم تكن عمليات الوهابيين الحربية تختلف عن النزاعات العادية بين الدويلات – الواحات . غارة سريعة وكمين تنصبه بضع عشرات من المحاربين وبضع عشرات من الإبل أو الأغنام التي يتم الاستيلاء عليها في حالة الانتصار وأشجار نخيل مقطوعة وحقل منهوب أو عدة منازل منهوبة – تلك هي (منجزات) الدرعيين في لاسنوات الأولى بعد مجيء محمد بن عبدالوهاب إليهم . إلا أن راية تجديد الدين منحت أمير الدرعية وزنا ومنزلة . وأخذ مؤرخو نجد يلقبونه بالإمام . وصار يعتبر أميرا للمؤمنين ، أي لجميع المنضمين إلى الوهابية . وأثناء الصلاة كان في مقدمة جمهور المصليين .
فرض زعامة الدرعية في وسط نجد . كان المحاربون من العيينة بزعامة بن مصر أنصارا ثابتين للدرعيين ، حتى أن أميرا من العيينة قاد القوات التي توحدت في السنوات الأولى . وارتبط عثمان بن معمر بالسعوديين بصلة قربى حيث زوج ابنته من عبدالعزيز بن محمد . وفي عام 1748 ولد ابنهما سعود الذي بلغ الوهابيون أوج قوتهم في عهده . إلا أن العداء حتى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماما في الجزيرة العربية ، فلا داعي للدهشة من تطور الأحداث لاحقا . وكان لموقف محمد بن عبدالوهاب الذي لم ينس أن أمير العيينة نفاه منها أهمية حاسمة في التنافس بين حكام الدرعية والعيينة . واتهموا أمير العيينة كذلك بأنه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الإحساء محمد بن عفالق وأعد المدة للخيانة . وفي حزيران (يونيو) 1750 قتله الوهابيون من أبناء واحته بعد صلاة الجمعة . وصار حاكما للواحة قريبه مشاري بن ابراهيم بن معمر المعتمد على الدرعية . وبعد عشر سنوات فقدت العيينة استقلالها نهائيا . فقد نحى محمد بن عبدالوهاب مشاري وأسكنه الدرعية مع عائلته وعين بدلا منه شخصا خاضعا للسعوديين كليا . ووصل محمد بن عبدالوهاب شخصيا إلى العيينة وأمر بتدمير قصر آل معمر .
وبعد خمس سنوات من التحالف بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود كانت سلطة أمير الدرعية لاتزال موضعا للشك والمجادلة حتى في أقرب الواحات . وفي 1750-1753 حاولت إمارات منفوحة وحريملا وضرمى التي كانت بين أوائل الذين تحالفوا مع الوهابيين أن تفصم عرى التبعية للدرعية . وشجع الانتفاضة في حريملا سليمان أخو محمد بن عبدالوهاب . وبعث إلى كافة أرجاء نجد رسائل شجب فيها تعاليم أخيه . وبتأثير الدعاية المناهضة للوهابية بدأت القلاقل حتى في العيينة . إلا أن عبدالعزيز تمكن مع 800 من المشأة و20 من الخيالة من الاستيلاء على حريملا في عام 1755 ، وفر سليمان إلى سدير . وظل أمير الرياض دهام بن دواس المنافس الرئيس للسعوديين . وكانت الغزوات من الدرعية والرياض على بعضهم البعض تجري كل عام تقريبا . وقاتل مع دهام على التوالي سكان مناطق وواحات الوشم وسدير وثادق وحريملا . إلا أن الوهابيين كانوا هم الجانب المهاجم في الغالب .
وعلى مسرح الأحداث في نجد ظهر الإحسائيون من جديد في أواخر الخمسينات ، وقد قادهم خلال بضع سنين حتى ذلك الحين زعيم نشيط هو عريمر بن دجين . فقد قاموا بحملة على وسط الجزيرة ، ولكنهم لم يوفقوا فيها . وانتقلت المبادرة مرة أخرى إلى الدرعية . وفي أواخر عام 1764 قام زعيم القبائل البدوية في منطقة نجران الحسن بن هبة الله بحملة على الدرعية . ودحر قوات عبدالعزيز عن آخرها ، حيث كبدها حوالي 500 قتيل و 200 أسير . وأبدى محمد بن عبدالوهاب دهاءا دبلوماسيا كبيرا فسارع لعقد الصلح على أساس دفع تعويضات الحرب وتبادل الأسرى . وانسحب النجرانيون دون أن ينتظروا وصول عريعر من الإحساء . ووصلت قوات عريعر المسلحة بالمدافع إلى ضواحي الدرعية في بداية عام 1765 . وانضم إليها الكثير من النجديين ، بمن فيهم دهام أمير الرياض وزيد بن زامل أمير الخرج . إلا أن حصار الدرعية أخفق . وفي ذلك العام توفي محمد بن سعود . وخلقه عبدالعزيز . ويشير ابن غنام وابن بشر إلى أن عبدالعزيز لم يكن ولي العرش فقط ، بل كان إماما للوهابيين .
وبعد الهزة التي نجمت عن لهزيمة أمام النجرانيين وغزو الإحسائيين تماثلت إمارة السعوديين للشفاء بسرعة . واستمر توسعها بوتائر متسارعة ، وفي أواخر الستينات أخضع الوهابيون كليا الوشم وسدير وهاجموا واحة الزلفى الواقعة شمال شرقي مقاطعة القصيم النجدية الغنية وشنوا حملات ناجحة على البدو جنوبي وشرقي نجد . وخضعت مفارز من قبائل سبيع والظفير للوهابيين . وفي عام 1769-1770 أقسم القسم الأكبر من القصيم يمين الولاء للوهابية والسعوديين .
وفي هذه الظروف غدا وضع الرياض المطرقة من جميع الجهات باتباع أو حلفاء الوهابيين ميئوسا منه . وفي إحدى المناوشات قتل الدرعيون اثنين من أبناء دهام . وتدهورت معنويات أمير الرياض العجوز . وعندما وصل الوهابيون في صيف 1773 إلى الرياض رأوا أن المدينة خالية من سكانها . وفر أمير الرياض مع عائلته . وحذت حذوه أغلبية السكان الذين كانوا يخشون ، وليس بدون حق ، من ثأر خصومهم القدامى . وهلك كثير من سكان الرياض في الطريق بسبب الحر والعطش ، كما سقط الكثيرون بسيوف الوهابيين . وانتهى الصراع من أجل السيطرة في وسط نجد بعد أن استغرق حوالي ربع قرن . ولكنه لم يخرج عن نطاق النزاع القبلي . وتفيد حسابات المؤرخين التي هي ربما أقل مما في الواقع أن عدد القتلى بلغ 4-5 آلاف شخص يشكل اتباع دهام أكثر من نصفهم . ويمكن أن نوافق على رأي فيلبي الذي كتب يقول : (حتى ذلك الحين كان عبدالعزيز يتربع منذ ثماني سنوات على عرش الدرعية التي كانت أكبر شأنا بقليل من سائر (primus inter pares) الدويلات العديدة في الجزيرة العربية . إلا أن الوهابيين حصلوا على قاعدة متينة لمواصلة توسيع دولتهم .
كانت سلطة السعوديين قائمة ليس فقط على قوة السلاح . فكل واحة تضم إلى الدولة يصلها من الدرعية علماء وهابيون يدعون إلى التوحيد الحقيقي . وأخذ قسم من سكان نجد يعتبر الدرعية ليس مجرد عاصمة لإمارة قوية بل ومركزا روحيا ، ويعتبر حكام الدرعية ليس مجرد أمراء أقوياء بل ومناضلين في سبيل نقاوة الدين . ولا يغيبنعن البال أن العلمءا وأنصار الوهابيين في الإمارات المعادية للدرعية كانوا يفتتون المقاومة من الداخل .
وعلى العموم تمكن السعوديون بصعوبة كبيرة ، رغم الجهود الهائلة ، من قهر مقاومة الأمراء المستقلين . وكان واضحا أثر قوى التجزئة واللامركزية والفوضى القبلية . ولذا تعين مرور عشرة أو إثنى عشر عاما على سقوط الرياض لتقع نجد كلها تحت سيطرة الدرعية .
على أثر انتقال محمد بن عبدالوهاب إلى الدرعية لحق به الكثير من أتباعهه من العيينة وسائر واحات نجد . كانت عاصمة الدولة السعودية الشاسعة آنذاك تعيش حياة البؤس . ولم يتمكن ابن سعود حتى من تأمين الأغذية لأعز تلاميد محمد بن عبد الوهاب الذي كان يمارس تأثيره بقوة الإقناع فقط . واطلع محمد بن عبدالوهاب أتباعه وأنصاره على مبادئ مذهبه وأوحى لهم فكرة ضرورة الجهاد ضد الكفرة . وبعد أولى غزوات الدرعيين على جيرانهم وزعت الغنائم بالعدل طبقا لأحكام الوهابية : الخمس لابن سعود والباقي للجند : ثلث للمشأة وثلثان للخيالة . وكان التمسك بالوهابية يكافأ ماديا . وإذا كان الغزو في السابق مجرد حملة شجاعة ، فقد تحول الآن إلى انتزاع أموال المشركين وإحالتها إلى المسلمين الحقيقيين . ولم تكن عمليات الوهابيين الحربية تختلف عن النزاعات العادية بين الدويلات – الواحات . غارة سريعة وكمين تنصبه بضع عشرات من المحاربين وبضع عشرات من الإبل أو الأغنام التي يتم الاستيلاء عليها في حالة الانتصار وأشجار نخيل مقطوعة وحقل منهوب أو عدة منازل منهوبة – تلك هي (منجزات) الدرعيين في لاسنوات الأولى بعد مجيء محمد بن عبدالوهاب إليهم . إلا أن راية تجديد الدين منحت أمير الدرعية وزنا ومنزلة . وأخذ مؤرخو نجد يلقبونه بالإمام . وصار يعتبر أميرا للمؤمنين ، أي لجميع المنضمين إلى الوهابية . وأثناء الصلاة كان في مقدمة جمهور المصليين .
فرض زعامة الدرعية في وسط نجد . كان المحاربون من العيينة بزعامة بن مصر أنصارا ثابتين للدرعيين ، حتى أن أميرا من العيينة قاد القوات التي توحدت في السنوات الأولى . وارتبط عثمان بن معمر بالسعوديين بصلة قربى حيث زوج ابنته من عبدالعزيز بن محمد . وفي عام 1748 ولد ابنهما سعود الذي بلغ الوهابيون أوج قوتهم في عهده . إلا أن العداء حتى الموت بين الأقارب ظاهرة عادية تماما في الجزيرة العربية ، فلا داعي للدهشة من تطور الأحداث لاحقا . وكان لموقف محمد بن عبدالوهاب الذي لم ينس أن أمير العيينة نفاه منها أهمية حاسمة في التنافس بين حكام الدرعية والعيينة . واتهموا أمير العيينة كذلك بأنه أجرى مراسلات سرية مع حاكم الإحساء محمد بن عفالق وأعد المدة للخيانة . وفي حزيران (يونيو) 1750 قتله الوهابيون من أبناء واحته بعد صلاة الجمعة . وصار حاكما للواحة قريبه مشاري بن ابراهيم بن معمر المعتمد على الدرعية . وبعد عشر سنوات فقدت العيينة استقلالها نهائيا . فقد نحى محمد بن عبدالوهاب مشاري وأسكنه الدرعية مع عائلته وعين بدلا منه شخصا خاضعا للسعوديين كليا . ووصل محمد بن عبدالوهاب شخصيا إلى العيينة وأمر بتدمير قصر آل معمر .
وبعد خمس سنوات من التحالف بين محمد بن عبدالوهاب ومحمد بن سعود كانت سلطة أمير الدرعية لاتزال موضعا للشك والمجادلة حتى في أقرب الواحات . وفي 1750-1753 حاولت إمارات منفوحة وحريملا وضرمى التي كانت بين أوائل الذين تحالفوا مع الوهابيين أن تفصم عرى التبعية للدرعية . وشجع الانتفاضة في حريملا سليمان أخو محمد بن عبدالوهاب . وبعث إلى كافة أرجاء نجد رسائل شجب فيها تعاليم أخيه . وبتأثير الدعاية المناهضة للوهابية بدأت القلاقل حتى في العيينة . إلا أن عبدالعزيز تمكن مع 800 من المشأة و20 من الخيالة من الاستيلاء على حريملا في عام 1755 ، وفر سليمان إلى سدير . وظل أمير الرياض دهام بن دواس المنافس الرئيس للسعوديين . وكانت الغزوات من الدرعية والرياض على بعضهم البعض تجري كل عام تقريبا . وقاتل مع دهام على التوالي سكان مناطق وواحات الوشم وسدير وثادق وحريملا . إلا أن الوهابيين كانوا هم الجانب المهاجم في الغالب .
وعلى مسرح الأحداث في نجد ظهر الإحسائيون من جديد في أواخر الخمسينات ، وقد قادهم خلال بضع سنين حتى ذلك الحين زعيم نشيط هو عريمر بن دجين . فقد قاموا بحملة على وسط الجزيرة ، ولكنهم لم يوفقوا فيها . وانتقلت المبادرة مرة أخرى إلى الدرعية . وفي أواخر عام 1764 قام زعيم القبائل البدوية في منطقة نجران الحسن بن هبة الله بحملة على الدرعية . ودحر قوات عبدالعزيز عن آخرها ، حيث كبدها حوالي 500 قتيل و 200 أسير . وأبدى محمد بن عبدالوهاب دهاءا دبلوماسيا كبيرا فسارع لعقد الصلح على أساس دفع تعويضات الحرب وتبادل الأسرى . وانسحب النجرانيون دون أن ينتظروا وصول عريعر من الإحساء . ووصلت قوات عريعر المسلحة بالمدافع إلى ضواحي الدرعية في بداية عام 1765 . وانضم إليها الكثير من النجديين ، بمن فيهم دهام أمير الرياض وزيد بن زامل أمير الخرج . إلا أن حصار الدرعية أخفق . وفي ذلك العام توفي محمد بن سعود . وخلقه عبدالعزيز . ويشير ابن غنام وابن بشر إلى أن عبدالعزيز لم يكن ولي العرش فقط ، بل كان إماما للوهابيين .
وبعد الهزة التي نجمت عن لهزيمة أمام النجرانيين وغزو الإحسائيين تماثلت إمارة السعوديين للشفاء بسرعة . واستمر توسعها بوتائر متسارعة ، وفي أواخر الستينات أخضع الوهابيون كليا الوشم وسدير وهاجموا واحة الزلفى الواقعة شمال شرقي مقاطعة القصيم النجدية الغنية وشنوا حملات ناجحة على البدو جنوبي وشرقي نجد . وخضعت مفارز من قبائل سبيع والظفير للوهابيين . وفي عام 1769-1770 أقسم القسم الأكبر من القصيم يمين الولاء للوهابية والسعوديين .
وفي هذه الظروف غدا وضع الرياض المطرقة من جميع الجهات باتباع أو حلفاء الوهابيين ميئوسا منه . وفي إحدى المناوشات قتل الدرعيون اثنين من أبناء دهام . وتدهورت معنويات أمير الرياض العجوز . وعندما وصل الوهابيون في صيف 1773 إلى الرياض رأوا أن المدينة خالية من سكانها . وفر أمير الرياض مع عائلته . وحذت حذوه أغلبية السكان الذين كانوا يخشون ، وليس بدون حق ، من ثأر خصومهم القدامى . وهلك كثير من سكان الرياض في الطريق بسبب الحر والعطش ، كما سقط الكثيرون بسيوف الوهابيين . وانتهى الصراع من أجل السيطرة في وسط نجد بعد أن استغرق حوالي ربع قرن . ولكنه لم يخرج عن نطاق النزاع القبلي . وتفيد حسابات المؤرخين التي هي ربما أقل مما في الواقع أن عدد القتلى بلغ 4-5 آلاف شخص يشكل اتباع دهام أكثر من نصفهم . ويمكن أن نوافق على رأي فيلبي الذي كتب يقول : (حتى ذلك الحين كان عبدالعزيز يتربع منذ ثماني سنوات على عرش الدرعية التي كانت أكبر شأنا بقليل من سائر (primus inter pares) الدويلات العديدة في الجزيرة العربية . إلا أن الوهابيين حصلوا على قاعدة متينة لمواصلة توسيع دولتهم .
كانت سلطة السعوديين قائمة ليس فقط على قوة السلاح . فكل واحة تضم إلى الدولة يصلها من الدرعية علماء وهابيون يدعون إلى التوحيد الحقيقي . وأخذ قسم من سكان نجد يعتبر الدرعية ليس مجرد عاصمة لإمارة قوية بل ومركزا روحيا ، ويعتبر حكام الدرعية ليس مجرد أمراء أقوياء بل ومناضلين في سبيل نقاوة الدين . ولا يغيبنعن البال أن العلمءا وأنصار الوهابيين في الإمارات المعادية للدرعية كانوا يفتتون المقاومة من الداخل .
وعلى العموم تمكن السعوديون بصعوبة كبيرة ، رغم الجهود الهائلة ، من قهر مقاومة الأمراء المستقلين . وكان واضحا أثر قوى التجزئة واللامركزية والفوضى القبلية . ولذا تعين مرور عشرة أو إثنى عشر عاما على سقوط الرياض لتقع نجد كلها تحت سيطرة الدرعية .