المرأة العربية أثمن ثروات العرب

المرأة العربية أثمن ثروات العرب



كان العرب يعطون تربيتهم لبناتهم جل اهتمامهم أكثر من اهتمامهم في أي شيء آخر , ذلك أن المرأة العربية في نظرهم هي التي تحمل راية شرفهم وتعليها بين بيوتات العرب وأسرهم وأشرافهم وقبائلهم , ومنذ نعومة أظفارهن وهن ينهلن من معين أخلاقيات العرب التي أقر الإسلام كثير منها رغم أنها من موروثات العرب في مرحلة ما قبل الإسلام .

وكان العرب رغم العادة الموجودة والتي قلما تحدث وهي وأد البنات ,إلا أن الأمر كان يصل إلى حد الظاهرة فقط والظاهرة عادة تطلق على الأمر إذا قاربت 10% من المجموع, ورغم أن القرآن لم يتحدث عن أعداد أو نسب إلا أن هذا الأمر قد حدث بما لا يمكن معرفة الكم الذي حدث به, ولكن التحليل المنطقي يؤكد أنها قلما حدثت وإلا لما وجد العرب القدرة على التزوج من زوجة واحدة لكل رجل , فضلا عن تعدد الزوجات غير المعقول بالجاهلية الذي كان غير مقننا بأية شرائع , وقد يعتقد البعض أن البنات العربيات اللواتي تعرضن للوأد أعداد هائلة وهو أمر فيه نظر , ورغم أن الكثير من رجالات العرب كانت تسودُّ وجوههم إذا بشر بالأنثى غير أن ذلك ليس عاماً , فقد كان بعضهم يتعاملون مع المرأة باحترام وتقدير شديدين و يستبشرون بولادة الفتاة فحين بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بولادة فاطمة سيدة نساء الجنة , قال صلى الله عليه وسلم ((ريحانة أشمها ورزقها على الله )) . وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الجاهلية وقبل إسلامه لما شج أخته فاطمة بنت الخطاب حين علم أنها أسلمت , رق لها وهو يرى الدم يسيل من أعلى وجهها كان ذلك الموقف إلى جانب دعوة الرسول بإسلام أحد العمرين , سبباً في إسلامه , وقد دخل عمرو بن العاص على معاوية بن أبي سفيان وهو يلاعب بابنته الصغيرة عائشة فقال عمرو : من هذه؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب. فقال عمرو: أنبذها عنك , فوالله إنهن ليلدن الأعداء , ويقربن البعداء , ويورثن الضغائن , قال : لا تقل ذاك يا عمرو , فوالله ما مرَّض المرضى , ولا ندب الموتى , ولا أعان على الأحزان مثلهن , ورب ابن أخت قد نفع خاله .

وكانت الخنساء المرأة التي فقدت أربعة من أبنائها في معركة القادسية , تأتي إلى أخيها غير الشقيق صخر الذي ملأت المكتبة العربية في مدائحه وكما قالت الخنساء لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين دخلت عليها (( وقد لبست صدار من شعر استشعرته إلى جلدها فقالت لها : ما هذا يا خنساء ؟ فوالله لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما لبسته! قالت أن له معنى دعاني إلى لباسه , وذلك أن أبي زوجني سيد قومه وكان رجلاً متلافاً فأسرف في ماله حتى أنفذه, ثم رجع في مالي فأنفذه أيضاً, ثم التفت إليَّ فقال: إلى أين يا خنساء ؟ قلت: إلى أخي صخر ! قالت: فأتيناه فقسم ماله إلى شطرين, ثم خيَّرنا في أحسن الشطرين ... فلم يزل زوجي حتى أذهب جميعه , ..., فرحلنا إلى صخر, فقسم ماله شطرين وخيرنا في أفضل الشطرين, فقالت زوجته : أما ترضى أن تشاطرهم مالك حتى تخيرهم بين الشطرين ؟ فقال :

والله لا أمنحها شـرارها فلو هــلكْتُ قــدَّدَت خــمارها

واتخذت من شعرصدارها وهي حصان قد كفتني عارها

فآليت ألا يفارق صدري ما حييت )) . لقد أعطاها في كل مرة النصف الأفضل من ماله لمجرد معرفته المسبقة أنها الأكثر حزناً عليه إذا مات , إلى جانب فخره بها لحمايتها لشرفه في حياتها .

وهكذا كان وفاء الأخ والأخت الذي لا يقابله شيء على الإطلاق , يحكى أن أحد ملوك اليونان القدماء وكان شاباً لا يزال ولياً للعهد , فنعي له والده , فقال ورثت عرشي , ونعيت له أمه بعد فترة من الزمن فقال : ملكت أمري , ثم بعد فترة نعيت له زوجته فقال : جددت فراشي , ولكن حين نعي له أخوه قال : آه لقد قصم ظهري.

ومن هنا يأتي موقف الخنساء ففي الوقت الذي نجدها صابرة محتسبة لوفاة أربعة من أبنائها , فقد كانت حزينة على أخيها حزناً أبكى الشعر العربي ذاته .

ولقد كانت المرأة العربية تأنف من الزواج من غير العربي الذي ترى فيه كفاءة بالنسب والشرف , وهو ما حصل لبنات زعيم الحيرة وملك المناذرة النعمان بن المنذر الذي طلب كسرى وهو زعيم أكبر إحدى قوتين سياسيتين وعسكريتين في عالم القرنين السادس والسابع الميلاديين, حين كان العالم يقع تحت نير سلطة أول قطبين وقوتين عظميين على الإطلاق فارس وبيزنطة آنذاك , فقد سمع كسرى عن جمال بنات العرب ويختلف الرواة من أن كسرى قد أراد أن يضيف إحداهن إلى محضياته كما يردد بعض أعداء العرب , وبين رواية أخرى من أنه يريد إحداهن زوجاً لولي عهده .

وما كان من ملك عربي أن يقبل بمثل أي من الحالتين فزواج بنت ملك عربي من زعيم أعجمي دونه قرط القتاد , وحين اعتذر ولم يقبل عذره وتم استدعاؤه للحيرة , عرف ماهو العقاب الذي ينتظره كما عرف قدراته وقوته بأنه لن يستطيع مواجهة كسرى فكان أول عمل قام به هو تأمين بناته لدى القبائل العربية التي تصون عرضه وشرف العرب .ووجد ضالته في هانئ بن قبيصة الشيباني , زعيم بني شيبان وتحالف قبائل أخر مع بني بكر وغيرها . في حين ذهب بأنفةِ العربي للدفاع أو للإقناع, وهو يعرف أن مصيره السجن أو القتل , ولكنه فيما يبدو لم يكن يتصور جبروت كسرى وحقده واستهانته بالعرب, حين رمى الملك العربي تحت سنابك الفيلة لتدوسه حتى الموت .

لقد ضحى هذا العربي الشريف بملكه وملك ابنه من بعده بل وملك أسرته المناذرة من أجل درء العار الذي ربما لحق بقومه , أو بأسرته أمام العرب , في حين قامت الأمة بالانتقام من قاتل ملك دافع عن شرف أمته حيث كانت معركة ذي قار أول نصر عربي على العجم كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم .

لقد كانت المرأة العربية تعيش هموم أمتها وقومها , وما كانت ترتاح أو تخلد لأُنسٍ أو لهو وهي تشاهد مصائب قومها , فقد كانت عبس وذبيان تتقاتلان لسنوات عديدة زهق من أبناء القبيلتين بسبب هذه الحرب عشرات ومئات دون أن تفتر أو تتوقف , ويقال أن أحد زعماء العرب وأسمه الحارث , أراد الزواج من حي من قبائل العرب , فأخذ وجاهته من قومه وذهب إلى رجل يكافئه بالنسب من قبيلة أخرى , وضاف عنده وطلب يد إحدى بناته , فدخل والد الفتيات الثلاث إلى زوجته وقال هذا الحارث أحد وجوه العرب وزعماؤهم , وإنه يريد إحدى بناتي للزواج فأيهن أنسب له تشرفني عنده, قالت والدتهن أما الأولى ففيها ...والثانية... أما الصغرى فهي أنسبهن له وهي التي تشرفك , فزوجها إياه وأراد أن يدخل بها من ليلته , وحين خلى بها قالت , يا أبا فلان أتأتيني في بيت أبي ! والله لا تتحدث العرب في ذلك , فعجل بالسفر من الصباح نحو مرابع قبيلته , وفي المساء نصب خدمه الخيام وهو في الطريق قبل الوصول إلى مواطن قبيلته وأراد أن يبني بها , فقالت: أتأتيني كما تؤتى الجواري , والله لا تتحدث العرب في ذلك , فاستحى ومع الصباح أعجل إلى حيث قبيلته ومع أفراح القبيلة في المساء فوجئ بعروسه تقول: يأبا فلان , أيلذ لك العيش والنساء وقومك يقتل بعضهم بعضاً , قال وما أفعل بهم , قالت أنت من وجهاء العرب فقم إلى وجهائهم وأصلح بين عبس وذبيان وكف القتل بينهم واحفظ دماء العرب, فاستحى ,وقام وجمع وجهاء من العرب وساروا إلى زعماء عبس وذبيان وطلبوا إنهاء القتال وتكفلوا بدفع ديات الحرب وغراماتها , ودفع هؤلاء الزعماء حوالي ثلاثين ألف ناقة وفي رواية ثلاثة آلاف , ووقفت الحرب التي كانت تستعر أوارها حوالي أربعين سنة , وعاد إلى عروسه الفرحة به , هكذا كانت تربية فتاة عربية أصيلة بحكمتها وحنكتها وذكائها أوقفت أوار حرب مستعرة لعقود أفنت الشباب وجعلت البنات عوانس وأمست الكثير من النساء أيامى وأصبح الكثير من الأطفال يتامى. لقد كانت المرأة العربية تشارك الزوج والأب أوجاع وآلام أمتها وهكذا كانت المرأة العربية .

وحين جاء الإسلام أعطاها دوراً أكبر فهذه خولة بنت الأزور الفارسة التي انتقمت لمقتل أخيها ضرار بن الأزور في معركة اليرموك , وأثخنت في فرسان الروم وهي ملثمة , ولم تكن لتعلن عن نفسها لولا قسم أقسمه على الفارس قائد المعركة خالد بن الوليد رضي الله عنهم أجمعين حيث كانت مفاجأة ألجمت الألسن , وهذه هند بنت عتبة الشهيرة بالجاهلية زوجة أبوسفيان وأم معاوية تعد ابنها معاوية بعناية فائقة فترسله لتعلم الكتابة في وقت كان من يكتبون الأبجدية العربية على عدد الأصابع , وتعده بشكل خاص لمهمة قيادة الأمة حتى عرف عليه النجابة وهو صغير , فكان من كتاب الوحي , وحين رآه أحد العرب الذين يجيدون الفراسة قال هذا الفتى سيسود قومه , قالت وهي الأدرى بتربيته , ثكلته إن لم يقود العرب بعصاها , وكان عمر إذا رأى معاوية قال ( ذاك قيصر العرب ) .وكانت هند رضي الله عنها تقود النساء في معركة اليرموك ومعهن الأعمدة , أعمدة الخيام لرد الفارين من الجند من مسرح القتال وفي المساء كانت تقود النساء المسلمات لسقي الجرحى وتمريضهم .

لقد كانت العرب تستخدم الشعر لتربية البنات والفتيان كما يستخدم التلفاز في التربية أو عكس التربية في عصرنا الحالي , وكان الشعر له دور كبير في التأثير الإيجابي في تربية البنات , فالفتاة الحسنة الأخلاق هي التي إذا رأت كأنها لم تر وإذا سمعت كأنها لم تسمع , وإذا شاتمها أحد فإنها تكاد من عفة لسانها كأنها لم تعرف الشتم , فقال أبو عبدالله بن لبانة الأعرابي :

كريمة يحبها أبوهــــا مليحة العينين عذباً فوها

لا تحسن السب وإن سبوها

وكان العرب يتفننون في صفات ملكات جمالهم وكل لـه وصفه قال إعرابي : (أفضل النساء أطولهن إذا قامت وأعظمهن إذا قعدت , وأصدقهن إذا قالت , التي إذا غضبت حلمت , وإذا ضحكت تبسمت , وإذا صنعت شيئاً جوَّدت , التي تطيع زوجها , وتلزم بيتها , العزيزة في قومها , الذليلة في نفسها , الودود الولود , وكل أمرها محمود) . ولعل كثير من أخلاقيات النساء تذكر عند طلب الزواج فقال رجل لخاطب ,( أبغني امرأة لا تؤنس جاراً , ولا توهن داراً , ولا تثقب ناراً) وأراد امرأة لا تدخل على الجيران ولا يدخلون عليها إلا بإذنه وبالخير ولا تغري بينهم بالشر, ولهذا قال أحد الشعراء :

من الأوانس مثل الشمس لم يرها في ساحة الدار لا بعل ولا جار

وكان العرب أكثر ما يعيبون على المرأة تلك التي (... كلامها وعيد , وصوتها شديد , تدفن الحسنات , وتفشي السيئات , تعين الزمان على بعلها , ...) وهي أوصاف طويلة لا نرغب في إضافتها , وكانت تربية الفتيات بين بيوتات العرب ما يجعل كل فتاة لها قدراتها وتوجهاتها حتى ليجد الرجل آثار تربية العائلة على زوجته , فيقول الحجاج بن يوسف الثقفي , عندي أربع نسوة , ...فأما ليلتي عند هند بنت المهلب فليلة فتى بين فتيان يلعب ويلعبون , وأما ليلتي عند هند بنت أسماء بن خارجة فليلة ملك بين الملوك , وأما ليلتي عند أم الجلاس بنت عبدالرحمن بن أسيد فليلة إعرابي مع أعراب في حديثهم وأشعارهم , وأما ليلتي عند أمة الرحمن بنت جرير البجلي فليلة عالم بين العلماء والفقهاء.

أما عن الأوصاف الجسدية وشروط الجمال فقد تعددت وتنوعت باختلاف العصور , فقالت شاعرة أندلسية تصف جمالها كما لو كانت عارضة أزياء :

عيون مها الصريم فداء عيني وأجياد الضباء فداء جيدي

أزينُ بالعقود وإن نحـري لأزينُ للعقود من العـقود

ولا أشكو من الأوصاب ثقلاً وتشكـو قامـتي ثقل النهود

وكما كانت المرأة مجال اهتمام الرجل من حيث أخلاقها وأوصافها فكذلك الرجل يعطى طباعه وأخلاقه للمرأة لتختار , فقد طلب يد هند بنت عتبة سيدين من أشراف قريش , سهيل بن عمرو وأبو سفيان بن حرب وجاء إليها والدها يقول :

أتاك سهيل وابن حرب وفيهما رضا لك يا هند الهنود ومقنع

وما منهما إلا يعاش بفضله وما منهما إلا يضر وينــفع

فدونك فاختاري فأنت بصيرة ولا تخدعي إن المخادع يخدع



فقالت : يا أبت , والله ما أصنع بهذا شيئاً , ولكن فسرلي أمرهما وبين لي خصالهما حتى أختار لنفسي أشدهما موافقة لي , , فبدأ بسهيل بن عمرو فقال : أما أحدهما ففي ثروة واسعة من العيش , إن تابعتيه تابعك , وإن ملتي عنه حط إليك تحكمين عليه في أهله وماله , وأما الآخر فموسع عليه , منظور إليه , في الحسب الحسيب , والرأي الأريب , مِدْرَهُ أرومته , وعز عشيرته , شديد الغيرة , سريع الطيرة , لا ينام على ضعة , ولا يرفع عصا على أهله , فقالت يا أبت الأول سيد مضياع للحرة فما عست أن تلين بعد إبائها , وتضيع تحت جناحه , إذا تابعها بعلها فأشرت ,وخافها أهلها فأمنت , فساء عند ذلك حالها , وقبح عند ذلك دلالها ,...فاطوِ ذكر هذا عني , ولا تسمه عليَّ بعد , وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة , الحرة العفيفة , وإني للتي لا أريب له عشيرة فتعيرة , ولا تصيره بذعر فتضيره , وإني لأخلاق مثل هذا لموافقة , فزوجنيه . فزوجها أبو سفيان .

ولقد كان حلم الرجل على زوجته أمر محبب للنساء , واللين أمر طيب ما دخل في أمر إلا زانه كما قال رسول الله , وفي قصة طويلة نحاول إيجازها لرجل أسمه شريح رأى فتاة تميمية فطار صوابه , فسأل عجوزاً معها : أفارغة هي أم مشغولة .قالت بل فارغة .قال فمن هذه الجارية قالت : زينب إبنة جرير قال : زوجينيها , قالت : إن كنت لها كفئا{وهي لغة تميم }ً, فاخطبها من عمها , قال ( فلو رأيتني يا شعبي وقد أقبل نساؤهم يُهدينها حتى أدخلنها علي ) فصلى ركعتين وصلت وراءه , فخلا البيت قال فمددت يدي إلى ناحيتها فقالت على رسلك أبا أمية ! كما أنت فحمدت الله وأثنت عليه وصلت على الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت ( إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه وما تكره فأزدجر عنه ...وقد ملكت فا صنع ما أمرك الله به ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولك . قال : فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع , فقلت الحمدلله ....فإنك قد قلت كلاماً إن ثبتي عليه كان حظك من الدنيا , وإن تدعيه يكن حجة عليك أحب كذا وأكره كذا ونحن جميع فلا تفرقي , وما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها .قالت كيف محبتك لزيارة الأهل ؟ قلت ما أحب أن يملني أصهاري , قالت فمن تحب من جيران أن يدخل دارك آذن لهم ومن تكرهه أكرهه قلت بنو فلان صالحون وبنو فلان قوم سوء . قال فبت يا شعبي في أنعم ليلة.قال :ومكثت معي حولاً فجاءتني عجوز قلت من؟ قالت ختنك { أي أم زوجتك } , كيف وجدت ابنتي ,قلت : أما والله لقد أدبتِ فأحسنت الأدب ورِضْتِ فأحسنت الرياضة . فمكثت معي زوجتي عشرين عاماً لم أعتب عليها في شيء إلا مرة واحدة كنت ظالماً لها, يا شعبي وكان لي جار يفزع امرأته ويضربها , فقلت في ذلك :

رأيت رجالاً يضربون نساؤهم فشُلُّت يمـيني حين أضرب زينبا

أأضربها في غير ذنب أتت به فما العدل مني ضرب من ليس مذنبا

فزينب شمس والنساء كواكب إذا طلعـت لم تبـــد منهن كوكبا



ولعل أهم مايميز المرأة العربية هو مسألة إنجاب العظماء فقد قال عمر رضي الله عنه حين جاءه ما فعل خالد بن الوليد , ودوره العظيم في النصر الذي حققه المسلمين بمعركة اليرموك , ((عجزت النساء أن يلدن مثل خالد )) , وكان النصارى في ممالك ليون وقشتالة النصرانية بأسبانيا قد عقدوا مؤتمراً ناقشوا فيه أسباب عجز الأسبان عن طرد العرب من الأندلس , فقال لهم أحد القسس وقيل أحد اليهود , إن العرب يتميزون بقدرات قيادية فذة قد لا تتوفر بشعوب أخرى , وإذا ما أراد الأسبان الانتصار على العرب , فعليهم أن يقبضوا على نساء عبيات حوامل , وأن يحرصوا عليهن حتى يلدن ويرضعن أطفالهن ثم يقتلن ويربى أبناءهن على النصرانية واللغة الأسبانية ثم إذا كبروا يقودون تحرير الأندلس من بنو جلدتهم العرب , ولن يفل الحديد إلا الحديد , وبدأ تنفيذ المشروع ورأى المسلمون بالأندلس تركيز الأسبان في أسر النساء الحوامل بالذات وسجنهن في حصن حصين لا يمكن لقائد غزوه وفتحه , ورغم طول حصار الجيش العربي للحصن فلم يتمكن من دخوله وتحرير النساء العربيات الحوامل اللواتي بداخله وكان قائد الحصن حريصاً على حياتهن فيقدم لهن الماء والطعام الذي بدأ ينفذ دون فرسانه المدافعين عن الحصن حتى هلك الكثير من رجاله , بينما خص الحوامل بالماء والغذاء , وظن الجيش الإسلامي أن من في الحصن قد ماتوا , ولذا رفع الحصار وقفل راجعاً بينما ولدن النساء العربيات أطفالهن , وأرضعنهن ثم قتلهن الأسبان وتربى أطفال العرب على اللغة الأسبانية والديانة المسيحية والفروسية , وسلموا قيادة الجيوش الأسبانية , وبدأ الأسبان بأبناء العرب مشروع طرد العرب من أسبانيا , فلله در المرأة العربية وما حوى رحمها من فلذات أكبادهن الذين دوخوا العالم شرقاً وغرباً .

وفي عصرنا الحديث ظلت النساء العربيات في نفس المكانة ثروة وكنوز لا تفنى فهذه موضي بنت أبو وطبان زوجة الإمام محمد بن سعد التي لولا قدر الله ثم حكمة هذه المرأة لربما شهدت الجزيرة العربية شكلاً آخر للتاريخ , فكانت هي الحكيمة الأريبة التي أشارت على زوجها باستقبال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله أجمعين , وهذه غالية البقمية أو الوهابية التي قادت كتائب من الجيوش السعودية في تربة حين تقدمت جيوش طوسون باشا لاحتلال مدينة تربه مفتاح نجد في وقت كان زوجها على فراش الموت فتلثمت وقادت جيوشها وكانت صيحاتها تجعل من كل جندي من جنودها قنبلة استشهادية تفجر جنود طوسون وبين فر غالية وكرها فقد جيش طوسون 700 سبعمائة جندي وفشل الجيش التركي المصري في قتلها , وأطلقوا عليها لقب الساحرة وأقنعوا طوسون بن محمد علي باشا بإحراق مخيمه وذخائره والفرار إلى الطائف ليلاً.

ولأن العرب يرخصون ثرواتهم وكنوزهم أمام أحذية نسائهم , ولأنهم يفرطون بالذهب الأصفر والذهب الأسود لكنهم أبداً لم ولن يفرطوا بكنوزهم من نسائهم اللواتي هن أثمن من كل كنوز الدنيا جاءنا بوش الأرعن وإدارته المحافظة يريدون تدمير كنوزنا , وسلبنا ثروتنا الحقيقية التي حافظنا عليها أكثر من ثلاثة آلاف سنة,

إن المرأة العربية المسلمة هي الحصن الأخير الذي مازال يفخر بالطراز المعماري العربي الأصيل و الذي يريد أعداؤنا أن يهدموه و يمسحوا آثاره ويطمسوه ويصبغوه بجدران زجاجية كالبنايات الأمريكية بشيكاغو , حينها لن نكون إلا كجمهوريات الموز يلعبون بنا كما شاؤا بعد أن نكون حينها – لا سمح الله قد تنازلنا عن كل حضارتنا , إن حضارتنا التي ميزتنا عن غيرنا هي المرأة العربية بأخلاقها وصفاتها وجمالها ودينها وحسبها .ولكن ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين .


الكاتب د . صالح السعدون
__________________