السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عندي سؤال... هل الميت أثناء موته في نفس اللحظة يسمع صياح أولاده وبكاءهم عليه وهل حين يدفن يحس بالأحياء من أولاده ويشعر بهم إذا تذكروه وبكوا عليه أو يعلم إذا تصدقوا أو اعتمروا باسم فلان وهل يعلم الآخرون من الأموات ما يصل آباءنا من صدقات وغيرها حيث هناك دعاء بر الوالدين ما جعلني أفكر وهو(اللهم كما سررتهم بنا في الحياة فسرهم بنا بعد الممات ولا تبلغهم من أخبارنا ما يسوؤهم ولا تحملهم من أوزارنا ما ينوؤهم ولا تخزهم بنا في معسكر الأموات لما نحدث من المخزيات وسُـَّر أرواحهم بأعمالنا في ملتقى الأرواح) اشرح لي بالمختصر وجزاك الله خير الجزاء وآسفة على الإطالة.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد
الأخت الفاضلة أم الوليد زادها الله علما وبصيرة
لا بد أن نعلم أن للميت بعد موته حياة تختلف تماما عن حياتنا و طبيعة البرزخ لا يمكن قياسها ولا مقارنتها بطبيعة الحياة الدنيا كما أنه لا يمكن مقارنة طبيعة الحياة في الجنة جعلنا الله وإياكم منها بطبيعة الحياة في الدنيا.
ومن الضروري جدا أن نعلم أن أحوال الموتى من الغيب الذي لا يمكن معرفتها إلا عن طريق الوحي ولا يصح فيها اجتهاد ولا قياس.
ومما جاء من النصوص الشرعية المتعلقة بسؤالك أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى بدر، فألقوا في قليب، ثمّ جاء حتّى وقف عليهم وناداهم بأسمائهم: يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقاً، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: يا رسول اللّه، ما تخاطب من أقوام قد جيّفوا، فقال عليه الصلاة والسلام: والّذي بعثني بالحقّ، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنّهم لا يستطيعون جواباً" كما في الصحيحين.
وورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه إنّه ليسمع قرع نعالهم".
وأمر النّبي صلى الله عليه وسلم بالسّلام على الموتى وكان مما يقوله إذا زار قبورهم: "السلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون".
قال ابن القيّم رحمه الله في كتابه الروح: "وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسّلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار بأنّ الميّت يعرف زيارة الحيّ له ويستبشر به".
والخلاصة أن القول بأن الميت يعلم من زاره ومن لم يزره ويسمع كلام من تحدث عند قبره من أقرباءه وأصدقاءه أو يعلم من اعتمر له ممن لم يعتمر أو تصدق عنه أو غير ذلك كل هذا يحتاج إلى دليل صريح يدل على ذلك.
ولا أعلم دليلا صريحا في الكتاب والسنة يدل على ذلك وإذا ثبت الدليل في أمر معين على نحو ما سبق ذكره في الأحاديث فإن هذا لا يعني أن نقيس عليه باقي الأمور ونلحق به ما لم يرد فيه نص لأن ذلك كله من الغيب وأنا لنا معرفة الغيب بتفاصيله إلا ما أخبرنا به الله جل وعلا أو نبيه صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث أن الإنسان إذا سلم على الميت من قريب أو صديق أو نحوه فإنه ترد عليه روحه ويرد عليه السلام" فإنه حديث مختلف في صحته فقد صححه ابن عبد البر وضعفه آخرون فإن ثبت الحديث لكان في حجة في هذا المقدار فقط ولا يعني ذلك أنه يسمع كلام من تحدث عنه بغير السلام. فإن هذا يحتاج إلى دليل.
ولكن أود التنبيه على أنه حتى ولو كان الميت لا يعلم بمن دعاء له أو نحو ذلك فإن هذا لا يعني ترك العمل بل ينبغي على الشخص أن يدعو للأموات ويترحم عليهم لاسيما إذا كانوا أقرباءه من الأبوين وغيرهما فإن هذا الدعاء لها أثر عظيم في التخفيف عنهم ما هم فيه وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك ولا يمكن أن يكون هذا الفعل عبثا.
رحم الله جميع أموات المسلمين. والله أعلم.