ادمان المخدرات واضرارها على المجتمع
--------------------------------------------------------------------------------
مقدمة
انحراف الإنسان نحو السلوك العدواني و الجريمة عرف منذ ظهور البشرية على سطح الأرض فقد قتل قابيل هابيل في أول جريمة عرفها الانسان ثم توالت الجرائم منذ ذلك الوقت و حتى الآن‘ وقد فسرت أسباب هذا السلوك إلى عوامل فردية تتعلق بالفرد المنحرف و أخرى تتعلق بالبيئة المحيطة بهذا المنحرف .
و إن العوامل البيئية ابتداءاً من الأسرة المفككة و شلة أصدقاء السوء و انتهاءاً بالوضع الاقتصادي و السياسي المتدهور و الأفلام و المسلسلات التلفزيونية التي تشكل نسبة كبيرة في دفع الأفراد إلى ارتكاب الجرائم وتفشي ظاهرة إدمان المخدرات . و اضافة إلى ذلك و في وضعنا الفلسطيني الذي يعتبر الاحتلال عامل آخر في تشجيع دفع بعض الأفراد نحو الانحراف ، حيث أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تلعب دوراً كبيراً في انتشار ظاهرة المخدرات من خلال تشجيع مروجيها و تسهيل مهمتهم مقابل إغراءات مالية و التهديد باعتقالهم عندما يرفضون ذلك .
و يؤدي تعاطي المخدرات والإدمان عليها إلى أضرار اجتماعية خطيرة تحيط بالمتعاطي نفسه وبأفراد أسرته وبالمجتمع أيضا ،و لاسيما بالمجتمع العربي والإسلامي خاصةً إذ أن ظاهرة تعاطي المخدرات مرفوضة شرعاً و اخلاقاً ؛ لأنها تمس بكرامة الشخص المتعاطي و بكرامة المجتمع ككل كما أنها تخالف القوانين والأعراف و القيم والعادات والتقاليد الاجتماعية المتعارف عليها .
و على اثر تزايد ظاهرة انتشار المخدرات و ازدياد الخطر المحدق بالشباب و المجتمع عامه أصبح من الضروري أن تقوم المؤسسات الدينية والشبابية و الإعلامية والتعليمية والأسرة بوقف هذا الخطر.
الإدمان
إن إدمان المخدرات مشكلة معقدة و متعددة الأبعاد ، كما أنها مشكلة تهدد جميع فئات المجتمع بدون استثناء و لها أضرار جسمية و نفسية وإجتماعية كثيرة ،و بما أن ظاهرة إدمان المخدرات لها أضرار متعددة فلا بد من التعرف على مفهوم الإدمان وتصنيفه و المواد التي تؤدي إليه ، ومعرفة الأضرار التي تلحق بالمدمن وبأسرته و بمجتمعه ، وفيما يلي توضيح لجميع تلك الأمور .
تعريف وتصنيف :
الإدمان هو اعتماد فسيولوجي نفسي ، ولهفة واعتياد واستخدام قهري و تعاطي متكرر لعقار طبيعي أو صناعي ،يؤثر على الجهاز العصبي (تنشيط أو تثبيط ،تهدئه أو تسكين أو تخدير أو تغييب أو تنويم) وإذا منع أدى إلى أعراض ( نفسية و جسمية : مثل التوتر والقلق والإكتئلب والتهيج العصبي وفقد الشهية و الأرق و العدوان) .
ويصنف الإدمان إلى :
إدمان عقار واحد ، أو إدمان متعدد العقاقير .
إدمان أولي ، أو إدمان عرضي .
إدمان فردي ،أو إدمان وبائي .
إدمان منشطات ، أو مهدئات .
و تقسم مواد الإدمان حسب أصل المادة إلى قسمين :
مواد طبيعية : وهي المأخوذة من أصل نباتي مثل الأفيون الذي يستخرج من نبات الخشخاش، و الكوكايين الذي يستخرج من شجرة الكوكا ، و الحشيش الذي يستخرج من نبات القنب .
مواد تخليقية : و هي التي تصنع كيميائياً في المعامل ، مثل الإمفيتامينات و الباربيتورات .
وتقسم مواد الإدمان حسب تأثيرها النفسي على الجهاز العصبي إلى :
مخدرات أو مهبطات : وهي مواد مخدرة مثل الأفيون و مشتقاته .
منشطات : و هي مواد منشطة و منبهه و مثيرة مثل الكوكايين .(1) حيث أن الكوكايين هو مسحوق محظور يهيج الجهاز العصبي وتعاطيه يؤدي إلى مشاكل وأمراض متعددة ،أما حقنة باستخدام الحقن الملوثة فقد ينقل الإيدز . و الأمفيتامينات التي هي عبارة عن مواد محظورة يسبب تناولها مشاكل متعددة ، و اما حقن عقاقير الأمفيتامينات فيؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم و قد تكون النتيجة الإصابة بحمى شديدة جداً أو توقف القلب و الموت .(2)
مهلوسات : و هي مواد تسبب الهلوسة و ألأوهام و التخيلات مثل الميسكالين ، ل.س.د.
ومن مواد الإدمان :
الأفيونات : و هي من نبات الخشخاش وتشمل أفيون ، مورفين(مخدر قوي) ، هيرويين ، والكوكايين .
القنبيات : حشيش ،ماريجوانا ،بانجو . (1)
____________________________________________
(1) د. حامد عبد السلام زهران () الصحة النفسية و العلاج النفسي
(2) د. طلال أبو عفيفة (2004) قضايا الشباب ... واقع ... مشاكل ... احتياجات
المخدرات المنبهات : (أمفيتامينات مركب) أمفيتامين، ميتامفيتامين ، ديكسامفيتامين .
الخمور : وتشمل المشروبات الكحولية .
: أفيون و مشتقاته .
المسكنات : باربيتورات (باربيتون ، فينوباربيتون ، بوتوباربيتونن ، أميلوباربيتون ، بنتوباربيتون) .
المهدئات : أكوانيل ، فاليوم ، ليبريوم ، فالنيل ، ترانكيلان ، لارجاكتيل .
المنومات : لومينال ، كلورال ،دوريدين ، بارالديهايد . (1)
أسباب الإدمان:
• هناك من يفترض وجود عامل وراثي يكمن كسبب في الإدمان ، و لكن هذا الإقتراح لا يجد تأييداً من البحوث العلمية الحديثة التي تؤكد أن الإدمان عبارة عن سلوك سلبي مرضي شاذ مكتسب من البيئة المحيطة و ليس فطرياً . (2)
• عوامل أو أسباب نفسية: مثل اضطراب الشخصية، الإحباط، التوتر، الهروب من الواقع ، والمشكلات المتراكمة وعدم القدرة على حلها والهروب بدلاً من مواجهتها ، سوء التوافق .(1) فالشخص الغير مكتمل نضجه الإنفعالي أو النفسي أو العاطفي ،والذي يفقد الشعور بالثقة في نفسه فإنه يلجأ إلى الإدمان لأنه يجد فيه سندا و دعماً له .(2)
• عوامل إجتماعية : مثل الصحبة السيئة التي تستخدم الضغط و الإغراء و التيسير و التضليل بفائدة مواد الإدمان ، حب الإستطلاع و التجريب ، التقليد ، البحث عن المتعة ، و تفكك الأسرة ، غياب الوالد، ، السلوك المضاد للمجتمع السلوك الإجرامي.(1) و لقد أسفرت دراسات كثيرة عن شخصية المدمنين تم فيها تطبيق اختبار الشخصية المتعددة الأوجه المعروف باسم MMPI ، أنهم يعانون من بعض النزعات السيكوباتية أي الميل للإنحراف الأخلاقي و الإجرامي إلى جانب الإضطرابات الإنفعالية و العصابية و الإندفاعية مع الميل نحو السعي للإشباع السريع والمباشر .
• العوامل المهيئة أو الاستعدادية : و هي التي تعد و تهيئ الإنسان للإصابة بالمرض....وتشمل التنشئة الإجتماعية الخاطئة والتي تتمثل بالقسوة ،الحرمان،فقد العطف والحب و الحنان من الوالدين ، وعدم وجود القدوة الحسنة . فإن ذلك من الآثار و البصمات التي تتراكم عبر الزمن حتى تجد الفرصة في ظل وجود العامل المفجر فيحدث الإنهيار .(2)
_________________________________
(1) د. حامد عبد السلام زهران () الصحة النفسية و العلاج النفسي
(2) أ. د/ عبد الرحمن محمد العيسوي (2002) علم نفس الشواذ و الصحة النفسية
آثار تعاطي المخدرات:
إن إبتلاء أحد الأفراد بتعاطي المخدرات ، يشكل ظاهرة خطيرة تهدد صحة و نفسية الفرد نفسه ، كما أنها تجتاح الأسرة ،و تهدد مقومات المجتمع و أمنه استقراره ، و تنعكس بالتالي على الوضع الاقتصادي للأسرة و المجتمع . ومن أهم آثار أو أضرار المخدرات التي تلحق بالفرد و الاسرة و المجتمع و الوضع الاقتصادي ما يلي :
الأضرار الفردية و من أهمها:
الأضرار الصحية : و تشمل تلف الجهاز العصبي شاملاً المخ و المخيخ و الحبل الشوكي و الأعصاب ، و اضطراب الحواس والإدراك ، و أمراض الجهاز الهضمي مثل قرحة المعدة و تلف الكبد ،و أمراض الجهاز الدوري مثل أمراض الدم و الجهاز التناسلي مثل الضعف الجنسي ، ويصل أحياناً إلى الشلل و الوفاة .
الأضرار النفسية : اضطراب الوظائف العقلية و منها الخمول و النسيان و اضطراب التفكير والقلق و الخوف والإكتئاب .(1) ويميل الفرد إلى العزلة و يبقى أسير نفسه ومخدره ، ويبتعد عن بيئته الإجتماعية السوية و رفاقه الطبيعيين ، ويلجأ إلى صدقات رفاق السوء من أمثاله و مما يترتب عليه زيادة فرص الإنحراف مع جماعات متعاطي المخدرات ، كما أنه يواجه نبذ المجتمع و كراهيته و النظر إليه كإنسان شاذ خارج عن الأعراف و القيم و العادات و التقاليد و القوانين الوضعية و الإلهية .(2)
الأضرار الأسرية و من أهمها :
يؤدي تعاطي المخدرات من قبل أحد أفراد الأسرة إلى زعزعة الأسرة و تراجع أطر التفاعل الإجتماعي البناء بين أعضائها ، و تؤثر على علاقاتهم الإجتماعية و تحدد التفاعل الإجتماعي معهم و بالتالي النفور منهم ونبذهم ومحايدة الإختلاط بهم من قبل الآخرين ، وذلك بسبب سمعتهم السيئة لأن احد أحد أفراد أسرتهم يتعاطى المخدرات . (3)
هدم بناء الأسرة وخلخلة أركانها وفقدان مقوماتها ضد التمزق و الضياع ،فعند رؤية رب الأسرة يضيع في عالم المخدرات أمام أفراد أسرته فإنها تتاح لهم فرصة الإنحلال الخلقي ، وفقدان القدوة الحسنة في أوساط الأسرة و التي يجب أن تكون متوفرة عند رب الأسرة ، وإفتقار الأبناء إلى التنشئة الإجتماعية السليمة و زيادة فرص تشردهم و نزوعهم إلى مجاراة رفاق السوء .
وجود الصراع النفسي والوجداني لدى الأسرة حيال سلوك مدمن المخدرات فيها حيث أنهم يريدون التخلص من ذلك المدمن بأي شكل من الأشكال بصورة مقصودة أو عفوية . (2)
________________________________________________
(1) د. حامد عبد السلام زهران () الصحة النفسية و العلاج النفسي
(2) د. صالح السعد (1997) سلسلة المخدرات(3) المخدرات أضرارها وأسباب انتشارها
(3) د. صالح السعد (1997)المخدرات والمجتمع
الأضرار الإجتماعية و من أهمها :
الجريمة و العنف و الإنحراف الجنسي ، و البطالة و انخفاض الإنتاجية و السلوك الإجرامي و الدعارة .(1)
قابلية العدوى من متعاطي المخدرات إلى أفراد آخرين في المجتمع و بالتالي ازدياد وسرعة انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات بين أبناء المجتمع .
وجود عصابات تجار المخدرات في كثير من المجتمعات تؤدي إلى وجود أخطار متعددة في تلك المجتمعات ، إذ أن تلك العصابات تعمل على نشر المخدرات للمرات الأولى بدون مقابل حتى تتمكن من وصول المتعاطين إلى حالة الإعتماد على المخدر ، ثم تبدأ البيع مقابل الثمن الذي يرتفع تدريجياً إلى أرقام باهظة جداً و خيالية .
تزداد فرص إنتشار الفساد و الرشوة في المجتمعات التي تنتشر فيها المخدرات . (2)
الأضرار الإقتصادية و من أهمها :
يشكل تعاطي المخدرات عبئاُ إقتصادياً ثقيلاً على الأسرة و المجتمع ، حيث أن تعاطي المخدرات في الأسرة بشكل خاص و بالمجتمع بشكل عام يحتاج إلى أموال طائلة و هذا يؤدي إلى إرهاق كاهل الأسرة و الدولة .
المغارم الإقتصادية للإدمان كثيرة ،و تلخص فيما يلي :
• الإنفاق الظاهر : و يتمثل في مكافحة العرض ( الإدارة العامة للمكافحة ، المباحث العامة ، حرس الجمارك ، مصلحة السجون ، البوليس الجنائي ، سلاح الحدود ، خفر السواحل ، السلطة القضائية ، ومصلحة الطب الشرعي ) و خفض الطلب (براج التوعية ،التشخيص المبكر و العلاج ) .
• الإنفاق المستتر : (الإستنزاف) و يتمثل في الجلب و التهريب،الاتجار ، الزراعة ، التصنيع ، اضطراب العلاقة بالعمل ، و الحوادث .
• الخسائر البشرية : وتتمثل في العاملين في التهريب و الاتجار كفاقد من القوى العاملة ، و المتعاطين و المدمنين كفاقد من القوى العاملة، و المتعاطين و المدمنين كبؤرة اجتماعية غير صحية و الضحايا الابرياء للمتعاطين و المدمنين . (1)