توحيد وسط الجزيرة العربية
بعد ضم الرياض صار الخصم الرئيسي للسعوديين في نجد هو زيد بن زامل الأمير الداهية الشجاع وحاكم الدلم ومنطقة الخرج كلها . وقد حاول من جديد اجتذاب قبائل نجران للمشاركة في مكافحة الوهابيين . ولهذا الغرض توجه بطلب إلى أمير نجران ليرسل محاربين لنجدته ووعده بمكافأة معينة . ووصل أبناء نجران ولكنهم بدلا من تقديم النجدة أخذوا يبتزون النقود وينهبون سكان الخرج . فأخفق التحالف المنشود . وفي منتصف السبعينات دخل محاربو بني خالد وعلى رأسهم عريعر نجد قادمين من الإحساء واحتلوات بريدة في القصيم ونهبوها بوحشية . وكان العديد من حكام واحات نجد المتذمرين من سلطة السعودين مستعدين لدعم الإحسائيين ، ولكن عريعر توفي بغتة . وبدأ عند بن خالد صراع من أجل الرئاسة . وفاز في هذا الصراع مؤقتا أحد أبناء عريعر وهو سعدون ، إلا أن أمراء الدرعية أخذوا يحرضون إخوانه ضده . وخلال السنوات القليلة التالية كان الإحسائيون يظهرون في نجد كل عام تقريبا . وشاركت مع بني خالد في الغزوات قبائل سبيع والظفير . وكان عدد من واحات نجد تارة ينضم إلى الوهابيين وتارة ينفصل عنهم ويعمل بصورة مستقلة وتارة يتحالف مع أعداء الدرعية .
ويبين مشهد هام ذكره منجين سير العمليات الحربية آنذاك . فقد أنشأ الوهابيون قرب الدلم قلعة للتضييف على عمليات مفارز زيد بن زامل . وكانت مشارف القلعة صعبة المنال وقد وقفت في حمايتها عساكر وهابية مختارة .. وبغية إخراج العدو من القلعة أنشأ أهل الدلم بإشراف أحد الفرس القانطين في الواحة برجا متنقلا على أربع عجلات ولبسوه بالرصاص لحمايته من النار . ودخله محاربون ودحرجه آخرون نحو القلعة . إلا أنه تلكأ عند مشارفها ، ولم ينقذ المحاربين القابعين في البرج المتنقل إلى عملية مستميتة لمفرزة من شجعان الدلم .
ورغم المقاومة وسعت الدولة السعودية نفوذها وأراضيها بالتدريج . وبعد احتلال الوهابيين لواحة المجمعة توقف عمل أنشط الدعاة المعاديين للوهابية ، ونعني سليمان بن عبدالوهاب . فقد نقل مع عائلته إلى الدرعية حيث ظل حتى وفاته . وفي مطلع الثمانينات تقرر مصير القصيم نهائيا . فطوال عدة سنوات استمرت القلاقل والنزاعات التي تخللتها عمليات ضد الدرعية . ولم يخفت أوار العداء القديم ، وظل باقيا مفعول علاقات التحالف والترابط والنفور والتضاد السابقة . وفي عام 1782 دخل القصيم سعدون بن عريعر على رأس قوات بدوية من بني خالد وشمر والظفير . وكان مصمما على طرد الوهابيين . وانضم إليه زيد بن زامل وقواته . وطوال عدة أسابيع حاصروا بريدة التي ظلت موالية للوهابيين ، ولكن دون جدوى هذه المرة . وانحل الائتلاف المعادي للوهابيين وغادر الإحسائيون نجد .
وفي عام 1783 قتل زيد بن زامل . وتزعم الدلم ابنه براك . إلا أن مكانة الأمير الجديد كانت مضعضعة بسبب التنافس داخل الأسرة الحاكمة . وفي الفترة 1783 – 1786 أصاب نجد جفاف مرعب وتفشت المجاعة . وغدت حالة الخرج التي حاصرها الوهابيون ميئوسا منها . وفي عام 1785 تم احتلال الدلم بهجوم سريع . وقتل الأمير وبعض أنصاره . وأقسمت منطقة الخرج كلها يمين الولاء للسعوديين . وعين القائد العسكري الوهابي سليمان بن عفيصان حاكما للدلم .
وفي تلك السنوات على وجه التقريب خضعت للدرعية الأفلاج والدواسر ، مع أن الانتفاضات ضد الوهابيين استمرت أمدا طويلا في الدواسر . وشعرت أقوى القبائل البدوية في الجزيرة العربية بثقل قبضة حكام الدرعية . وعندما دحر الوهابيون بدو الظفير في عام 1781 انتزعوا منهم كل مايملكون : أدوات المخيمات و17 ألف نعحة وماعز و5 آلاف جمل و15 حصانا وقام الوهابيون كذلك بغزوات على آل مرة وقحطان وسبيع وبني خالد . وتوغلوا في الشمال وأخضعوا جبل شمر في لانصف الثاني من الثمانينات .
واكتمل التفاف أراضي وسط الجزيرة حول الدرعية . ومع أن بعض العمليات كانت لاتزال جارية في بعض المناطق ضد السعوديين فلم يعد جائزا اعتبار الأمراء المحليين من منافسيهم . وفي أفضل الأحوال كانوا شبه تابعين لهم ، وفي الغالب كانوا صنائع مباشرين للدرعية يؤدون دور الولاة . وأدى تعزز سلطة آل سعود ونفوذهم عموما إلى جعل عبدالعزيز ومحمد بن عبدالوهاب يقدمان في عام 1788 على خطوة هامة . فقد أمنا لسعود حق ولي العرش بالوراثة والإمام عبدالعزيز لايزال على قيد الحياة . وأخذ محمد بن عبدالوهاب على عاتقه مهمة جعل مدن ومناطق الدولة تقسم يمين الولاء . وكان سعود حظي أصلا بشعبية واسعة بفضل بسالته وانتصارات الحربية ومشاركته في تصريف شئون الولة . وكان الإعلان عن ولي العهد قد تعزز أسرة آل سعود لأنه أمن انتقال السلطة بصورة أصهل نسبيا من الأمير إلى ابنه .
إن وراثة الإبن لأبيه شيء معتاد في الجزيرة العربية ولكنه غير الزامي . فالسلطة كانت تنتقل حسب الأقدمية في العمر داخل الفخذ وحسب السجايا الشخصية لأقرب الأقوياء . وتعود الكلمة الحاسمة في اختيار الأمير الجديد إلى كبار الوجهاء . وإن إصرار المؤرخ الوهابي ابن غنام على تبرير شرعية يمين الولاء لسعود يشير إلى أن فكرة لزوم انتقال السلطة من الأب إلى إبنه صادفت ، على الأرجح ، بعض المقاومة والاعتراض . وبالاعتماد على موارد وسط الجزيرة بدأ الوهابيون تقدما ناجحا في جميع الاتجاهات : نحو الشرق والشمال الشرقي – إلى الإحساء وجنوب العراق ، ونحو الغرب – إلى الحجاز ، ونحو الجنوب الغربي – إلى اليمن ، ونحو الجنوب الشرقي – إلى عمان ، ونحو الشمال إلى حدود الشام .