المرأة العربية المسلمة ودورها في إلغاء عقوبة الاعدام في مجتمعها
الأستاذة سحر مهدي الياسري معروفة جدا,محامية, وكاتبة تعمل على إلغاءِ عقوبةِ الاعدام في العالمِ الإسلاميِ. هي أيضاً عضو مركزُ الدفاع عن حقّ الحياةَ ومناهضة عقوبةِ الاعدام في شمال أفريقيا والشرق الأوسطِ التابع الى مؤسسة الحوار المتمدن الاعلامية... في مقابلة مع مراسل وكالة آي بي إس الاعلامية العالمية والتي مقرها نيو يورك في المنطقةِ، الصحفي عبد الرحيم الوالي ,تُوضّحُ لِماذا النِساءُ المسلمات والعربيات يَلْعبنَ الآن دور أكثر نشاطاً في حركةِ إلغاء عقوبة الاعدام في المنطقةِ,وجرى مناقشة مستفيضة لدور المرأة العربية والمسلمة في تغيير نظرة مجتمعها لهذه العقوبة غير الانسانية والمشاركة الفعالة والحاسمة للالغاء هذه العقوبة نهائيا في تشريعات العالم العربي والاسلامي .
1- ظل العنصر الرجالي يهيمن على النقاش المتعلق بإالغاء عقوبة الاعدام في العالم العربي والاسلامي ماهي وجهة نظركم أسباب ذلك؟ وماهي القيمة المضافة التي يمكن أن يضيفها العنصر النسوي الى قضية إلغاء عقوبة الاعدام في العالم العربي والاسلامي ؟
أبتعاد العنصر النسوي عن المشاركة في الحياة السياسية في عالمنا العربي والاسلامي عموما, وضعف مشاركتها في منظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال,وتركز النساء في المنظمات الخاصة بقضايا الاناث, يفسرقلة العناصر النسوية المشاركة في الحملة العالمية المطالبة بإلغاء عقوبة الاعدام ,و من المؤكد مشاركة المرأة يضيف في الحملة الداعية الى إلغاء عقوبة الاعدام دفعا كبيرا لهذه القضية ,فالمرأة أم , وزوجة , ومعلمة ,ومربية ,وأعلامية ,وسياسية , وقانونية ,ومجالات كثيرة دخلتها النساء اليوم فهي مؤثرة في مجتمعها أكثر من أي وقت مضى وبالتالي حضورها الفاعل هنا مؤثر ومطلوب جدا لتغيير ثقافة الثأر والانتقام والبدء بالتأسيس لثقافة حقوق الانسان القائمة على احترام حق الانسان في الحياة كحق طبيعي لايمكن التفريط فيه لاي سبب من الاسباب .و الإعدام عقوبة بدائية ولا إنسانية تهدر حق الإنسان في الحياة وحرمة جسده الذي أوجبت جميع الشرائع الدينية والوضعية على احترامه والحفاظ عليه .
2- عقوبة الاعدام تكون لها دائما تداعيات تذهب أبعد من قتل المحكوم عليهم وتكون لها انعكاسات وخيمة على أسر وعائلات المحكوم عليهم .هل ترون أن هذه التداعيات تكون وخيمة أكثر عند تنفيذ عقوبة الاعدام في حق النساء؟
إن مبدأ القصاص يلبي حاجات المجتمع وينشر الطمأنينة وتحقيق العدالة, ولكن يبقى الحق في الحياة أصل كل حقوق الإنسان في الكرامة والحرية والأمان والمعاملة الإنسانية, إن عقوبة الإعدام تمثل منتهى الوحشية والقسوة والمس بالكرامة الإنسانية , سواء كان المحكوم عليه رجلا أم امرأة , ولكن يبقى تنفيذ الاعدام بالمرأة الام والزوجة والتي تعيل أفراد اسرتها أكثر ايلاما لعائلتها واطفالها وخصوصا الرضع منهم ,وأستئصالا لدورها في استمرار الحياة البشرية على الارض.
3- تنفيذ عقوبة الاعدام في حق الرجال يكون هو الاخر سببا في معاناة النساء .في الغالب فأن الرجال الذين ينفذ في حقهم حكم الاعدام يتركون ورائهم نساء ارامل يكون عليهن مواجهة أعباء الاسرة في غياب أي أنظمة فعالة للمساعدة الاجتماعية في العالم العربي والاسلامي . ماهي في تقديركم آثار ذلك على الاسرة وعلى المجتمع بشكل عام ؟
أن من أولى مقومات دولة القانون أن تكون العقوبة للإصلاح و التقويم لا للثأر والانتقاممن المحكوم عليه بالاعدام وجميع أفراد أسرته بحرمانهم من معيلهم . الاكيد في ظل ضعف ان لم نقل انعدام برامج الحماية الاجتماعية في بلداننا سيكون لاعدام الرجال اثارا موجعة وكارثية على النساء والاطفال, وتزيد من الاحساس بالقهروالتهميش والاقصاء والحرمان والاغتراب والشعور بالغبن الاجتماعي والمهانة لدى المجتمعات التي ينتمي اليها المحكوم عليه بالاعدام وبالتالي تشكل أرضا خصبة لمجتمع تنمو فيه الجريمة بدلا من ان تشكل عقوبة الاعدام رادعا لها.
4- ماهي مشاريعكم في مركز الحق في الحياة للتوعية والتحسيس بأهمية إلغاء عقوبة الاعدام في شمال افريقيا والشرق الاوسط
يعد مشروع مؤسسة الحوار المتمدن الاعلامية واعتبار مركز الدفاع عن الحق في الحياة ومناهضة عقوبة الاعدام جزء من هذه المؤسسة ,يقوم المركز بدعم نشاطات منظمات المجتمع المدني المناهضة لعقوبة الاعدام, ونشر ثقافة مناهضة للاعدام واعتباره انتهاكا لحق الانسان في الحياة ,ودعم الدراسات الاجتماعية والقانونية التي تفضح اثار عقوبة الاعدام وسياسات الانتقام والاخذ بالثأر التي تقوم بها الدول بحق معارضيها , والاتصال بأكبر عدد من الشخصيات السياسية والقانونية والاعلامية للمساهمة في التوعية بأهمية إلغاء عقوبة الاعدام .
5- في العالم العربي والاسلامي تحصل تلك الجرائم التي تسمي بجرائم الشرف بإعتباركم من ابرز المدافعين عن حقوق المرأة في العالم العربي والاسلامي هل ترون أنه ينبغي الابقاء على عقوبة الاعدام لردع هذه الجرائم أم ترون ضرورة الاستعاضة عن الاعدام بعقوبات بديلة ؟
جرائم الشرف لايعاقب مرتكبيها في منطقتنا بالاعدام بل بعقوبات بسيطة جدا لاتتعدى الستة اشهرأي أقل من عقوبة أبسط جريمة تتعلق بالاعتداء على الجسد البشري لذا طلبنا تشديد العقوبة بحق مرتكبي جرائم الشرف وعدم تخفيف العقوبة وبالاخص للحالات التي لم يثبت فيها ارتكاب فعل جنسي ,أو لزواج الانثى بما لاترضاه عائلتها أو تعرضها لحادث أغتصاب, وعدم اعتبارها جرائم شرف ,وطلبنا تدخل المرجعيات الدينية والقبلية لنبذ حالات القتل للشرف واعتبار مرتكبيها مجرمين حالهم حال باقي مرتكبي جرائم القتل , ولكن نرفض إيقاع عقوبة الاعدام لايماننا بأن هذه العقوبة أهدار لحق الانسان في الحياة .
6- يعاقب على الزنا في الاسلام بعقوبة الاعدام . ولكن اشترط الدين لاثبات ذلك اربعة شهود يكونون عاينوا الواقعة معاينة تامة . وهو يعتبر مستحيلا من الناحية العملية . هل ترون ضرورة للابقاء على هذه العقوبة عندما يتعلق الامر بجريمة الزنا رغم استحالة توفر شروط الاثبات من الناحية العملية؟
عقوبة الزنا في القرآن هي مائة جلدة وليس الاعدام بعد استيفاء الشروط وهي شهادة أربع شهود وهو امر شبه مستحيل من الناحية العملية ,أما مطالبتنا بالغاء هذه العقوبة امر غير ممكن ان نغير نصوص قرآنية ألهية , علما أن اغلب القوانين العقابية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا تطبق قوانين وضعية لاتوجد فيها عقوبة الرجم بل عقوبة تصل الى عقوبة جنحة وتتطلب ليقوم فيها المدعي بالحق شروطا كثيرا لاثبات صحة ادعائه وهي لايمكن ان تقام على مرتكبها الابشكوى مقدمة من قبله وبأمكانه التنازل عن شكواه وهي تعتبر دعوى حق شخصي لاتحرك من قبل المجتمع
7- في المدرسة الفقهية العربية والاسلامية هناك اربع حالات يعاقب عليها بالاعدام وهي الزنا والقتل العمد والردة وقطع الطريق , ولكن التشريعات الوضعية في المنطقة العربية والاسلامية تتضمن مئات الحالات التي يعاقب عليها بالاعدام , ما هي في نظركم أسباب هذا الافراط في توقيع عقوبة الاعدام علما أن المحاكمة العادلة في هذه المنطقة من العالم تظل دوما موضع تساؤل؟
يمكن لنا أن نناقش الحالات الاربعة اولا عقوبة الزنا كما ذكرت الرجم وبشروط شبه مستحيلة أما القتل صحيح ان العقوبة في القرآن هي الاعدام ولكن أيضا أعطى مجالا واسعا للصلح واخذ الدية واعتبر العفو عن القاتل من الاعمال الصالحة ( وأن تعفو أقرب للتقوى) وجعل العفو جزء من الايمان بالله ,أما الردة لم يرد نص شرعي في القرآن بالاعدام للمرتد وارتد في عهد الرسول محمد العديد من الاشخاص ولم يأمر بقتلهم وأكتفى القرآن بقوله عنهم ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين) وما الذهاب الى أعدام المرتدين الاخطأ ارتكبه الفقهاء لكبح الحريات ولايتفق مع الحرية الفكرية التي جاء بها الاسلام ( لاأكراه في الدين وقد يتبين الرشد من الغي) وما محاربة الخليفة ابو بكر للمرتدين الا لاسباب مادية عند توقفهم عن دفع الزكاة ,لايوجد حد دنيوي للردة بل اخروي ,أما الحرابة أو قطع الطريق فلها في القرآن أكثر من عقوبة وليس الاعدام فقط أما أن يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض وهي عقوبة السجن , الاسلام اعتبر الحياة منحة ألهية يجب الحفاظ عليها وعدم هدرها ولقد ضيق الى حد بعيد عقوبة الاعدام. أما التشريعات في منطقتنا فذهبت بعيدا جدا في تطبيق الاعدام لكثير من الحالات التي لاتستدعي هذه العقوبة ومثاله القانون العراقي حيث وصلت حالات الاعدام في 42 مادة قانونية أغلبها عن جرائم سياسية. ومع تزايد التطلعات بالمشاركة السياسية تزايدت مظاهر الانتهاكات لحقوق الإنسان في المشاركة السياسية ومظاهر القتل, والترويع,وأعمال الابادة الجماعية,والاغتيالات للسياسيين, والاختفاء القسري, والإعدامات خارج نطاق القانون أو الاعدامات التعسفية أو اثناء التعذيب , وتعطيل الدساتير والهيئات القضائية والإجراءات التعسفية الأخرى, وإعلان حالات الطوارئ بما تعنيه من تعليق للحريات ,وتعطيل للقوانين ,وزيادة سلطات الحكام ,وأجهزتهم الأمنية في السيطرة على المواطنين .
ومثل التوسع في إصدار عقوبة الإعدام بسبب الموقف والرأي السياسي أبشع صور الانتهاك لحق الإنسان في المشاركة السياسية والحق بالتعبير والرأي السياسي ولحقه في الحياة.,كما أنها قد تصدر بحق من لم يستخدموا العنف ولم يثبت انتماؤهم إلى أي مجموعة إرهابية بل بعض النظم السياسية تتوسع متجاوزة بتنفيذ الإعدام ليس في المذنب فقط , ولكن أيضا في بعض أفراد أسرته أو رفاقه .وفي بعض الأحيان الذين يبدون رأيا قانونيا أو شرعيا يفهم عدم الرضا عن التوجه لتنفيذ عقوبة الإعدام دون تبصر أو رادع من ضمير أو قانون . وغالبا ما تحدث دون أن تدعمها مستندات أو إجراء تحقيقات كافية وعدم إعطاء فرصة للمتهم أو وكيله للدفاع .
8- هل ترون حظوظا حقيقية للوصول الى إلغاء عقوبة الاعدام في شمال افريقيا والشرق الاوسط في المستقبل القريب ؟
أن استخدام عقوبة الإعدام و الحكم بها يذكرنا بممارسات باتت من الماضي مثل الرق والاستعباد والتعذيب المبرر اجتماعياً أو المسوغ قانونياً. سواء كان هناك حظوظا حقيقية أم لا يجب أن لانيأس , بل نناضل بجدية من كافة الشخصيات القانونية والاجتماعية والاعلامية ومن السياسين والقضاة ورجال الدين لنشر ثقافة حقوق الانسان والتركيز على الجانب الداعم لحق الانسان في الحياة في الديانات والثقافات والموروثات الاجتماعية , والتغيير الجذري لثقافة الثأر وسياسة الانتقام التي يمارسها الافراد والحكومات على حد سواء , أن تراثا موغلا في التاريخ لثقافات العنف والثأروالقتل, يحتاج وقتا وجهدا ودعما كبيرين من كل الجهات للتغيير , والحقيقة التي يجب أن نسجلها هنا هو تأخرنا في البدء بحملة مناهضة حقيقية لعقوبة الاعدام ونشرها على نطاق واسع في عالمنا العربي والاسلامي , وقلة من التحالفات أنشئت لهذا الغرض مع أعلام يروج لثقافات القتل نحتاج الى جهود جبارة مؤمنة بالتغيير لنقول نحن على الخط العالمي المتصاعد للالغاء عقوبة الاعدام , فلازالت حركة مناهضة عقوبة الاعدام في بداياتها ونتمنى لها النجاح .