الوقت - نادر المتروك:لا تتردّد الباحثة الإسلامية فريدة صادق زوزو في التأكيد على وجود ‘’نسوية إسلامية’’، ولكنها تقطع الصلة والتأييد مع الجذور الغربية للنسوية وتنتقد مطالبات التحرّر النسوي التي تعلو في الساحة العربية والإسلامية متسائلة عن مضامين هذا التحرّر المزعوم. تنتقد الباحثة فريدة - التي تحمل دكتوراه في الفقه وأصوله وتحاضر في جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا- الأطروحات الجديدة التي تشكّك في شرعية حجاب المرأة، كما تُشدّد في الوقت نفسه على ضرورة الانفكاك من التقاليد الخاطئة التي تعزل المرأة وتقيّد حركتها في الحياة.
الحوار التالي يُسلّط الضوء على آراء فريدة زوزو وأفكارها في قضايا المرأة والموقف الدّيني منها، وهي في ذلك تُعبّر عن محتوى النهوض النسوي الذي يُبشّر به الإسلاميون المعاصرون.
؟ ما تقييمك للمنهجيات التي تُعنى بقراءة قضايا المرأة من داخل النصوص الدّينية؟
ـ بداية أشكركم على استضافتي على صفحات جريدتكم وفي بلدنا الشقيق البحرين، ولا يخفى ما للحركات النسوية فيها من نشاط مشهود خصوصاً بعد تأسيس المجلس الأعلى للمرأة البحرينية. بالنسبة للسؤال؛ يمكن القول ان عمليات النقد التي تُوجّه ضد الأنظمة الاجتماعية التي تقلل من مكانة المرأة الاجتماعية، ودورها المميّز في المجتمع المدني - والتي لا تستند بالأساس على نصوص دينية وإنما مرجعها الأول والأخير هو عادات وتقاليد انتشرت عبر الزمن في مجتمعاتنا العربية بالخصوص- هذا النقد له من الأهمية بمكان مراجعة نظرة المجتمع العربي للمرأة لتسترجع مكانتها الحقيقية التي كرّمها بها الإسلام، ولأجل تفعيل دورها المنوط بها شرعا وواقعا في النهوض بأمتها الإسلامية عموما ووطنها خصوصا.
؟ ممّ يريدون تحرير المرأة؟
ـ لقد ظهرت هذه الاتجاهات الفكرية في الغرب وانتشرت في أوساطه النسوية امتدادا للحركات التحررية التي نشأت في منتصف القرن 18م عندما أرادت المرأة الأوربية أن تتحرّر من الإقطاع الذي جعلها والعبيد متساويين في المكانة الاجتماعية، وامتدت هذه الأفكار التحررية عبر العصور لتأخذ من ‘’ الفيمينيزم’’ Feminism مرجعية لكل اتجاه تحرري في العالم النسوي، وصولا إلى محاولات تمريرها للدول العربية والإسلامية عبر قرارات الأمم المتحدة والمتمثلة في مؤتمرات التنمية والسكان، ومؤتمرات المرأة. والمؤسف في الأمر أن الكثير من الجمعيات النسائية في عالمنا العربي أخذت بهذه المبادئ لتطالب بتحرير المرأة ورفع الاضطهاد عنها، وهنا أقول وأكرر: ممّ يريدون تحريرها؟ وبأي صيغة سيتم هذا التحرير؟
المرأة المسلمة مكرّمة من قبل 15 قرنا عندما نزل الوحي على الحبيب محمد (ص)، ولكن نساءنا غافلات عن هذا التكريم الرباني. نعم أنا مع رفع الظلم عن المرأة، وكل أشكال الظلم والعنف والإيذاء جسديا كان أو معنويا، وخصوصاً أنواع الظلم المفروضة على نسائنا في الأرياف والقرى، وخصوصاً عند الحديث عن الفقر، فإن غالبية الأسر الفقيرة هي من تكفلها امرأة، ولكن ندعو إلى إزالة هذا العنف عن طريق توعية المرأة بذاتها، ودورها الحضاري كمسلمة تنتمي إلى هذه الأمة الإسلامية التي تمتد من جاكرتا إلى طنجة، فإذا ما وعيت بذاتها فإنها ستتحرك ضد أي ظلم تعيشه ويُسلّط عليها، فالمهم عندنا كيف تعي نساؤنا أنهن لسن درجة ثانية في سلم الإنسانية، وقد قال تعالى :«الذي خلقكم من نفس واحدة»
لنعِ ضرورة خروج المرأة!
؟ في هذا الإطار.. هل تعتقدين أن بالإمكان بروز اتجاهات نسوية ذات طابع إسلامي؟
ـ لماذا تقول: هل بالإمكان؟ إن هذا حقيقة واقعة نشهدها في كثير من البلاد العربية والإسلامية، إذ ان المرأة المسلمة قد وعت أخيرا دورها الحقيقي، وتمكّنت من استنهاض ذاتها، فإن التحديات عميقة قد ضربت جذور الهوية الإسلامية، وقد وعت أنها إذا لم تنهض في الوقت الحالي فإن قطار النهضة سيتركها وراءه ولن تنهض بعده أبدا.
لقد ظهرت الكثير من النساء الرائدات في مجالات متعددة، وكثرت الجمعيات النسوية الداعية لاستنهاض المرأة وتدعيمها ماديا ومعنويا من خلال النشاطات التثقيفية والدورات التدريبية في مجالي الأمومة والخدمات الاجتماعية، فالمرأة العربية والمسلمة مازالت تعيش في الريف أو تكدح من أجل إطعام صغارها، وهنا التحدي! فإن تحدث النساء بدورهن الحضاري المنوط بهن لابد أولا من أن تحلّ مشاكلهن الخاصة على مستوى الأسرة، ثم أن يعي المجتمع ذاته بضرورة تحركها خارج البيت، وهذا في حدّ ذاته هدف يتطلب من المجتمع أن يقدم ضمانات الخروج للعمل الجمعوي بشكل مريح وهو ما سبقتنا فيه دول كثيرة.
وإن كانت هذه الجمعيات تعمل في نطاق ضيق على مستوى قرى أو محافظات ولم تصل إلى مستوى التحرك في الحدود الدولية؛ إلا أن النهوض في حد ذاته يعد نقلة نوعية وانعطافا مهما في تاريخ نشاط العمل النسوي والعربي. وستحتاج المرأة المسلمة من أجل أن تسمع صوتها للعالم وفي المؤتمرات الدولية وخصوصا مؤتمرات الأمم المتحدة، تحتاج إلى الدعم المعنوي القوي في موطنها الأم بالخصوص، لأن الكثير من المسائل الإجرائية مازالت تعيق عملها ونشاطها العالمي.
لا صدام بين الدين وقضايا المرأة
؟ تحتل تجربة النسوية الإسلامية في ماليزيا، وقبل ذلك في إيران، حضورا لافتاً، وإشكالياً في سياق التداولات الخاصة بموضوع النضال النسوي وتسوية العلاقة مع الدين في موضوع المرأة. في رأيكم، ما الذي تتميّز به الحركة النسوية الإسلامية في ماليزيا، وما هي روافدها الحقيقية، وهل بالإمكان جعلها تجربة قابلة للامتثال في السياقات العربية والإسلامية الأخرى؟
ـ أولا يجب توضيح مسألة في غاية الأهمية يا أستاذ! وهي الترويج لفكرة وجود صدام بين الدين وقضايا المرأة. يجب تسوية هذه العلاقة. هذه فكرة لا أساس لها من الصحة؛ فإن كثيرا من الجمعيات النسوية تناقش قضايا غير مطروحة في واقعنا العربي والإسلامي وإنما طرحها الغرب وبالذات الحركات التحررية وحركات التمركز حول الأنثى، وكلها حركات غربية تناضل في واقعها وتتحدى محيطها، لأن الفكرة الجوهرية عندهم هي التحرر، والسؤال المطروح هنا: التحرر منْ ماذا؟ وما أنواع الظلم الواقع عليها حقيقة؟
أما النضال أو بالأحرى حركات النهوض واستنهاض المرأة العربية المسلمة فإما نقصد بها توعية المرأة بقدراتها الذاتية، وإخراجها من قوقعة الفراغ الذي يحيط بها، وخذ مثالا بسيطا لذلك؛ فعملها في بيتها تؤديه وهي كارهة ناقمة على الوضع الذي تعيشه، والحق أنها غافلة عن المهمة الملقاة على عاتقها وهي تؤدي وظيفتها الوجودية في إنتاج أجيال الحضارة الإسلامية، وفي تربيتهم، وفي تحقيق المشروع الاستخلافي جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل.
ناهيك عن ثقافة الوهم التي تستقبلها من خلال القنوات الفضائية وبرامجها المفرّغة من أي مدلول ثقافي إسلامي، سوى أنها تملأ ساعات الفراغ الذي لا تدرك فيها المرأة العربية طرق استيعاب منافذ الخير لها ولأمتها.
مثال المرأة الماليزية
من هنا انطلقت المرأة الماليزية. انطلقت لتترك مجالات الفراغ مفرّغة من ثقافة الوهم والتفاهة والسذاجة التي تملأ ساحات النساء ومجالسهن. وأدركت أن وطنها ودينها كرّماها لأجل أن تنهض بذاتها أصالةً، وتستنهض بنات جنسها تبعا لذلك لأجل غاية واحدة وهي الرقي للدين وللوطن.
؟ هل يمكن امتثال هذه التجربة عربيّا؟
ـ جعلها مثالا يُحتذى به أمر ممكن من خلال استيعابنا لمكامن الاختلاف بين شخصية المرأة العربية وحقيقة الضمانات المقدّمة من طرف المجتمع، لأن أهم مسألة نجح فيها النضال النسوي في ماليزيا أن المجتمع قدّم للمرأة ضمانات اجتماعية تفي بحقها كامرأة أولا، وأمّ ثانيا، وعنصر فعّال خارج البيت ثالثا، بحيث إن الحكومة الماليزية تقوم على حماية القيم الحضارية الإسلامية، ومن ثم سهّل أمر تحويلها إلى قيم اجتماعية ثابتة تحارب العادات والتقاليد التي تخالف الأوامر الإلهية، فالمجتمع نفسه يضمن إمكانية تحقيق القيم الثابتة، فتتحرّر المرأة من النظرات الاستخفافية والاستهزائية والاحتقارية التي تصوب لها من طرف بعض الشواذ فكريا وأخلاقيا.
إشكال التقاليد والنص الشرعي
؟ هناك اتجاه يؤكّد أن كثيراً مما نُسب إلى الشرع في موضوعات المرأة، ليست كذلك حقيقة، وإنما هي من التقاليد الاجتماعية الموروثة. من الناحية النظرية، هل تعتقدون أن هذا المدخل الإشكالي ينال قيمة علميّة وواقعيّة؟ ومن ناحية التطبيق، ما هو رأيكم في المصاديق التي طرحها باحثون معاصرون حول هذه المسألة، من قبيل حجاب المرأة الذي لا يرى شرعيته مفكرون من أمثال جمال البنا ومحمد سعيد العشماوي ومحمد شحرور وحسن حنفي وغيرهم ممن يعتقدون أنه موروث اجتماعي غزا المسلمين من حضارات أخرى وأنه مظهر من مظاهر الهيمنة الذكورية في المجتمع العربي خاصةً.
ـ أوافقك الرأي بالنسبة للمدخل النظري لهذا الإشكال، وهنا وجب التفريق بين نصوص الوحي المتمثلة في آي القرآن الكريم وأحاديث النبي (ص)، وبين اجتهادات الفقهاء وآراء المفسرين وشرّاح الحديث من جهة أخرى، فإن المتأمل لكثير من المسائل المتعلقة بالمرأة فيما يخصّ الزواج مثلا وتوابعه ليجد آراءً معظمها اُسْتُقِي من محيط وواقع المجتهد في عصره، وإن كثيرا من المسائل التي يُحتاج فيها إلى رأي خبير تُسأل فيها النساء على اعتبار أنهن الخبيرات بهذه المسائل، ولم يجد العلماء آنذاك حرجا في سؤالهن. ثم إن العرف كما تعلم هو أحد مصادر الفقه فكلما كانت عادة ما محكمة بين أهل بلد ما وما لم تُعارض نصا شرعيا فإنها تعدّ حكما فقهيا مقبولا، أما الإشكالية التي طرحتها فإن جوهرها يكمن في أن المسلمين- سامحهم الله- لم يأخذوا من نصوص الوحي إلا ما وافق هواهم وعرفهم، وتركوا جانبا النصوص الشرعية التي تركز على الجوانب الاجتماعية فطغت في المجتمع المسلم صور سلبية في التعامل مع النساء حُسبت على الشرع وهو منها براء. وهنا فإننا دائما ندعو إلى ضرورة إعادة النظر في كتبنا الفقهية ومراجعة ما جاء فيها مستندا إلى موروثات ثقافية واجتماعية عاشها الفقيه آنذاك.
مفكرون بمرجعيات مستوردة
أما ما يدعو إليه باحثون معاصرون حول هذه المسألة؛ فإن مشكلة هؤلاء المفكرين -إنّ صح تسميتهم مفكرين- فإن لهم مرجعيات مفارقة للمرجعية الأصيلة. فالمرجعيات المستوردة التي يستنبطونها هي التي أنتجت مثل هذه الأفكار. وبالرغم من أن بعض الأفكار الجزئية التي دعوا إليه قد تكون صحيحة ومقبولة، لكن المرجعيات النهائية، والمفاهيم الكلية، والإطار التصوري الذي ينطلقون منه هو محل النظر والمناقشة. وحيث إنا لا نُسلم بالمقولات المرجعية التي يعتمدونها، وهي مقولات علمانية بمفهومها ليس الإجرائي فقط، بل علمانية بمفهومها المعرفي والمنهجي، وبالتالي فهي مرجعيات ومقولات مفارقة لإطارنا العربي الاسلامي ولمرجعيتنا التوحيدية. فهم -مع احترامي لأشخاصهم- يحلبون من مصدر مغاير ويريدون تطبيقه على مجال غير مجال الأفكار التي ينقلونها.
إضافة إلى ذلك فإن المجال التداولي الإسلامي - بتعبير طه عبدالرحمن- ليس مجالا اختزاليا ولا تهويليا ولا تقطيعيا مثلما يقوم به هؤلاء المفكرون، بل هو مجال يتكامل فيه العمل مع النظر، والوحي مع العقل، والأخلاق مع الأفكار، وهو مجال تكاملي، شامل لأبعاد الوعي ولشخصية الإنسان من حيث هو إنسان، سواء أكان امرأة أم رجلا، وليس اختزاليا ولا صراعيا.
المسلمة والغرب والتأصيل الإسلامي
؟ ألا ترين أن الالتزام الديني بالنسبة للمرأة في الغرب ليس هيّنا وعادياً، فهو التزام يكشف مواجهته للنظام الفكري والمؤسسي هناك. ولعلّ الضغوط التي تواجهها الممارسة الدينية هناك، خصوصا بالنسبة للمرأة المسلمة، تدفع إلى تبني فكرة تطويع الحكم الشرعي بما يتناسب مع الحال الغربية، فيما أنتج ‘’إسلاما غربيا’’ أو ‘’إسلاما أوروبيا’’ له دائرة واسعة من التسامح والتحرّر والاجتهاد المفارق، وبرز في ذلك مفكرون ودعاة جدد. هل ذلك إشارة إلى ضعف التأسيس الفكري الإسلامي في موضوعات المرأة المعاصرة وقضاياها، أم أنّ المسألة تعبّر عن جدية التحدي الذي ينصبّ على المرأة في جدلية التديّن والعصر المحكوم بثقافة الغرب والعولمة وإكراهاتها الجبرية؟
ـ لماذا تسميه ‘’فكرا تطويعا’’، أليس في الفقه الإسلامي القاعدة الفقهية القائلة: لا يُنكر تغيّر الأحكام بتغير الأزمان والأمكنة، وهي قاعدة جليلة ينبني عليها كثير من الأحكام الفقهية التي تستند إلى الأعراف المحكمة والمعتبرة التي لا تخالف نصا شرعيا صريحا، أما التسميات الحديثة فهي فقط لأجل الترويج لأفكار ومصالح معينة، الإسلام دين العالمية وسيستمر كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ونحن نكرر دائما أن الشريعة الإسلامية من خصائصها الخلود والشمول والمرونة والاستيعاب، إذ تأصّلت في الشريعة الأحكام في قواعد عامة ومبادئ أساسية وتركت للمجتهدين من علماء الدين مهمة الاستنباط من تلك القواعد لتندرج تحتها كافة القضايا والأمور التي تتغير بتغير الأزمان والعادات والأعراف والبيئات.
وفي هذا الإطار الأصولي النظري تناقش مسائل المسلمين الذين يشكلون أقليات في البلاد غير الإسلامية. صحيح أن قضايا المرأة وانشغالاتها مازالت تعاني من التأصيل والتأسيس لها في إطار الفكر الإسلامي الحديث، وعندما يطرح المفكرون ضرورة تجديد الخطاب الديني فإن موضوعات المرأة خصوصا والأسرة عموما من أهم الموضوعات التي وجب النظر فيها وفق متطلبات مرحلة العولمة والتحديات التي يواجهنا بها الغزو الثقافي في مجتمعاتنا، وما تطرحه مؤتمرات الأمم المتحدة جبرا لا نقاش فيه. وإن المرأة المسلمة الواعية لمطالبة بمواجهة هذه التحديات وطرح البديل الإسلامي القوي بدء من تحقيقه واقعا في مجتمعاتنا، ثم طرحه على المستوى العالمي