في مواجهة النزعة الذكورية:
رشا عبدالله سلامة
لم يفلح النجاح الأكاديميّ والمهنيّ الذي حققّته (آية ،43عاماً) في مسح نظرة الألم والانكسار من عينيها؛ فآية التي تضع لمساتها الأخيرة على رسالتها في الماجستير، كانت قد تعرّضت منذ عام ونيف لـ"طعنة خيانة في ظهرها" من شريك حياتها الذي استمرّ زواجها منه اثني عشر عاماً كان حصيلته ثلاثة أولاد.
آية التي لم تدّخر وسعاً في التفاني لعائلتها تفاجأت ذات مرّة أنّ "زوجها المثقّف على علاقة مع فتاة لا يعدو عمرها السبعة عشر عاماً". حينها، كانت لحظة التخيير ما بينها وما بين هذه الفتاة، ليقع الاختيار على العروس الجديدة، وليتمّ الطلاق وتتشتّت العائلة.
تعترف آية أنّ "ثقتها قد اهتزّت في كلّ المبادئ والقيم والرجال بعدما كوفئت على صبرها وتفانيها ونجاحها بالخيانة". كما ترى أنّ "مجتمعاتنا المحابية للرجل تبرّرّ له كافة أفعاله حتى المشينة منها، بينما تقف بالمرصاد للفتاة حتى على صعيد نظرتها".
مأساة أخرى ترويها (بدور، 24 عاماً) عمّا فعله والدها "الذي يتصرّف كالمراهق المدلّلّ"، حيث تزوّج للمرّة الثانية لـ "يفسخ ارتباطه في مدّة أقلّ من شهر مع العروس الجديدة". وتشخّص بدور ذلك بـ"العقليّة الذكوريّة التي تصوّر له أنّه قادر على فعل ما يحلو له، عدا عن رفد المجتمع لهذه العقليّة الجائرة". وتؤكّد بدور أنّ أشدّ ما يؤلمها بالإضافة "لجرحها النفسيّ وفقدانها الثقة بكلّ المبادئ"، يؤلمها "تخيّل وضع السيّدات اللاتي وقعن ضحيّة مزاجيّة والدها".
أمّا (أم غادة، 57 عاماً) فإنّها تروي تجربتها التي وصفتها بـ "العيش على الأعصاب والقلق والترقّب المستمرّ" معللّة ذلك بـ "مساعي أهل زوجها الحثيثة لتزويجه لأنّها لم تتمكّن إلاّ من إنجاب فتاة واحدة". وترى أمّ غادة أنّ "الصفعة" التي تلقّاها من كانوا يحاولون إقناعه، تمثّلت في "نجاح ابنتهم وإحرازها مكانة علميّة مرموقة قلّما يصل إليها أحد من كلا الجنسين".
وتؤكّد أمّ غادة أنّ "المرأة في أكثر الأحيان هي العدوّ الأوّل للمرأة؛ قد تكون حماتها أو زميلتها في العمل أو أيّ امرأة أخرى قد ترى فيها تهديداً لمصالحها أو استقرارها النفسيّ أو قد تحاول أن تسقط مأساتها عليها كيّ تشعر أنّ الجميع يعاني مثلها".
من جهتها، ترى الصحافيّة الزميلة حنان الكسواني، التي تفكر أن يكون موضوع رسالتها في الماجستير عن الصعوبات المختلفة التي تواجهها الإعلاميّة الأردنيّة، أنّ "تحسين صورة المرأة لابدّ أن ينبع من أعماق التربية الأسريّة، وتدلّلّ على ذلك بربط الضعف والبكاء بالبنات، حيث ننهى الولد عن البكاء بقول: لماذا تبكي كالبنات؟".
وتضيف الكسواني عاملاً آخر وهو "الصورة الإعلاميّة المنمّطة للمرأة"، التي تنحصر في وجهين وهما: "إمّا الإغراء المبتذل الذي يحصر الفتاة في قالب الجسد، أو الصورة المنكسرة المهزومة وهو ما نشاهده في معظم البرامج التلفزيونيّة والإذاعيّة". وتبرهن الكسواني على النظرة الجائرة للأنثى بتقرير نشرت عنه "الغد" يؤكّد أنّ "معظم المشاجرات الجامعيّة تدور حول الإناث!".
تدعو الكسواني لـ "نظرة شموليّة لجميع النماذج النسائيّة، حيث من شأن ذلك أن يلقي الضوء على التجارب النسائيّة الناجحة الكثيرة في المجال الأكاديميّ والإعلامي والسياسيّ وغيره، وليبرهن على إمكانيّة المرأة في التميّز والنجاح".
الصعود والهبوط في مسار المرأة العربية
لعلّ كتاب (النظام الأبوي وإشكاليّة الجنس عند العرب) للكاتب العراقي إبراهيم الحيدري، يُعدّ من أكثر الكتب العربيّة التي رصدت تطوّر الحياة النسائيّة في العالم أجمع والعالم العربيّ والإسلاميّ خاصّة منذ فجر التاريخ وحتّى يومنا هذا.
يرى الحيدري "أنّه حتى الألف الثالثة قبل الميلاد كان عرب الجزيرة مثلهم مثل باقي الحضارات الساميّة في بلاد الرافدين والشام ووادي النيل، يعبدون آلهة أنثويّة، فعبد العرب اله العزّى ومناة واللاّت"، فهذا يُعدّ أوضح دليل على "المجتمع الأمومي الذي كان يسود العالم في ذلك الوقت.
ويرصد الحيدري أنّ "نقطة التحوّل بالنسبة لوضع النساء في جزيرة العرب، كانت عندما تحوّلت هذه الجزيرة في الماضي السحيق من مجتمع زراعيّ تسيطر عليه المرأة، لمجتمع صحراويّ أنتج النظام الرعوي الأبويّ".
استمر واقع المرأة العربية في التدهور إلى أن جاء الإسلام، ويتابع الحيدري قائلاً: "فنزلت سورة النساء التي ناقشت جميع قضايا المرأة، كما حرّم وأد البنات ورهنهنّ أو تشجيعهن على الرذيلة أو زواج المشاركة الذي كان يسود المجتمع الجاهليّ".
يتتبّع الحيدري التاريخ المشرق للمرأة المسلمة، حتّى يصل العصر الأموي والعباسيّ الذي شكّل "بداية الانحدار للمرأة" العربية- المسلمة مرة أخرى. ويدلّلّ على ذلك بظواهر عدّة منها "تقييد حضورها للمساجد، شيوع الغلمان والقيان والجواري في قصور السلطة، حيث تذكر مصادر تاريخيّة أنّ قصر هارون الرشيد كان يموج بألفين من الجواري الفارسيّات واليونانيّات والبربريّات والحبشيّات وغيرهنّ، كما يُذكر أنّ موسى بن نصير قد عاد من فتح المغرب بثلاثين ألف فتاة من الأسر القوطيّة النبيلة كسبايا، فاختلطت الدماء والأنسال حتى أصبح الكثير من الخلفاء من نسل الجواري".
بين ابن المقفع وابن رشد
ويعتبر الحيدري أنّ رواية (ألف ليلة و ليلة) تعبّر بامتياز عن مجتمع الجواري والغلمان والقيان في بلاط الخلفاء؛ ما دفع الغذامي لاعتباره "أبرز مرافعة نسائيّة من أجل المرأة وصورتها أمام الرجل".
ولا يقف الأمر عند التدهور الاجتماعي بل يصيب المجال الثقافي العام بامتهان عدد كبير من الكتّاب والشعراء القدامى لمفهوم المرأة، فها هو ابن المقفّع يكتب في القرن الثامن للميلاد: "وطّن نفسك على أن لا سبيل لقطيعة أخيك، فإنّه ليس كالمرأة التي تطلّقها"، ويكتب كذلك: "لا شيء أكثر بلاء للدين وللجسد وللخير وللذكاء من حبّ النساء الذي هو أكثر ما يدمّر". والإمام الغزالي الذي يقول : "على المرأة أن تغلق على نفسها وألاّ تترك منزلها وعليها ألا تظهر على سطح منزلها وألا يراها الآخرون وألا تمارس الثرثرة مع الجيران". ووصل الأمر بأبي حيّان التوحيديّ في تفسيره آية "ويهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور" أنّ التعريف بالتأخير أشرف من النكرة بالتقديم!
بينما يرى الحيدري أنّ أوّل من أنصف المرأة هو الفيلسوف ابن رشد الذي يقول: "إنّ حالة العبوديّة التي نشأت عليها المرأة كانت قد أتلفت مواهبها العظيمة وقضت على مواهبها العقليّة، ما سبّبّ شقاء المدن وهلاكها".
وذهب ابن رشد بعيداً في إنصاف المرأة فقد أباح إمامة المرأة للرجال، ورأى أنه ما من شيء يمنعها لتقلّد المهام العليا كالرئاسة والحكم والفقه، وقد استند في ذلك لحديث أبو داوود الذي كان فحواه أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم طلب من أمّ ورقة أن تؤمّ أهل دارها. ما أدّى لنفي ابن رشد وحرق كتبه عام 1195.