الجديد في ما طرحته دراسة الباحثين من جامعتَي شيكاغو وأوهايو الأميركيتين لم يكن فقط تأكيد أن استمرار العشرة الزوجية عامل يرفع من المستوى الصحي للزوجين، ولا أيضا أن الانفصال وانتهاء تلك العشرة إما بالطلاق وإما بوفاة الشريك سبب في تدهور الحالة الصحية للمتزوجين.
ولكن اللافت للنظر في دراستهم المنشورة في العدد الحالي من المجلة الأميركية للصحة والسلوك الاجتماعي Journal of Health and Social Behavior، هو أن الآثار الصحية السلبية البعيدة المدى، للطلاق أو لوفاة شريك الحياة، تظل قائمة وتحصل حتى لو ارتبط الشخص بعلاقة زوجية أخرى بعد تلك التي انتهت.
ومن المعروف لدى الأوساط الطبية أن الزواج عامل يرفع من المستوى الصحي للإنسان، وبخاصة في صحة القلب، وأن العزاب أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، وأن المرء حينما يُبتلى بوفاة شريك الحياة، ويعاني بالتالي من حالة الترمل، ترتفع لديه احتمالات الإصابة بالأمراض المزمنة، وبخاصة أمراض القلب والأمراض التي تؤدي إلى أمراض القلب.
انتهاء العشرة الزوجية
وما وجده الباحثون الأميركيون في دراستهم الجديدة أن الأشخاص الذين ينتهي ارتباطهم وعيشهم مع شريك الحياة في مرحلة ما من العمر، إما بالطلاق وإما بوفاة الشريك، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة، بالمقارنة مع أولئك الأشخاص الذين استمر تنعمهم بالعيش في عش الزوجية.
ولم يتضح للباحثين ما إذا كان لمجرد فقدان عيش الحياة الزوجية تأثير مباشر على الصحة، أو أن هناك عوامل أخرى ذات تأثير صحي سلبي تنشط في تلك المرحلة التي تلي زوال الارتباط. بيد أن الدكتورة ليندا ويت، الباحثة المشاركة في الدراسة ومديرة مركز الشيخوخة بجامعة شيكاغو، قالت إن «فقدان الزواج» أي انتهاء العشرة الزوجية، يبدو أنه مؤثر قوي متلف للصحة، كما يبدو أنه يؤثر على الرجال وعلى النساء سواء بسواء في الجانب البدني والنفسي لصحتهم.
وأشارت الباحثة إلى أن الباحثين سبق لهم أن حاولوا تكوين صورة واقعية عن تأثيرات الزواج على الصحة، ولاحظوا أنه إيجابي في هذا الجانب، خصوصا لدى الرجال. وأوضحت أن نتائج الدراسات السابقة أظهرت أن الرجال المتزوجين لديهم فرصة أكبر للبقاء بُعيد العمليات الجراحية، ويعيشون عمرا أطول، بالمقارنة مع الرجال العزاب.
وقالت صراحة إن هناك أعداد ضخمة من الأبحاث التي أظهرت أن الزواج يرفع من مستوى الصحة.
ولذا، فإن السؤال الذي يظهر بشكل تلقائي إزاء هذه النتائج هو: وماذا عن صحة الذين لا يستمرون في علاقة الارتباط الزوجي؟ وما المتوقع أن يحصل لصحتهم؟
دراسة جديدة
وكانت الدراسة الحديثة متجهة نحو معرفة جوانب من أجوبة هذه الأسئلة، وشمل الباحثون في دراستهم شريحة مكونة من نحو 9 آلاف شخص أميركي من الجنسين، ممن تراوحت أعمارهم بين 50 و60 سنة، عند بدء الدراسة في عام 1992. وكان 75 في المائة منهم متزوجين عند بدء الدراسة.
وخلال فترة المتابعة الطويلة، استمر نحو 55 في المائة في الزواج، عبر عدم الإقدام على الطلاق أو عدم المعاناة من وفاة الشريك، ومن بين من حصل لديهم طلاق أو ترمل، عاد إلى الزواج نحو 20 في المائة.
وبالمحصلة، لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين «فقدوا الزواج»، عبر الطلاق أو وفاة الشريك، كانوا أعلى إصابة بالأمراض والحالات الصحية المزمنة، وبنسبة 20 في المائة، وذلك بالمقارنة مع أولئك الذين استمروا في العيش مع شريك الحياة، وتحديدا أمراض شرايين القلب أو السكري أو السرطان.
كما كانوا، وبنسبة 23 في المائة، أعلى إصابة بحالات صحية تحد من حرية الاختلاط الطبيعي بالناس، مثل صعوبات المشي أو صعود السلالم.
وصحيح أن الأشخاص الذين عادوا إلى الحياة الزوجية، عبر الزواج بشريك جديد، كانت صحتهم أفضل حالا ممن بقوا في حياة العزوبية، ولكن المهم هو أنه على الرغم من ذلك الارتباط الجديد لم تكن حالتهم الصحية مساوية لمن استمروا في ارتباطهم الزوجي الأول، بل بالمقارنة ظلت مشكلاتهم الصحية أكثر، وتحديدا كان مَن طلّق أو ترمّل، ثم تزوج بشريك جديد، أعلى إصابة بالأمراض المزمنة بنسبة 12 في المائة، وأعلى إصابة بإعاقات الحركة والتنقل بنسبة 19 في المائة، وذلك بالمقارنة مع مَن استمروا بالتنعم بزواجهم الأول.
وقالت الباحثة إن الأشخاص الذين لم يعودوا إلى الزواج كانوا أسوأ صحيا من الذين عادوا وتزوجوا بعد الترمل أو الطلاق. لذا فإن الزواج ساعدهم، ولكنه، أي الزواج، لم يُلغِ تماما التأثيرات الصحية السيئة للطلاق أو الترمل، بل خفف منها.
سبب ونتيجة
إلا أن الباحثين لم يجزموا، ولم يثبتوا، أن انتهاء الزواج سيؤدي مباشرة وبشكل تلقائي إلى تدهور المستوى الصحي للشخص، والسبب وراء عدم هذا، هو أن تصميم هذه الدراسة العلمية، والمعتمد على ملاحظة حال تلك الشريحة الواسعة من المتزوجين، لا يوفر لنا استخلاص مثل هذه العلاقة السببية بين انتهاء علاقة الزواج وبدء التدهور الصحي.
وللحصول على تأكيد أو نفي لهذه النقطة تحديدا، يتطلب الأمر إجراء نوعية أخرى من دراسات استشراف المتابعة لمستقبل مجموعتين من المتزوجين، الأولى تبقى متزوجة، والأخرى ينتهي فيها الزواج إما بالطلاق وإما بوفاة الشريك. وبداهة، من المستحيل حصول هذا الأمر.
ومع هذا، فإن بالإمكان في المستقبل أن يبدأ الباحثون في تتبع الحالة الصحية والاجتماعية والنفسية لهؤلاء الأشخاص الذين لم يكونوا محظوظين باستمرار علاقتهم الزوجية.
وذلك لمعرفة ما إذا كان التوتر والضغط النفسي ذا تأثير مباشر أو غير مباشر على مقدار ضغط الدم أو نبض القلب أو مناعة الجسم ومستوى عمليات الالتهابات في أعضاء الجسم أو عادات الأكل والشرب والنوم وأوقات ممارسة الرياضة البدنية أو تناول الأدوية أو الالتزام بالتجاوب مع الأطباء في إجراء الفحوص الطبية وتبني اتباع النمط الصحي للعيش في الحياة وغيرها.
وعلى سبيل المثال، كانت دراسات طبية سابقة قد لاحظت أن مستوى قوة جهاز مناعة الجسم ينخفض بشكل أكبر لدى الأشخاص الذين مروا أخيرا بمرحلة الطلاق، وذلك بمقارنة الأمر لدى مَن مروا بمرحلة الطلاق منذ فترة طويلة، كما أن هناك دراسات أخرى لاحظت أن ثمة فرق في الحالة الصحية، وبخاصة قوة جهاز مناعة الجسم، لدى من يقرر طلب الطلاق، ولذا فإن الحال أفضل لدى من يترك شريك حياته.
كما لاحظت دراسة سابقة للدكتور مارك هيورارد، من جامعة تكساس، أن المرأة المتوسطة في العمر، إذا ما تعرضت للطلاق، فإنها عرضة بشكل أكبر للإصابة بأمراض شرايين القلب، حتى لو أنها تزوجت بعد طلاقها الأول، وتعليله لذلك هو أن الضغط النفسي يثير عمليات حيوية مرضيّة بالجسم، ما ينهك صحة شرايين القلب، ويستمر ذلك التأثير العضوي حتى بعد زوال التوتر النفسي الظاهري.
صحة الأرامل والمطلقين
والاستفادة الأولية من مثل هذه الدراسات هي تنبيه هؤلاء الأشخاص لبذل المزيد من الاهتمام بصحتهم، كي يخفّ عنهم ذلك التأثير الصحي السلبي للطلاق أو الترمل.
وقالت الباحثة، الدكتورة ويت إنه يبدو أن للطلاق أو الترمل آثارا سلبية بعيدة المدى على الصحة البدنية، بشكل يفوق آثاره السلبية على الصحة النفسية.
والصحة النفسية تتفاعل بشكل أكبر مع الحالة الآنية التي يعيش فيها الشخص، أي في الوقت الراهن لديه، أما إذا ما بدأ المرء بإهمال صحة جسمه، عبر عدم ممارسة الحركة والنشاط البدني بالرياضة اليومية أو عدم الاهتمام بالحرص على تناول الطعام الصحي وبطريقة صحية، أو عدم المتابعة مع الأطباء والاستماع بتمعن لنصائحهم وإرشاداتهم، وبخاصة حينما يكون الشخص مريضا، فإن هذا كله سيكون ذا تأثيرات سلبية على صحة الجسم في المدى البعيد، وهذه السلوكيات السلبية تجاه الاهتمام بالصحة، هو غالبا ما يفعله الكثيرون بعد الطلاق أو فقد الشريك.
ولأن من السهل تعلم العادات السيئة وممارستها والاستمرار فيها، ومن الصعب ممارسة العادات الصحيحة والتعود عليها والاستمرار في فعلها، فإن الجوانب الصحية للجسم هي أول الأمور التي تتضرر بفقد وجود الشريك الزوجي وبفقد تنبيهاته الصحية وبفقد رعايته واهتمامه.
وقالت الباحثة إن هذه النتائج تستحق الاهتمام من الأطباء وأصدقاء وأقارب هؤلاء الذين عانوا الطلاق أو الترمل، وعلى وجه الخصوص، يجب على الأطباء الاهتمام بشكل خاص بأولئك الأشخاص والنظر إليهم كأشخاص أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم أو ارتفاع الكولسترول، وهم يحتاجون إلى ترابط اجتماعي أفضل لتخفيف التوتر والضغط النفسي عنهم