موسى عليه السلام (2)
تحدثنا في المقال الماضي عن نبي الله موسى عليه السلام، لكن الحديث عنه لم ينته فهو من اولي العزم الذين خصهم الله برسالة خاصة.
وفي هذا المقال سوف نتحدث عن:
1 قصته مع العبد الصالح الخضر عليه السلام الذي أراد الله ان يعلم به موسى بأنه مهما يؤت من علم فإن في الأرض من هو أعلم، فكان ذلك الأعلم هو الخضر الذي لقيه بمجمع البحرين فتبعه وراح الخضر يفعل أشياء وموسى ينكر عليه ذلك ويريد ان يعرف السبب بفارغ الصبر، لكن الخضر لم يخبره إلا قبل ان يغادره واخبره بأنه لم يفعل كل ذلك إلا بأمر الله، ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا يا موسى.
2 قصته مع البقرة المعروفة ببقرة بني إسرائيل التي كانت ليتيم تركها له ابوه عندما مات فكان يرعاها على أمل ان يحصل من ورائها شيئا.
وبالفعل فإنه عندما قتل بنو اسرائيل ابن ذلك الموصي الذي ترك ثروته لابنه الوحيد وقد قتل، وراحوا يطالبون قوما آخرين بدمه هبت ريح فألجأت القتلة الى باب موسى عليه السلام يطلبون منه ايضاح ما خفي عليهم، فسأل موسى ربه فأمرهم ان يذبحوا بقرة ويضربو الميت بلسانها فيحيا فيخبر بقاتله.
ظن بنو اسرائيل ان موسى يستهزئ بهم فراجعوه مرارا فشدد الله عليهم وطلب منهم أمرا خارقا، فلم تتوافر تلك الشروط إلا في بقرة ذلك اليتيم فاشتروها بثمن غال كان فيه مصلحة لليتيم.
3 قصته مع قارون الذي ضرب به المثل في الغنى، وكان قارون في البداية من قوم موسى لكنه لما استغنى طغى فصار يستعبد الآخرين.
فكم نصحه قومه لعله يلين قلبه على الفقراء لكنه ازداد قسوة وتكبراً وقال: إن ما أوتيت من المال بفضل عقلي فأنا خير منكم ولا فضل لأحد علي، ولكي يجرح مشاعرهم اكثر خرج ذات يوم في كامل زينته وخيلائه فتألم المستضعفون بمظهر البذخ الذي حرموا من أقله فقالوا: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم.
فأراد موسى ان ينفعه وينصحه له فطالبه بأن يزكي ماله ويحسن الى الفقراء، لكنه كان قاسيا مع موسى وقال له: لقد أتيتنا بدين جديد فسكتنا عنك والآن تريد ان تسلبنا اموالنا إنك الآن ظهرت على حقيقتك، عندئذ دعا عليه موسى فخسف به وبداره.
4 ظاهرة العنصر النسائي في قصة موسى عليه السلام، ولم يجتمعن في قصة أحد من الأنبياء مثل ما اجتمعن في قصته، فهناك أمه واخته وامرأة فرعون التي ربته حتى صار فتى وكذلك ابنتا شعيب عليه السلام.
اما أمه فإنها رغم انها تمالكت نفسها ونفذت أمر الله بشأن طفلها فإنها كانت تغلبها مشاعر الأمومة كما يقول الدكتور فضل حسن عباس، والقرآن عبر عن ذلك الموقف فقال: فأصبح فؤاد أم موسى فارغا، مما يدل على ان المرأة مهما تكن قوية القلب فإنها أنثى قد تنهار في أي لحظة وعندئذ لا تستطيع ان تتخذ قرارها.
وأما أخته فإنها لعبت دورا أنثويا بشكل آخر حيث قالت بطريقة بعيدة عن الشبهة: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟
وهي هنا بعكس امها استطاعت ان تملك اعصابها وتتصرف بهدوء وتكسب الموقف.
وأما امرأة فرعون فرغم ان فرعون كان جبارا فإنها كانت لها مكانتها عنده ولها كلمتها، ولذلك فإنها استخدمت تلك الوسائط عندما رغب في استبقاء موسى الطفل عندها في قصر فرعون.
لكن لكي يكون طلبها مقبولا عنده قالت مستعطفة: سوف نبقي هذا الطفل عندنا قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى ان ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون.
وبالفعل فإن هذه العبارة دخلت شغاف قلب فرعون فقبل الطفل ولم يدر انه في يوم من الأيام سيواجهه بالدعوة الى الله.