أساليب الإقناع المستخدمة في الرسالة الاتصالية
تتنوع وتتعدد الأساليب المستخدمة في الرسالة لإقناع المتلقي بمضمونها؛ فأساليب عرض المحتوى تؤثر على التعليم والإقناع، وهناك العديد من الاعتبارات التي تؤدي الى اختـيار أسـلوب معين لتقديـم النص الإعلامي، واسـتخدام نوع معين من الاستمالات، بما يتوافق وطبيعة الموضوع وخصائص جمهور المتلقين.. ومن تلك الأساليب الإقناعية:
1- وضوح الأهداف مقابل استنتاجها ضمنياً:
الإقناع يكون أكثر فعالية عند ذكر أهداف الرسالة أو نتائجها بوضوح، لذلك يجب أن لا نترك للجمهور عبء استخلاص النتائج بنفسه.. وقد أسفرت نتائج الدراسات والبحوث التي أجريت على الجمهور، فيما يتعلق بتغيير الاتجاهات، عن أن الذين غيـروا اتجاهاتهم بما يتوافـق وأهـداف الرسـالة بلغت الضـعف حينما قدم المتحدث نتائجه بشكل محدد، وذلك بالمقارنة إلى نسبة الذين غيروا اتجاهاتهم بعد أن تعرضوا لرسالةٍ ترك المتحدثُ نتائجها يستخلصها الجمهور.
وفي الواقع فإن القرآن جاءت آياته كلها واضحة الأهداف.
ومما يجدر ذكره أن هذه الأساليب والاعتبارات قد تذهب إلى أبعد من ذلك، حيث تتجاوز مستوى الوضوح مقابل الضمنية، فهي أيضاً تتوقف على ظروف أخرى كثيرة مثل:
أ- مستوى تعليم وذكاء المتلقي.
ب- درجة أهمية الموضوع أو ارتباطه بالمتلقي.
ج- نوع القائم بالاتصال.
فالملاحظ أنه كلما زاد ذكاء المتلقي وتعليمه كان من الأفضل ترك الهدف ضمنياً.. وإذا كان الموضوع مهماً للمتلقي فسوف تتوفر لديه معلومات كثيرة عنه، الأمر الذي يجعله يدقق ويتفحص رسائل القائم بالاتصال وأهدافه، وبالتالي يصبح تركه يستخلص النتائج بمعرفته أكثر فعالية، كذلك إذا كان القائم بالاتصال محل شكوك المتلقي فإن تأثيره سوف يقل إذا قدم الرسالة بشكل محدد، ويمكن ملاحظة ذلك في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع العبد الصالح في الآيات من (66) – (80) من سورة الكهف.
2- تقديم الأدلة والشواهد:-
يقول الله تعالى: ((أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ألإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ، وَإِلَى ألسَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ ، وَإِلَى ألْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ، وَإِلَى ألاْرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)) (الغاشية: 17–20).
يسعى معظم القائمين بالاتصال إلى دعم رسائلهم الإقناعية بتقديم أدلة أو عبارات تتضمن إما معلومات واقعية أو آراء منسوبة إلى مصادر أخرى غير القائم بالاتصال.. ويمكن تقديم بعض التعميمات حول تأثير تقديم الأدلة والشواهد، منها:
أ- يرتبط استخدام الأدلة والشواهد في الرسالة بإدراك المتلقي لمصداقية المصدر، فكلما زادت مصداقية المصدر قلَّت الحاجة لمعلومات تؤيد ما يقوله.
ب- تحتاج بعض الموضوعات أدلة أكثر من غيرها، خاصة تلك الموضوعات التي لا ترتبط بالخبرات السابقة للمتلقي.
ج- يقلل التقديم الضعيف للرسالة من وقع وتأثير أي دليل.
د- تقديم الأدلة يكون وقعه أكبر على الجماهير الذكية، أي أولئك الذين يتوقعون إثباتاً للأفكار المعروضة عليهم.
هـ- يتوقف تأثير الدليل على ما إذا كان المتلقون يعتبرونه صحيحاً أو غير صحيح.
3- عرض جانب واحد من الموضوع مقابل عرض الجانبين، المؤيد والمعارض:
وجد بعض الباحثين أن تقديـم الحجـج المؤيـدة والمعارضة في الموضوع الواحـد أكثر فعالية وأقدر على التعبير لدى الفرد المتعلم، وحيـن يكون الجمهور متردداً فإن تقديـم الجانبيـن يكون أقوى أثراً.
يقول الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـائِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ألارْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ألدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ، وَعَلَّمَ ءادَمَ ألاسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ألْمَلَـائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ، قَالُواْ سُبْحَـانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ ألْعَلِيمُ ألْحَكِيمُ ، قَالَ يَـاءادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ ألسَّمَـاوَاتِ وَألاْرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ)) (البقرة:30-33).
ولذلك نجد أن الآية رقم (34) في سورة البقرة تؤكد أن الملائكة قد وصلوا إلى قناعة بالطرح الرباني، فحينما أمرهم بالسجود لآدم عليه السلام أقبلوا دون تردد، قال تعالي: ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـائِكَةِ أسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَأسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ألْكَـافِرِينَ)) (البقرة:34).
وفي المقابل يكون التركيز على جانب واحد من الموضوع أكثر فعالية على تغيـير آراء الأفراد الأقل تعليماً، أو الأفراد المؤيدين لوجهة النظر المعروضة في الرسالة، حيث يصبح تأثير الرسالة في هذه الحالة تدعيماً.
4- ترتيب الحجج الإقناعية داخل الرسالة:-
يشار إلى الرسالة التي تحتجز أقوى وأهم الحجج إلى النهاية بأنها تستخدم في ذلك ترتيب الذروة، أو تأثير النهاية، أما الرسالة التي تقدم الحجج الأقوى في البداية فهي تتبع تأثير عكس الذروة أو تأثير البداية.. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه ليس هناك قاعدة أو قانون عام لترتيب الحجج في عملية الإقناع، فقد ذهبت بعض الدراسات إلى أن الحجج التي تُقدم في البداية تأثيرها أقوى من الحجج التي تقدم في النهاية، بينما أظهرت دراسات أخرى نتائج عكس ذلك.. ويرى بعض الباحثين أن تأجيل الحجج الأقوى حتى النهاية أفضل من تقديمها في البداية، ولنا أن نلاحظ ترتيب الحجج في القرآن الكريم، كما في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمرود، حيث جاءت الحجة القوية في نهاية الأمر: ((فَبُهِتَ ألَّذِى كَفَرَ وَأللَّهُ لاَ يَهْدِى ألْقَوْمَ ألظَّـالِمِينَ)) (البقرة: 258).
5- استخدام الاتجاهات والاحتياجات الموجودة لدى الجماهير:
يرى علماء الاجتماع أن الجمهور يكون أكثر استعداداً لتدعيم احتياجاته الموجودة عن طريق تطويره لاحتياجاتٍ جديدة عليه تـماماً؛ بمعنى أن الرسالة تكون أكثر فعالية حينما تجعل الرأي أو السلوك الذي تعرضه يبدو للجمهور على أنه وسـيلة لتحقيق احتياجاته الموجودة فعلاً، وفي القرآن الكريم يقول تعالى: ((إِذْ قَالَ ألْحَوَارِيُّونَ ياعِيسَى أبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ألسَّمَاء قَالَ أتَّقُواْ أللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ، قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ألشَّـاهِدِينَ )) (المائدة:112-113).
6- التكرار:
يرى عدد من علماء الاتصال أن تكرار الرسالة من العوامل التي تساعد على الإقناع؛ ذلك أن التكرار يؤدي إلى تذكير المتلقي باستمرار بالهدف من الرسالة، ويثير في الوقت نفسه احتياجاته ورغباته. وفي القرآن الكريم نجد الكثير من الآيات والقصص قد تم تكرارها، وخير مثال لذلك قصة سيدنا موسى عليه السلام.
فهذه هي استمالات وأساليب الإقناع التي اتفق حولها كثير من الباحثين في هذا المجال، ويوصي عدد منهم بضرورة اختيار الرموز اللغوية الواضحة والمفهومة والمألوفة، والبعد عن الألفاظ أو الرموز المهجورة، مع مراعاة خصائص الجمهور فيما يتعلق باستخدام قواعد النحو والصرف، والأساليب البلاغية، وهذا كله مما يؤثر على يسر القراءة وسهولة التعرض للوسيلة الإعلامية، ولكن مما يثير الجدل شيوع الاعتقاد بأن اللغة الانفعالية تعتبر أحد الأساليب المهمة في الإقناع، وبالتالي يعتبر مستوى اللغة الانفعالية أحد الخيارات المطروحة في الرسائل الإقناعية.