التعليم في محافظة العلا
00 مقدمة :
لا يحسب التاريخ بمرور السنين فحسب ولكن ربما عدت الأحداث إحدى الوسائل المهمة والجيدة من وسائل التقويم خاصة في تلك الحقب والأزمنة البعيدة الماضية التي لا تتوافر فيها الوسائل الحديثة والمعينة على كل شئ ويمثل ماهي عليه في زمننا الحالي بفضل الله تعالى.
ولعل المتتبع لتاريخ محافظة العلا بإمكانه أن يجعل من تاريخ التعليم في محافظة العلا أحد العلامات الفارقة المميزة لتاريخ هذه المحافظة العريقة جدا والتي عرفت القراءة والكتابة منذ أزمنة بعيده موغلة في القدم متجاوزة بذلك عقبات الزمان وظروف المكان ومتخطية في ذلك العديد من مثيلاتها من بعض مدن وقرى وهجر البلاد العربية حتى أصبحت الرغبة في التعليم والاندفاع إليه والتطلع إلى النتائج المفضية إليه سمة بارزة ميزت أبناءها علي الأقل في العهود الماضية يوم أن كنا نسمع أن أعداد المتعلمين في بعض الأماكن لايتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة ولا أدل على ذلك من خروج بعض أبناء العلا المتعلمين في رحلات علمية إلى بعض الدول المجاورة كمصر والشام لطلب العلم والدليل على ذلك أن مسألة الأمية اعتبرت منتهية منذ سنوات طويلة وإن كنا لاننفي وجودها في بعض القرى والهجر المحيطة بها أو عند ذلك المجتمع البدوي الرعوي المترحل خلف الماء والكلأ والذي امتدت إليه يد التعليم الحانية في ظل العهد السعودي الزاهر حتى تقلصت أعداد الأمية فيه واندحرت فلولها بشكل يدعو للتفاؤل والإعجاب والاطمئنان بحمد الله تعالى.
وهكذا ترسخت القناعة بأهمية التعليم لدى أبناء العلا بل قل عند أهالي العلا بما فيهم تلك المرأة الأمية الأم التي وعت دورها التعليمي مبكرا ورأت بثاقب نظرها في المعلم أو كما تسميه (الشيخ) المنقذ بعد الله تعالى لأبنائها وانتشالهم من أوحال الجهل ومستنقعات الظلام .
لذلك لاغرابة ولا عجب في أن نرى أن بعض الأمهات الأرامل استطعن أن يدفعن بأبنائهن إلى المراتب العلمية والشهادات العالية .وهكذا امتد التأثير الإيجابي لأبناء العلا خارج محيطهم ليشملوا أبناء الشمال في بلادنا وفي المحافظات التابعة لمنطقة المدينة المنورة وربما أبعد من ذلك ويكفي تلقيب أبناء العلا بأساتذة الشمال فخرا بهم بل أن هناك في منطقة الجوف من مازال يتذكر أبناء العلا ويثني عليهم بالثناء الطيب وإن من أبناء العلا من مازال يتذكر تلك البدايات للتعليم في منطقة الجوف علي سبيل المثال لا الحصر وماوصول أبناء العلا إلى مراكز مرموقة في بلادنا الغالية وحصول عدد كبير منهم على المؤهلات العلمية العالية ونبوغ عدد منهم في بعض المجالات إلا دليل على قدم التعليم في محافظة العلا الغنية بالقيم والشواهد التراثية والمعالم الحضارية .
وما ذلك إلا دليل على الاهتمام الواضح الذي حضي به التعليم علي مستوى الأفراد والأسر وبدليل ندرة وجود الأشخاص غير المتعلمين في الأسرة الواحدة بل إن اللوم والازدراء لمن كان يتخلف عن ركب التعليم والمتعلمين .
وبنظرة إلى موقع العلا المتميز في منتصف طريق القوافل التجارية التي كانت تعبر الجزيرة العربية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها في عهود ما قبل الإسلام وما بعده بالإضافة إلي عوامل الاستقرار والازدهار المعيشي في ذلك الوقت كل ذلك كان له الأثر الفاعل في إيجاد الكتاتيب والتعليم المنظم في وقت مبكر ومن تلك القناعة التي تولدت عبر السنين الماضية توارث أهل هذا الوادي عملية الاهتمام بامور القراءة والكتابة والحرص على طلب العلم خاصة في مجال العلم الشرعي المرتبط بأسس ومبادئ وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف الذي حثنا على أهمية العلم وضرورة النهل من ينابيعه الصافية رغم الظروف المعيشية التي كانت سائدة في ذلك الزمان والتي لاتخلو مطلقا من أعباء الحياة اليومية وتكاليفها الباهضه وظروفها القاسية جدا سيما في محافظة العلا التي امتهن أهلها الزراعة كحرفة رئيسة لاغنى لهم عنها لما تمدهم به من أسباب الحياة الكريمة وبما توفره لهم من قوت يومي يصعب بل يتعذر استمرار الحياة بدونه ومع مايتطلبه العمل من جهد ومشقة الا أن الإصرار على التعليم والقناعة المترسخة بضرورته والحاجة الماسة إليه دفع بالسواد الأعظم من أبناء العلا إلى الكتاتيب والمشائخ والمدارس النظامية .
وما زيارة الملك سعود يرحمه الله في عام 1378هـ لمدينة العلا في ذلك الوقت وتشريفه لأحد الحفلات المدرسية بالمدرسة السعودية إلادليل آخر يضاف إلى العديد من الأدلة والشواهد التي أثبتت قدم التعليم بهذه المدينة التاريخية .
ولعل في ذكر الشيخ علي الطنطاوي أيضا في كتابه (نفحات الحرم ) في الصفحة 137 أثناء وصف رحلته من المدينة إلى الشام في يوم الأحد من شهر مارس عام 1935م بأن العلا كان يوجد بها مدرسة مكونة من ثلاثة فصول وثلاثة معلمين ومائة وخمسون تلميذا وان بها من العيون والحدائق والسواني والزروع ما يذكر المرء بالغوطة ووادى بردى علي حد ذكره شاهد آخر ودليل يضاف إلى العديد من الأدلة والشواهد التي أثبتت رسوخ التعليم في هذه المحافظة بشكل يلفت النظر لكل المتتبعين لتاريخ التعليم في بلادنا .
وكل ما نأملة أن نكون قد أسهمنا ولو بجزء بسيط في رسم ملامح تلك الفترات الماضية واعطاء النبذة المطلوبة عن التعليم في هذه المحافظة العريقة وبقدر ما توافر لنا من معلومات تنوعت مصادرها غير مبالين بالجهد الذي استغرقه اعدد هذا الموضوع الذي نأمل أن يشكل أحد الحلقات الهامة في منظومة التعليم في بلادنا ضمن موسوعة تاريخ التعليم في مملكتنا الحبيبة بمناسبة إعدادها.
والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السبيل ،،،