الآداب المرضية في العشرة الزوجية.. لمن ابتغى الراحة الدنيوية والأخروية
كاتب الموضوع
رسالة
ميدو
عدد المساهمات : 258 السٌّمعَة : 1 تاريخ التسجيل : 17/12/2009 العمر : 37 الموقع : جدة المملكة العربية السعودية
موضوع: الآداب المرضية في العشرة الزوجية.. لمن ابتغى الراحة الدنيوية والأخروية السبت يناير 30, 2010 6:00 pm
الآداب المرضية في العشرة الزوجية.. لمن ابتغى الراحة الدنيوية والأخروية
النكاح وآدابه وما يتعلق به
لا يختلف العلماء في أن النكاح مستحب، مندوب إليه، كثير الفضائل، وفيه فوائد: منها: الولد، لأن المقصود بقاء النسل، وفيه فوائد محبة الله تعالى بالسعي لذلك، ليبقى جنس الإنسان. وفيه طلب محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تكثير من به مباهاته. وفيه طلب التبرك بدعاء الولد الصالح والشفاعة بموت الولد الصغير.
ومن فوائد النكاح: التحصن من الشيطان بدفع غوائل الشهوة. وفيه ترويح النفس، وإيناسها بمخالطة الزوجة.
ومنها: تفريغ القلب عن تدبير المنزل، والتكفل به بشغل الطبخ والكنس، والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب العيش، فإن الإنسان يتعذر عليه أكثر ذلك مع الوحدة، ولو تكفل به لضاع أكثر أوقاته، ولم يتفرغ للعلم والعمل، فالمرأة الصالحة عون على الدين بهذه الطريقة، إذ اختلال هذه الأسباب شواغل للقلب.
ومن فوائده أيضاً: مجاهدة النفس ورياضتها بالرعاية والولاية، والقيام بحقوق الأهل، والصبر على أخلاقهن، واحتمال الأذى منهن، والسعي في إصلاحهن وإرشادهن إلى طريق الدين، والاجتهاد في كسب الحلال لأجلهن، والقيام بتربية الأولاد، وكل هذه أعمال عظيمة الفضل، فإنها رعاية وولاية، وفضل الرعاية عظيم، وإنما يحترز منها من يخاف القصور عن القيام بحقها، ومقاساة الأهل والولد بمنزلة الجهاد في سبيل الله عز وجل. وفي أفراد مسلم، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الذي أنفقته علىأهلك".
(فصل): في آفات النكاح
وفى النكاح آفات: أقواها: العجز عن طلب الحلال، فان ذلك يصعب، فربما امتدت يد المتزوج إلى ما ليس له. الثانية: القصور عن القيام بحقوق النساء، والصبر على أخلاقهن وأذاهن، وفى ذلك خطر، لأن الرجلَ راعٍ وهو مسئول عن رعيته. الثالثة: أن يكون الأهل والولد يشغلونه عن ذكر الله عز وجل، فينقضي ليله ونهاره بالتمتع بذلك، فلا يتفرغ القلب للفكر في الآخرة والعمل لها، فهذه مجامع الآفات، والفوائد، فالحكم على شخص واحد، بأن الأفضل له النكاح أو العزوبة مطلقاً مصروف على الإحاطة بمجامع هذه الأمور، بل ينبغي للمريد أن يعرض نفسه على هذه الأحوال، فإن انتفت عنه الآفات واجتمعت له الفوائد، بأن كان له مال حلال وحسن خلق، وهو مع ذلك شاب يحتاج إلى تسكين الشهوة، ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل، فلا شك أن النكاح أفضل، وإن انتفت هذه الفوائد واجتمعت فيه الآفات، فتركه أفضل، وهذا في حق من لم يحتج إلى النكاح، فإن احتاج إليه فانه يلزمه.
(فصل): في طِيب العِشْرَةِ
ويعتبر في المرأة لطيب العشرة أمور: أحدها: الدين، وهو الأصل، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"عليك بذاتالدين"، فإذا لم يكن لها دين أفسدت دين زوجها، وأَزْرَتْ به، وإن سلكت سبيل الغيرة لم يزل في بلاء وتكدير عيش. الثاني: حُسْن الُخُلقِ، فان سيئة الخلق ضررها أكثر من نفعها. الثالث: حُسْن الخَلْق، وهو مطلوب، إذ به يحصل التحصن، ولهذا أمر بالنظر إلى المخطوبة، وقد كان أقوام لا ينظرون في الحُسْنِ ، ولا يقصدون التمتع، كما روى أن الإمام أحمد رحمه الله اختار امرأة عوراء على أختها، إلا أن هذا يندر، والطباع على ضده. الرابع: خِفَّة المهر، وقد زوج سعيد بن المسيب ابنته بدرهمين. وقال عمر رضي الله عنه: لا تغالوا في مهور النساء. وكما تكره المغالاة في المهر من جهة المرأة، يكره السؤال عن مالها من جهة الرجل. قال الثوري: إذا تزوجالرجل وقال: أي شيء للمرأة؟ فاعلم أنه لص. الخامس: البكارة، لأن الشارع ندب إلى ذلك، ولأنها تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب، فيوجب ذلك الود، فان الطباع مجبولة على الأنس بأول مألوف، وهو أيضاً أكمل لمودته لها، لأن الطبع ينفر من التي مسها غيره. السادس: أن تكون ولوداً. السابع: النسب، وهو أن تكون من بيت دين وصلاح. الثامن: أن تكون أجنبية.
وكما ينبغي للرجل أن ينظر في المرأة، ينبغي للولي أن ينظر في دين الرجل وأخلاقه وأحواله، لأنها تصير بالنكاح مرقوقة، ومتى زوجها من فاسق أو مبتدع، فقد جنى عليها وعلى نفسه. قال رجل للحسن: من أُزّوج ابنتي؟ قال: ممن يتقى الله؟ فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لن يظلمها.
(فصل): في آداب المعاشرة والنظر فيما على الزوج وفيما على الزوجة
· أما الزوج، فعليه مراعاة الاعتدال والأدب في اثني عشر أمراً: الأول: الوليمة فإنها مستحبة. الثاني: حسن الخلق مع الزوجات. واحتمال الأذى منهن لقصور عقلهن. وفي الحديث الصحيح: "استوصوا بالنساء خيراً، فانه خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فان ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً". واعلم أنه ليس حسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها بل احتمال الأذى منها، والحلم على طيشها وغضبها، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي "الصحيحين"،من حديث عمر رضي الله عنه أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كن يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، والحديث مشهور. الثالث: أن يداعبها ويمازحها. وقد سابق عليه السلام عائشة رضي الله عنها، وكان يداعب نساءه صلى الله عليه وآله وسلم، وقال لجابر:"هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك". الرابع: أن يكون ذلك بقدر. ولا ينبسط في الرعاية إلى أن تسقط هيبته بالكلية عند المرأة، بل ينبغي أن يقصد طريق الاقتصاد. الخامس: الاعتدال في الغيرة. وهو أن لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي يَخشى غوائلها، ولا يبالغ في إساءة الظن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً. السادس: الاعتدال في النفقة والقصد دون الإسراف والتقتير. ولا ينبغي للرجل أن يستأثر عن أهله بالطعام الطيب، فان ذلك مما يوغر الصدر. السابع: أن يتعلم المتزوج من علم الحيض وأحكامه وما يدرى به كيف معاشرة الحائض. ويلقنها الاعتقاد الصحيح، ويزيل عن قلبها كل بدعة إن كانت، ويعلمها أحكام الصلاة والحيض والاستحاضة. الثامن: إذا كانت له نسوة ينبغي أن يعدل بينهن. والعدل في المبيت والعطاء، لا في الحب والوطء، فإن ذلك لا يملكه، فان سافر وأراد استصحاب إحداهن أقرع بينهن، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. التاسع: النشوز. فإذا كان النشوز من المرأة، فله أن يؤدبها ويحملها على الطاعة قهراً، ولكنه ينبغي أن يتدرج في تأديبها بتقديم الوعظ والتخويف، فإن لم ينفع؛ هجرها في المضجع، فولاّها ظهره أو انفرد عنها بالفراش، وهجرها في الكلام فيما دون ثلاثة أيام، فإن لم ينفع ضربها ضرباً غير مُبَرّح، وهو أن لا يدمى جسماً، ولا يضرب لها وجهاً. العاشر: في آداب الجماع. يستحب البداءة بالتسمية، والانحراف عن القبلة، وأن يتغطى هو أهله بثوب، وأن لا يكونا متجردين، وأن يبدأ بالملاعبة والضم والتقبيل، ومن العلماء من استحب الجماعيوم الجمعة، ثم إذا قضى وطره فليتمهل لتقضي وطرها، فان إنزالها ربما تأخر. ومن الآداب: أن تأتزر الحائض بإزار من حَقْويها إلى ما بين الركبة إذا أراد الاستمتاع بها، ولا يجوز وطؤها في الحيض، ولا في الدُّبُرِ، ومن أراد أن يجامع مرة ثانية فليغسل فرجه ويتوضأ. ومن الآداب: أن لا يحلق شعره، ولا يقلم أظافره، ولا يخرج دما وهو جنب، وأما العزل فهو مباح مع الكراهة. الحادي عشر: في آدابالولادة. وهى ستة: الأول: أن لا يكثر فرحه بالذكر وحزنه بالأنثى، فانه لا يدرى في أيهما الخير. الثاني: أن يؤذن في أذن المولود حين يولد. الثالث: أن يسميه اسماً حسناً. وفي أفراد مسلم:"إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبد الله وعبد الرحمن". ومن كان له اسم مكروه، استحب تبديله، فقد غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسماء جماعة. وقد كره من الأسماء: أفلح، ونافع، ويسار، ورباح، وبركة، لأنه يقال: أهو ثمة؟ فيقال: لا. الرابع: العقيقة عن الذكر شاتان ، وعن الأنثى شاة. الخامس: أن يحنكه بتمرة أو حلاوة. السادس: الختان. الثاني عشر _ مما يتعلق بالزواج _: الطلاق. وهو أبغض المباحات إلى الله عز وجل، فيكره للرجل أن يفاجئ به المرأة من غير ذنب، ولا يجوز للمرأة أن تلجئه إلى طلاقها، فإذا أراد الطلاق فليراع فيه أربعة أشياء: الأول: أن يطلقها في طُهْرٍ لم يُصبها فيه، لئلا تطول عليها العدة. الثاني: أن يقتصر على طلقة واحدة ليستفيد بها الرجعة إن ندم. الثالث: أن يتلطف في الأمر في الطلاق بإعطائها ما تتمتع به لينجبر الفاجع، فقد روى عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه طلق امرأة وبعث إليها بعشرة آلاف درهم، فقالت: متاع قليل من حبيب مفارق. الرابع: أن لا يفشي سرها، وفى الحديث الصحيح في أفراد مسلم "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". وروي عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأته فقيل له: ما الذي يريبك منها؟ فقال: العاقل لا يهتك سراً، فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ فقال: مالي ولامرأة غيري. فهذا كله في بيان ما على الزوج.
· القسم الثاني من آداب المعاشرة: ما على الزوجة لزوجها. عن أبى أُمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "لو جاز لأحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" لعظم حقه عليها. وفى هذا القسم أحاديث كثيرة تدل على تأكيد حق الزوج على زوجته.
وحقوقه عليها كثيرة، أهمها أمران: أحدهما: الستر والصيانة. الثاني: القناعة. وعلىهذا كان النساء في السلف، كان الرجل إذا خرج من منزله يقوله له أهله: إياك وكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.
ومن الواجب عليها: أن لا تفرط في ماله، فإن أطعمت عن رضاه كان لها مثل أجره، وإن كان بغير رضاه، كان له الأجر وعليها الوزر.
وينبغي لوالديها تأديبها قبل نقلها إلى الزوج لتعرف آداب العشرة، وينبغي للمرأة أن تكون قاعدة في بيتها، لازمة لمغزلها، قليلة الكلام لجيرانها، كثيرة الانقباض حالة غيبة زوجها، تحفظه غائباً وحاضراً، وتطلب مسرّته في جميع الأحوال، ولا تخونه في نفسها ولا في ماله، ولا تُوطئ فراشه من يكره، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه، ولتكن همتها صلاح شأنها وتدبير بيتها، قائمة بخدمة الدار في كل ما أمكنها، ولتكن مُقَدَّمةً لحق زوجها على حق نفسها وحق جميع أقربائها.
أسأل الله تعالى أن يوفق الجميع آمين.. وصلى الله على نبينا ورسولنا محمد الأمين.. والحمد لله رب العالمين