الفرق بين القاعدة والضابط الفقهي
المتقدمون يطلقون القاعدة ويريدون بها أيضا الضابط من غير ما تمييز، لذلك قال صاحب شفاء الغليل في شرحه على المنهج المنتخب: (والقاعدة والضابط والقانون والكل ألفاظ مترادفة) ، لذلك يتساهلون ويطلقون لفظ (القاعدة) على ما هو (ضابط) مختص في باب معين من أبواب الفقه، ومن أمثلة ذلك:
- قول أبي العباس الونشريسي في قواعده: (القاعدة الثالثة والعشرون: نية عدد الركعات هل تعتبر أم لا؟) .
وقوله: (القاعدة التاسعة والستون: النكاح من باب الأقوات، أو من باب التفكهات؟) .
- قول المقري: (قاعدة: الطهورية تفيد التكرار بصيغتها وصفتها، فيصح الوضوء بالمستعمل) .
- قول ابن الوكيل: (قاعدة: حقيقة سجود السهو لا يتكرر، سواء كان الموجب له من نوع أو أنواع) .
- قول تاج الدين السبكي: (قاعدة: كل من ضمن الوديعة بالإتلاف ضمنها بالتفريط) .
ونظائر هذا كثيرة في المذاهب.
والحقيقة أن القاعدة غير الضابط، فهي أعم منه وهو أخص منها، بحيث إن القاعدة يندرج تحتها فروع عديدة من أبواب مختلفة؛ مثلا قاعدة (الضرر يزال) قاعدة أساسية كبرى تدخل في أبواب فقهية متعددة، كالنكاح، والطلاق، والبيوع، والحدود، والأطعمة، والجهاد، وغير ذلك.
أما الضابط فإنه يجمع فروعا في باب فقهي واحد، فالضابط الأول المذكور آنفا خاص بباب الصلاة في مسألة اشتراط النية في عدد الركعة، فإن نوى القصر ثم أتم عكسه تصح صلاته أم لا تصح؟ فيه خلاف في المذهب .
وقد فرق بعض العلماء بين القاعدة والضابط، فقال ابن نجيم الحنفي في الأشباه والنظائر: (والفرق بين الضابط والقاعدة أن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى، والضابط يجمعها من باب واحد) .
وقال أبو زيد البناني المغربي في حاشيته على شرح المحلي على جمع الجوامع: (والقاعدة لا تختص بباب بخلاف الضابط) .
وهناك فرق آخر بينهما وهو أن القاعدة غالبا ما تكون محل اتفاق بين المذاهب، وإن اختلف التفريع عليها، أما الضابط فكثيرا ما يكون مذهبيا، بمعنى أنه مختص بمذهب دون آخر، فمثلا القواعد الخمس الكبرى: الأمور بمقاصدها، المشقة تجلب التسيير، الضرر يزال، اليقين لا يزول بالشك، العادة محكمة، متفق عليها في المذاهب، بينما الضابط الفقهي الذي يقول: (الطَّوْل هل هو المال أو وجود الحرة في العصمة؟) فيه خلاف، فالجمهور على أن الطول هو المال الذي يقدر به خائف العنت على أن يتزوج حرة مسلمة، وعليه لا يجوزله نكاح الأمة، أما الأحناف فاعتبروا الطول وجود الحرة في العصمة، وعليه عندهم ولو خاف العنت ولم يكن تحته حرة مسلمة جاز له نكاح الأمة .