أهمية علم القواعد الفقهية
ذكر الإمام شهاب الدين القرافي أهمية القواعد الفقهية وفوائدها في كتابه الماتع "أنوار البروق في أنواء الفروق"، فقال رحمه الله : (والقسم الثاني قواعد كلية فقهية، جليلة كثيرة العدد عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى... وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق من فيها وبرع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها، ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب) .
وقال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله في أشباهه : (... أما استخراج القوى وبذل المجهود في الاقتصار على حفظ الفروع من غير معرفة أصولها ونظم الجزئيات بدون فهم مأخذها، فلا يرضاه لنفسه ذو نفس أبية، لاحاملة من أهل العلم بالكلية... وإن تعارض الأمران- أي حفظ الفروع وتعلم القواعد- قصر وقت طالب العلم عن الجمع بينهما- لضيق أو غيره من آفات الزمان- فالرأي لذي المذهب الصحيح الاقتصار على حفظ القواعد وفهم المآخذ) .
ويمكن تلخيص أهمية هذا العلم فيما يأتي:
أ- بالقواعد الفقهية يستطيع الفقيه أن يضبط الكثير من مسائل الفقه وينظمها في سلك واحد، لأنها راجعة إلى حكم واحد ومقصد واحد.
ب- حفظ الفروع والجزئيات صعب لكثرتها، وإن حفظت تنسى، أما القاعدة فهي سهلة الحفظ بعيدة النسيان لأنها مصوغة صياغة موجزة سهلة، ومتى عرض للفقيه فرع أو مسألة فإنه يستحضر القاعدة بسرعة.
ج- القواعد الفقهية تسهل على الفقيه معرفة حكم كل ما يستجد من المسائل، وذلك من خلال إلحاق النظير بنظيره، فإن كل مسألة جديدة لا تخلو من شبيه لها يندرج تحت قاعدة من القواعد الفقهية.
د- إن القواعد الفقهية تمكن الفقيه من تعاهد ما يحفظ من فروع، وتساعده على تذكرها واستحضارها بسرعة
والمرور بأكثرها من خلال مراجعة القواعد.
هـ- الأحكام الجزئية قد يتعارض ظاهرها ويبدو على عللها التناقض، وذلك يجعل الطالب والباحث يقعان في الارتباك والخلط، وقد تشتبه على المرء الأمور حتى يبذل جهده لمعرفة الحقيقة. أما القاعدة الفقهية فإنها تضبط المسائل الفقهية، وتنسق بين الأحكام المتشابهة، وترد الفروع إلى أصولها، وتسهل على الطالب إدراكها وأخذها وفهمها.
و- تساعد القواعد الفقهية على إدراك مقاصد الشريعة، وأهدافها العامة، لأن مضمون القواعد يرشد إلى معرفة الغايات والمقاصد مثل (الضرر يزال) و (المشقة تجلب التسيير) قاعدتان عظيمتان تدلان على مقصد رفع الحرج في الشريعة الإسلامية السمحة.
ز- القواعد الفقهية تنمي ملكة الاستنباط عند الناظر في المسائل الفرعية والنوازل الفقهية من خلال دراسته لها ودراسة الأبواب المندرجة تحتها.
يتبع بإذن الله.