اغتيال الملك فيصل مؤامرة كبرى
استهدفت أشرف الرجال والمواقف العربية في 13 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975
الثلاثاء, 15 سبتمبر 2009
الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، (1906 / 1324 هـ-25 مارس 1975 / 1395 هـ) ملك المملكة العربية السعودية للفترة 1384 هـ الموافق 2 نوفمبر 1964 وحتى 1395 هـ الموافق 25 مارس 1975. وهو الابن الثالث من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذكور، وأمه هي طرفه بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ من ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب. وقد ولد في مدينة الرياض.
حياته السياسية
تربى الملك فيصل في بيت جده لأمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ التميمي وهيا بنت عبد الرحمن آل مقبل التميمي وتلقى على يديهما العلم وذلك بعد وفاة والدته رحمها الله. وقد أدخله والده الملك عبد العزيز في السياسة في سن مبكرة، وأخذ يرسله إلى زيارات لبريطانيا وفرنسا في نهاية الحرب العالمية الأولى وكان بعمر 13 سنة، وقاد وفد المملكة إلى مؤتمر لندن بعام 1939 بخصوص القضية الفلسطينية المعروفة بمؤتمر المائدة المستديرة. كرئيس وفد المملكة مثله في توقيع أ. إن . تشارتر أيضا في سان فرانسيسكو في عام 1945.
وعلى المستوى المحلي قاد القوات السعودية لتهدئة وضع متوتر في عسير في عام 1922. كما شارك في الحرب السعودية- اليمنية في عام 1934. وتسلم عددا من الوظائف الكبيرة أثناء عهد والده الملك عبد العزيز، فقد عين نائباً للملك في الحجاز في عام 1926، ورئيس مجلس الشورى في عام 1927. وكان في عام 1925 قد توجه جيش بقيادته لمنطقة الحجاز وتحقق النصر للجيش وتمت السيطرة على الحجاز، وبعد عام تولى مقاليد الإمارة في الحجاز. ومع تطور الدولة تم تقليده منصب وزير الخارجية وذلك في عام 1932 بالإضافة إلى كونه رئيساً لمجلس الشورى، وقد ظل وزيراً للخارجية حتى وفاته بعام 1975 عدى فترة قصيرة.
الملك فيصل في زيارته لبريطانيا وبعد قرار هيئة الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، طلب من أبيه قطع العلاقات الديبلوماسية مع الولايات المتحدة ولكن طلبه هذا لم يجب. وكان قد زار القدس لأول مرة في حياته بعد حيازة الأردن لها بعد حرب 1948 وذلك في عام 1385هـ الموافق 1965م من القرن العشرين وأكد نيته في زيارة القدس للمرة الثانية بعد تحريرها من الصهيونية والصلاة في المسجد الأقصى. وكان قد هدد الغرب بإغلاق جميع آبار النفط إذا لم تعد القدس للمسلمين. وعمل في عام 1973 على تعزيز التسلح السعودي، كما قام على تصدر الحملة الداعية إلى قطع النفط العربي عن الولايات المتحدة والدول الداعمة لإسرائيل في نفس العام. وقامت مجلة التايم الأميركية بتسميته «رجل العام» لسنة 1973.
توليه الحكم
في عام 1381هـ / 1961م قرر جلالة الملك سعود في مجلس الوزراء سحب عضوية الملك فيصل من مجلس الوزراء وتسليم عمل وزارة الخارجية للأمير نايف فأصبح الملك فيصل ليس عضوا في المجلس وليس وزيرا للخارجية ولم يتم تسليم المنصب للأمير نايف لأنه لم يكن لديه الدراسة الممتازة بالديبلوماسية مثل الملك فيصل فسلم العمل للواء إبراهيم السويل وبقي إبراهيم السويل في منصبه حتى أواخر عام 1383هـ / 1963م حيث فكر الملك سعود بعودة الأمير فيصل لعضوية المجلس فعاد إلى العضوية وسلمه الرئاسة, وعاد إلى منصب وزير الخارجية. وفي أواخر هذا العام في إحدى جلسات مجلس الوزراء. تم صدور سلسلة من القرارات الملكية, ومن المجلس نفسه, ومن تلك القرارات, تسليم التشكيل الأول للمجلس لوزارة الدفاع, والثاني لوزارة الداخلية. وقطع علاقات البلاط الملكي, وتسليم الحرس الأول والحرص الخاص لوزارة الداخلية. وتغيير وجهة الأوامر الملكية, وتسليم عمل وزارة المالية للأمير فيصل, وتسليم الاستقبالات الملكية للأمير فيصل. فكان لفيصل بتلك الفترة كل المناصب الملكية والملك كان خارج المملكة للعلاج, ولم يبق للملك فيصل سوى آخر منصب الملك. كان الأمير فيصل هادئا في فترة حكم عبد العزيز لم يكن حتى يحتاج الحكم كثيرا ولكن مجلس الشورى ومجلس الوزراء لم يكن يعمل مثل ما يرام في فترة سعود وخاصة وزارة المالية لأن المملكة بتلك الفترة تسحب المال من شركة أرامكو وأوروبا ومصر فكانت ستسقط المملكة لو بقي الحكم حتى وفاة سعود في 1388هـ,فجاء آخر قرار في 27/6/1384هـ من الملك سعود وقد وافق بتسليم الحكم للأمير فيصل ليصبح الملك فيصل وبعد شهرين قرر الملك سعود مغادرة الرياض, فسلمه الملك فيصل 60 حارسا للحرس الملكي يبقون معه، 50 حارسا شهر واحد والبقية لبقية حياته وقد كان في وداعه في مطار الرياض جلالة الملك فيصل وسمو الأمير محمد وسمو الأمير خالد وسمو الأمير ناصر والأمير سعد والأمير فهد والأمير عبد الله والأمير عبد المحسن والأمير مشعل والأمير سلطان ولم يكن موجود الأمير عبد الرحمن لأنه كان في فرنسا وقد زاره الملك بعد فترة. تولى الملك فيصل الحكم عام 2 نوفمبر 1964 الموافق27جمادى الآخرة 1384 هـ وذلك بعد إقصاء الملك سعود من الحكم.
من أقوال الفيصل
قال الملك فيصل في خطبة البيعة في الاحتفال الشعبي في الرياض في 19/7/1384هـ: لكم علي أن أراقب الله سبحانه وتعالى في كل ما أعمل ولكم علي الاخلاص في خدمتي لكم ولكم علي أن أعدل بين صغيركم وكبيركم وإن أطرفكم (أبعدكم) عندي مساوٍ لأقربكم إلي في الحق ...إننا لا ننزه أنفسنا عن الخطأ أو عن الأغلاط. وإنما الميزة الوحيدة هي أننا إذا غلطنا قلنا: غلطنا وإذا أخطأنا عدلنا خطأنا» وقال في خطابه بالحج عام 1387هـ: إن هناك مقدسات لكم تداس وتهان وترغم يوميا, فهناك أرض المعراج هناك أولى القبلتين هناك ثالث الحرمين الشريفين فهو لنا جميعا... إنه ليس للعرب دونكم أيها الإخوان لكنه للمسلمين جميعا وإنه ليتعرض اليوم لأعظم الكيد والحرمات وأني لأهيب بإخواني المسلمين أن يهبوا لنصرة دينهم وللدفاع عن مقدساتهم لأن الله سبحانه وتعالى قد فرض علينا ذلك وقال في محكم التنزيل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه).
الاقتصاد في عهده
كرس انتباهه الأقصى للشركات الصناعية والزراعية والمالية والاقتصادية. تتضمن المشاريع الزراعية الري وشبكة الصرف ومشروع الرمال في الإحساء في منطقة المملكة الشرقية. بالإضافة إلى مشروع سد أبها في الجنوب، ومشروع أفوريستيشن، ومشروع موارد الحيوان وبنك التأمين الزراعي وفي فترة عهده زادت المساحة الزراعية بشكل ملحوظ والبحث عن مصادر الماء كان مشجعاً كما انه كجزء من بحث الدولة عن المعادن أنشئت الشركة العامة للبترول والمعادن.كما لا ينسى التاريخ له انه استطاع انتشال المملكة اقتصادياً وإدارياً بعد إعلان إفلاس الخزينة الحكومية. وهو من وضع الخطط الخمسية عام 1390هـ للبلاد ووضع نظام المناطق الإدارية، وهو من جلب الشركات الاستشارية الخارجية لدعم مؤسسات الدولة الخدمية، وهو أيضاً من رفع اسم المملكة عالميا وجعل لها نفوذاً وهيبة واحترام على المستوى العربي والإسلامي والعالمي.
قضية فلسطين
تعتبر قضية فلسطين العربية والإسلامية أهم قضية عربية بالنسبة للملك فيصل وأنه كان اهتم بها من يوم توليه منصب وزير الخارجية أي في عام 1930م وهي القضية الذي اهتم بها خمسة وأربعين عاما حتى رحيله.
كانت سياسته تقوم على أساس عدد من الثوابت وهي حماية واستقلال وهوية البلد، والاحتفاظ بميثاق جامعة الدول العربية وبنشاط الدفاع عن التضامن الإسلامي. وطالب بمؤسسة تشمل العالم المسلم وزار عدة بلاد مسلمة لشرح الفكرة وقد نجح في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم الآن أكثر من 50 دولة إسلامية. كما أنه استطاع قطع علاقات أكثر من 42 دولة مع إسرائيل.
اغتيال الملك
في صباح يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975م،كان الملك فيصل يستقبل زواره بمقر رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزير النفط الكويتي الكاظمي، ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي ، ووصل في هذه الأثناء الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز (اخو الأمير خالد بن مساعد والشاعر عبدالرحمن بن مساعد)،ابن شقيق الملك فيصل، طالبا الدخول للسلام على عمه. وعندما هم الوزيران بالدخول على الملك فيصل دخل معهما ابن أخيه الامير فيصل بن مساعد. وعندما همَّ الملك فيصل بالوقوف له لاستقباله، كعادته مع الداخلين عليه للسلام، أخرج الأمير مسدساً كان يخفيه في ثيابه، وأطلق منه ثلاث رصاصات، أصابت الملك في مقتل في رأسه. ونقل الملك فيصل على وجه السرعة إلى المستشفى المركزي بالرياض (الشميسي)،ولكنه توفي من ساعته، رحمه الله رحمة واسعة. أما القاتل فقد قبض عليه ، وأودع السجن. وبعد التحقيق معه نفذ فيه حكم القصاص قتلاً بالسيف في مدينة الرياض، بعد اثنين وثمانين يوماً في يوم الاربعاء 9 جمادى الآخرة 1395هـ الموافق 18 يونيه 1975م
يقول أحد المعاصرين لهذه القصة : (كنت بالقرب من رئاسة الوزراء ..في صباح يوم الثلاثاء وكان هنالك ازدحام شديد .. فاقتربت قليلا واذا بي اشاهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز (ولي العهد وزير الدفاع الحالي) (بدون شماغ) في وسط الزحام يحتضن الملك فيصل ويهم باركابه السيارة لنقله الى المستشفى)، وقد اختلفت وجهات نظر المحللين والكتّاب وأفراد الأسرة الحاكمة حيال اغتيال الملك فيصل .. فمنهم من قال إن الامير فيصل بن مساعد قتل الملك فيصل ثأراً لمقتل أخيه الأمير خالد بن مساعد .. ومنهم من قال إن مقتل الملك مؤامرة ... وأن فيصل بن مساعد جزء من هذه المؤامرة .. ومنهم من قال ان الامير الذي قتل الملك فيصل كان يعاني أمراضا نفسية.
مواقف الملك تجاه أميركا والحرب العربية الاسرائيلية
دعم الملك فيصل رحمه الله مصر و الدول العربية بالمال والرجال في حربها ضد العدو الاسرائيلي وهذا بيان لوزارة الدفاع والطيران في المملكة حول اشتراك القوات السعودية المسلحة في القتال. (المصدر : «الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973م، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9 ، ط 1 ، ص 366») : أمر جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز بأن توضع كافة القوات العربية السعودية باقصى درجة الاستعداد للمشاركة في معركة الامة العربية الكبرى... وامر جلالته بدعم الجمهورية العربية السورية وذلك بتحريك قوات أخرى لاداء الواجب المقدس في المعركة القائمة هناك ليمتزج الدم العربي السعودي، مع الدماء العربية، دفاعاً عن الشرف والكرامة واسترداد الارض وتحرير المقدسات الاسلامية. وقد بدأت هذه القوات في الوصول فعلا الى ارض المعركة في الجبهة السورية. والى جانب المشاركة الفعلية في القتال، فإن المملكة العربية السعودية تضع كافة امكاناتها وطاقاتها لخدمة المعركة. والله نسأل ان يحقق لامتنا العربية الاسلامية المجاهدة النصر والتوفيق.
2- خفض انتاج النفط ومن ثم وقف تصديره للولايات المتحدة وهذا بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي حول تخفيض إنتاج النفط (المصدر : «الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973م، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9 ، ط 1 ، ص 383») :قرر وزراء البترول العرب، في مؤتمرهم المنعقد في الكويت يوم امس الأول، تخفيض الانتاج شهرياً بنسبة لا تقل عن 5 بالمئة. واستنادا للقرار المذكور، قررت حكومة صاحب الجلالة تخفيض انتاجها فوراً ابتداء من هذا اليوم - الخميس - حتى نهاية شهر نوفمبر بنسبة 10 بالمئة، ثم يستمر التخفيض بعد ذلك شهرياً بنسب تقرر عندئذ طبقاً للقرار المذكور. وتبذل حكومة صاحب الجلالة الآن جهدها لكي تعدل حكومة الولايات المتحدة الاميركية موقفها الحالي من الحرب الدائرة بين الأمة العربية واسرائيل، ومساعداتها الحربية لها، واذا لم تسفر هذه المساعي سريعاً عن نتائج ملموسة فستوقف المملكة تصدير البترول إلى اميركا.
بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي حول وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية (المصدر : «الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973م، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9 ، ط 1 ، ص 383») :انطلاقاً من البيان الذي صدر عن الديوان الملكي بتاريخ 22 رمضان 1393هـ، والتي قررت فيه حكومة صاحب الجلالة تخفيض انتاجها من البترول بنسبة 10 بالمئة فوراً، ومتابعتها لتطور الموقف، ونظراً لازدياد الدعم العسكري الاميركي لاسرائيل، فإن المملكة العربية السعودية قررت ايقاف تصدير البترول للولايات المتحدة الاميركية لاتخاذها هذا الموقف.
3- قبل اغتيال الملك فيصل ببضعة أيام .. كان وزير خارجية أميركا الأسبق هنري كيسنجر في زيارة للمملكة .. وقبل وصول الوزير الأميركي ، أمر الملك فيصل بإقامة مخيم في الصحراء لاستقباله .. وأمر بوضع مجموعة من الغنم وزرع نخلة بالقرب من المخيم .. لكي يبين للوزير الأميركي وللعالم أن السعودية ليست في حاجة الى الموارد المالية العائدة من تصدير النفط وانها قادرة على وقف تصدير النفط او حرق آبارها ان لزم الأمر .. وان السعوديين من الممكن أن يتكيفوا مرة اخرى مع حياة البادية، يرعون الغنم ويزرعون النخل.. وايضا بقاء الامير فيصل بن مساعد ولفترة طويلة في الولايات المتحدة (ما يقارب الثمان سنوات).
يقول الأمير خالد الفيصل في احد اللقاءات التي اجريت معه : (كنت في الولايات المتحدة انا ووالدتي للعلاج .. وأنا في غرفتي في الفندق سمعت والدتي تصرخ .. فذهبت إليها مسرعا .. واذا هي منهارة تماما ..بعد سماعها مقتل الملك فيصل في المذياع) ولم يتطرق الأمير خالد الفيصل للأسباب والدوافع التي جعلت الامير فيصل بن مساعد يقتل عمّه ! إلا أنه وفي احدى قصائده التي رثى فيها والده أشار اشارة واضحة الى أن مقتل الملك فيصل مؤامرة ،حيث قال في قصيدة (سلام يافيصل) :
إن كان قصد عداك تعطيل ممشاك = حقك علينا ما نوقف ولا يوم .
إن قاله الله مانضيّع لك مناك = نسجد لرب البيت في القدس ونصوم
يشير خالد الفيصل في البيت الأخير لمقولة الملك فيصل المشهورة قبل اغتياله بفترة : (( سنصلي العيد القادم في القدس بإذن الله)). ومن المصادفة ان الملك فيصل رحمه الله رحمة واسعه قال في خطاب القاه قبل اغتياله بيومين ((ارجو ان تعذروني ان ارتج علي فانني حينما أتذكر حرمنا الشريف ومقدساتنا تنتهك وتستباح وتمثل فيها المخازي والمعاصي والانحلال الخلقي فاني ادعو الله مخلصا اذا لم يكتب لنا الجهاد وتخليص هذه المقدسات الا يبقيني لحظة واحدة على الحياة)) وقد تحققت امنيته رحمه الله فلم يلبث يومين الا وقد ذهب الى جوار ربه.